[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اغتيال الألمان في اليمن .. رسالة من طهران لبرلين_ لم لا؟!

في جريمة اغتيال الأطباء الألمان في صعدة، أقصى شمال اليمن، لانريد استباق التحقيقات لكن في المقابل لا يكفي أن ننجر وراء تعقب التصريحات لأطراف القضية، إذ أن الحادث الإرهابي بحاجة إلى قراءة لأن فيه مدلولات عدة أقلها أن إرهاباً من نوع ما بدأ يخلط الحابل بالنابل في منطقة عرفت بالتوتر الناجم عن تمرد شيعي مسلح وتواجد ضعيف للدولة.

الألمان كما ذكرت وسائل الإعلام يصوبون أصابع الاتهام نحو القاعدة.. والألمان هم أعنى المعنيين بالحادث وهم ضحاياه. وهذا يدعو للتساؤل، كيف استطاعت القاعدة التغلغل في مناطق الحوثي؟. وإذا كانت على علاقة وطيدة بالدولة، كما يدعي الحوثي والمعارضة المتأثرة به، فلماذا يتسبب تنظيم القاعدة في إحراج النظام بجريمة كهذه، ولماذا لم يتعاون معه ضد التمرد الحوثي طالما كان على خلاف عقدي معه وتحالف مع الدولة وقدرة على التغلغل؟!!

في المقابل لماذا هذه الهبة الحوثية التي انصاعت لها الكثير من الوسائل الإعلامية.. إدانة للجريمة وصلت حد المطالبة بمسيرة منددة بالحادث؟ وهم أصحاب معاداة الغرب والموت لأمريكا وإسرائيل!!!

أضرار الجريمة فادحة على سمعة الدولة وصورة النظام في الخارج، مهما حاول البعض توجيه أصابع الاتهام للنظام الذي يريد إثبات كفاءته في الحرب ضد الإرهاب..

كل المعطيات تؤكد العلاقة الوثيقة بين تنظيم قاعدة ما بعد سقوط قندهار وبين طهران التي احتوت، منذ مطلع الثمانينات، الفصيل الجهادي السني المعارض للنظام في مصر. والذي اندمج مع تنظيم أسامة بن لادن في العام 98.

كل هذه القراءة مبنية على أساس صحة الاتهامات الألمانية للقاعدة، بينما الذي يعرف بدقة الأوضاع على الأرض يدرك أن منطقة الجريمة لا نفوذ فيها إلا لأتباع الحوثي.. وليس للدولة فيها إلا السيادة الاسمية، ناهيك عن القاعدة التي لا تأمن إلا في صحراء مأرب ومغاور سيئون وجبال حطاط..

يحاول الحوثيون الصيد الذكي في الماء العكر.. إذ من الطبيعي أن يقولوا كيف سنستهدف مواطنين من ألمانيا التي تأوي أحد قادتنا.. وهو يحي بدر الدين الحوثي.؟ وأياً من يكن الفاعل فإن أتباع التمرد المدعوم إقليمياً من إيران (تخطيطاً وتسليحاً) سيحاول عبر لوبيه الموجود في الإعلام وفي الخارج إقناع الألمان أن السلطة هي الفاعل!

ومعلوم أن مخابرات ألمانيا من أقوى مخابرات العالم وأن كثيراً من الدول تشتري معلومات من المخابرات الألمانية..

لابد أن نركز على المستفيد من هذا الحادث.. وأن نتساءل عن طبيعة الانطباعات التي بات يخرج بها موظفو الإغاثة من صعدة.. أهي لصالح الحوثيين أم ضدهم؟!!!

ويبدو أن المسألة محبوكة من جميع النواحي، على أن طريقة الاختطاف تم اكتشاف جثث المخطوفين مرمية في العراء.. لم تحدث إلا من قبل ميليشيات الشيعة في العراق.. وتتكفل "التقية" بالحيلولة دون إعلان الجهة المنفذة مسؤوليتها عن الحادث.. إلا إذا بادر الوحيشي –كعادته- وأعلن مسؤولية تنظيم القاعدة عن الحادث.. والوحيشي كما هو معلوم انتقل من جوانتامو إلى إيران التي يبدو أنه تلقى فيها دورة قبل عودته إلى اليمن وتشكيله "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، الذي لا يستهدف بكل عملياته كما هو واضح سوى نظامي الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية. وتصريحات القيادي القاعدي محمد العوفي بعد تسليم نفسه للسلطات السعودية تؤكد كيف أن تنظيم القاعدة أصبح ينفذ استراتيجية طهران..

وفي كل الأحوال فإن المأساة الحقيقية هي أن تتحول وسائل الإعلام إلى ناقل غير ناقد للأحداث.. خصوصاً وأن الجريمة بشعة بكل معنى الكلمة، وضحاياها أشخاص بذلوا أنفسهم لخدمة الإنسانية، ودفعوا أرواحهم ثمناً لذلك. على أن المسألة وفق أعمق القراءات أكبر من ملعب الحسابات بين الأطراف في اليمن.. وذلك لتزامنها مع اضطرابات هائلة في الشارع الإيراني الذي يشعر أن النتائج المعلنة لا تعكس إرادته التي أودعها في بطاقات الاقتراع..

هذه الاضطرابات هزت هيبة إيران وشككت بأطروحات قادتها حول الديمقراطية وتماسك الجبهة الداخلية.. ولا يزال الأمريكيون حتى اليوم، والفرنسيون، والبريطانيون، يتعاملون معها بتحفظ شديد، عدا تصريحات خجولة من بعض صغار المسؤولين تعد بالنظر فيما يحدث بالشارع الإيراني..

لكن ألمانيا ومستشارتها الشجاعة ميركل هي الوحيدة التي شككت في شرعية النتائج وطالبت بأخذ الاحتجاجات بجدية ليأتي الرد الطهراني على تصريحات الألمان من صعدة.. وعبر الحوثيين.. أحد أذرع طهران في المنطقة التي تلوي بهم أكثر من ذراع.

على أن لغزاً ما لا يزال يشوب العلاقات بين الإدارتين الحاليتين في طهران وبرلين لم تستطع تصريحات أحمدي نجاد العريقة حول المحرقة، والتي كررها خلال الحملة الانتخابية أن تجلب له رضى الألمان.. الذين تصب تصريحاته في إخلاء ساحتهم من المحرقة.. لكنهم (الألمان) أول من بادر إلى التعاطف مع مير موسوي الذي أعلن فوزه في الانتخابات قبيل ظهور النتائج التي جاءت بفارق كبير بينه وبين نجاد، بصرف النظر عن ما تطرقت إليه بعض الصحف الغربية الصادرة اليوم من أن تقارير مسربة من النظام في إيران تقول إن نجاد حل ثالثاُ، وأن موسوي هو الفائز..

وأياً ما يكون مزاج الصراعات على المستوى الإقليمي والدولي فإن المأساة هي أن يصبح اليمن البيئة الخصبة لتصفية حسابات هذه الأطراف..

الخلاصة: اغتيال الألمان رسالة إيرانية عبر الحوثيين رداً على تصريحات برلين حول الانتخابات الرئاسية في طهران.. ومسارعة برلين إلى اتهام القاعدة هو تعبير واضح منها على أن الرسالة وصلت.

زر الذهاب إلى الأعلى