ليس هناك أي فرصة اخرى أمام القيادة السياسية في اليمن حاليا لاسترداد هيبتها وكرامتها وسيادتها وشرعيتها في هذا البلد والتكفير عن الخطأ الجسيم والفادح الذي ارتكبته في حق نفسها وشعبها وإلغاء تلك الشروط المهينة التي أعلنتها في بداية هجومها العسكري الكاسح سوى إحضار رأس الفتنة ومفجرها في (صعدة) وتقديمه وكل أعوانه الرئيسين وقادته الميدانين للمحاكمة عن كل الجرائم التي ارتكبوها في حق اليمن واليمنيين ..
وبدون إحضار رأس الأفعى كما فعلت في العام 2004م فإن الدولة تكون قد غامرت وقامرت وخسرت آخر ما تبقى لها من هيبة وقيمة وكرامة واحترام أمام مواطنيها في بقية محافظات الجمهورية في طول الوطن وعرضه .
حيث لم نسمع ولن نسمع أبدا أن هناك دولة في العالم كاملة السيادة على أراضيها وتمتلك جيشا قويا في غاية الجاهزية القتالية وبخبرات سابقة مشهودة النجاح والكفاءة، تقوم بمفاوضة مجموعة مواطنين متمردين على شرعية وجودها ودستورها واسترضائهم بالمساومة غير اللائقة بها ووضع الخيارات الناعمة أمامهم ووعدهم بالإفراج عن المسجونين من أتباعهم بقضايا جنائية واضحة ومثبته ..
الدولة هذه المرة تراود المتمردين عن نفسها و(بدون قيد أو شرط !!) وكأنها تعتذر لهم عن محاكمتهم وسجنهم وتعلن شروطهم غير المقبولة بلسانها ضد نفسها وشعبها دون أن تنتبه أنها تدين نفسها بنفسها هنا!! فلماذا تم القبض عليهم ومحاكمتهم إذن من الأساس!!
وهنا يبرز سؤالا محرجا لها هو : هل كانت التهم التي وجهت إليهم جنائية حقيقية أم سياسية و كيدية؟؟ لأن الدولة لم تعد هنا تفرض شروطها على المتمردين بتسليم أنفسهم لها (دون قيد أو شرط) كما كانت تفعل في حروبها السابقة .. هذه فضيحة قانونية وسياسية وإعلامية مخجلة في كفاءة من يعدّون خطاب التوجيه السياسي والإعلامي في البلد.. ومحبطة جداً للأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية وحتى القضائية التي بذلت جهودا مضنية ومخلصة ومقدرة في تتبعهم والقبض عليهم ومحاكمتهم ..
رغم أن هذه الدولة هي ذاتها التي طلبت من (علي سالم البيض) في حرب الدفاع عن الوحدة صيف العام (94م)تسليم نفسه إلى أقرب (قسم شرطة بدون قيد أو شرط) هكذا بكل ازدراء وسخرية وصلف وهو الذي كان شريكا في تحقيق الوحدة قبل أن ينقلب عليها وليس مجرد مغامر دعيّ يتلقى كامل الدعم المالي والعسكري والإعلامي بكل وضوح من (إيران) ويجب محاكمته بتهمة الخيانة الوطنية العظمى عن كل الجرائم التي ارتكبها خلال تمرده وخيانته .. إنني أتساءل هنا : من الذي ورّط القيادة بهذه الورطة البليدة وما مدى صحة وسلامة قواه العقلية حين صاغ تلك الشروط المهينة للوطن والجيش والدولة والشعب .. وهل كان في كامل وعيه ورشده وقتها؟!
إن الارتباك الشديد الذي ظهرت به القيادة السياسية في هذه الحرب بالذات يغري هذا (الزنيم) على عدم التسليم والخضوع للدولة ويشجعه على الاستمرار حتى النهاية ويخلق الكثير من أمثاله في محافظات أخرى طالما وأن الدولة تظهر تساهلها وتراخيها إلى درجة المطالبة وليس الوعيد بالحسم والقضاء على مجرد فئة ضالة مسلحة ببعض الأسلحة الحديثة واتصالات عالية التقنية وتريد بكل إصرار وعناد وضلال إدخال مذهبا دينيا غريبا وشاذا على مجتمعنا اليمني المتعايش بكل مودة وأخوة ووئام منذ أكثر من(11) قرنا بين مذهبين رئيسين هما (الشافعية والزيدية) نصلي خلف بعضنا البعض.
وليس هناك أي اختلاف في العقيدة والفروض وتعايشنا وتناسبنا معا وتشاركنا في التجارة والسكن والدفاع عن الوطن والثورة والوحدة وكل مناحي الحياة إخوة نعيش في وطن ودين ومصير واحد، حتى في ظل الإمامة المتخلفة ذاتها، فالإمامة كانت جمودا وكهنوت واستعباد أسري للجميع زيودا وشوافع لكنها لم تكن غريبة في مذهبها الديني عن السائد في اليمن، لكن هذا المعتوه يريد إفساد العقيدة ذاتها ناهيك عن التبعية الإيرانية الكاملة كما هو مشاهد اليوم في العراق.
وعلى جميع القوى السياسية الأخرى في اليمن إلى جانب الحزب الحاكم التخلي عن المناكفة الرخيصة في هذه الظروف والمواقف، فالخصم هنا يريد إغراق السفينة بمن فيها ولا يعترف بمثل هذه الأحزاب التي تظن أن الضرر قائم على الحزب الحاكم فقط ..
صحيح هو الآن من يمسك بدفة السفينة وهو من أدخلها في المكان الخطأ لكن تركه يقودها وحده بدون مساعدة من الآخرين في نفس السفينة وينظرون إلى أخطائه بتشفي وشماتة ستجعله في لحظة ضعف أو بلادة يغرق السفينة بمن فيها ولن ينجو أحد والرابح الوحيد حينها هو أمثال هذا المتمرد السلالي العنصري ومن يقف خلفه من (الفُرسْ والمجوس) وبعض الأطراف الداخلية المحلية المتسلحة(بالتقية) الذين يقومون بدور الطابور الخامس والدعم اللوجستي بعدة طرق ومواقف سياسية وإعلامية ومعلوماتية وإمدادا وإيواء بانتظار العودة للحكم وحِبّابْ الُركَبْ.