عندما تمتلئ القلوب بحب اليمن تصبح المناطقية «صفر».. والمذهبية «صفر».. وتذوب فوارق الألوان والأزياء واللهجات ويغدو كل شبر من التراب عزيزاً وغالياً على كل نفس.
هنا في هذه الأرض حيث ذلت جباهنا لقيوم السماوات والأرض.. وأحببنا فيها إنسانها وجبالها وسهولها وفنونها وأنبنا إلى كل ما يجعل القلب ملتمساً فضة المجد أملاً في رضوان ربنا يوم يقوم الأشهاد.
في فتنة صعدة التبست على الناس الرؤية وتألم جزء من الوطن تحت سنابك الطامحين لأمجادهم ولو على حطام وطن.
هي فتنة قذرة ليس لليمن فيها ناقة ولا جمل.. وهي الآن تلتهم خيرة شباب اليمن سواء من أبناء القوات المسلحة والأمن أو من المغرر بهم من أتباع الحوثي الذين ظنوا أنهم بقتلهم أبناء وطنهم يحاربون أمريكا.. وها هي ذي أمريكا تقف إلى جانب التمرد، ويسعى بيان سفارتها الصادر :اليوم".. إلى فك الحصار عن المتمردين والجلوس معهم على طاولة الحوار، وذلك حتى تظل البلاد مفتوحة على الموت الذي لا ينفد..
ذلك أن هناك تصوراً مغلوطاً لدى الدوائر الأمريكية مفاده أن القضاء على إرهاب تنظيم القاعدة لن يتم إلا عبر إشعال فتنة مذهبية في المنطقة تُحصد الأرواح في أتونها وتموت الأوطان.. ذلك أن كل طقوس التشيع الجعفري ليست سوى تعبئة قتالية ضد الآخر الذي هو «في نظرهم عبيد بن زياد ويزيد بن معاوية».
أي جهل هذا وأي خبال أصاب هذه الأمة.. لكن ومهما طال ليل الدجل والتضليل فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.. و«قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد».
يدفع اليمنيون بهذه الفتنة ضريبة نسيانهم لحب اليمن.. يدفعون ضريبة إهمالهم لدراسة التاريخ وإهمال معرفة من كان قبلهم.. يدفعون بها ضريبة السماع من طرف واحد، والتصديق أن عجلة التاريخ ستعود إلى الوراء ويعود زمان السادة والعبيد الذي ما أنزل الله به من سلطان.. وأياً تكن الشائعات الآن فعلى الباغي تدور الدوائر، والله ناصر جنده ولو بعد حين.
كم عساه سيستطيع التمرد أن يصمد.. شهوراً.. سنوات.. في نهاية المطاف ستعود العقول إلى جماجم الناس ولكن بعد أن يكون الكل دفع ضريبة باهظة جراء الجهالة والجبن.. هب أن أتباع الفتنة قد أظهروا 50 أو حتى 90% من قوتهم.. الدولة والمجتمع لم يستنفدوا حتى 1% من قواهم..
ما الذي يرغم اليمنيين على أن يبيعوا مستقبلهم لماضيهم!!..
وهناك بالطبع أمور لا يفقهها المتمردون المغرر بهم.. طمس الله على قلوبهم فهم لا يعقلون.. وإلا فما كانت أرواحهم وأرواح إخوانهم تهون عليهم إلى هذا الحد من العدمية والمجانية والسفه المؤقت.
هذا الجندي الواقف الآن هناك على نقطة التفتيش يحرس أمل شعب ويحمي سكينة أمة، كل سيارة تقترب منه معناه موت محتمل وحوثيون مختبئون، وكل سيارة تمر من أمامه بسلام معناه ولادة عمر جديد، يحدث هذا كل دقيقتين أو أربع دقائق.
ما الذي يرغمه على البقاء في حال كهذه، هل هو الراتب المغري أم الهواء المنعش في نقطة نائية.. بالتأكيد ليس هذا ولا ذاك كل ما في الأمر قطعة من قماش تنتصب على سارية البرميل المتهرئ أمامه.. قطعة من قماش تحمل في ألوانها قصة وطن وتاريخ بطولة ودماء رجال أوفياء صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
قطعة من قماش ترفرف معها أشواق وطن وتختزل حنين شعب أحرز انعتاقه من قيود الكهنوت ومقاصل التشطير.. قطعة من قماش ترفرف فوق سارية الروح.. ومثلها ترفرف واحدة أخرى في أقاصي حوف وفي جبال سقطرى وعلى سمارة وفي رمال البديع وعلى قمة جبل الدامغ وفي شواطئ ميدي.
إنها قطعة من قماش أصبحت علماً للحرية وراية للطريق المؤدي إلينا، بعد أن عشا الركب اليماني قروناً من الزمان، إنها بيرق الخير وشارة السلام.. وهي الآن عنوان اليمن الذي أشهد العالمين على أنه أصبح موجوداً وكبيراً ونابضاً ولو كرهت زعانف الكهنوت وأصنام التكبر الوضيع.
لهذا الجندي تحية إجلال وتقدير وإضميم حب سرمدي مقدس.. لهذا العظيم الذي راح يفدينا بروحه غيمة أرواحنا الماطرة وعنقود وفائنا المجيد.
أيها النائمون.. يا أحباء قلبي جميعاً.. قالها مواطن من أبناء صعدة أنه في ساعة البأس ولحظة الخوف ودهماء المتمردين تغدو «بيادة العسكري» أمنية في صدور الخائفين.
محال أن يكتب الله التوفيق لمن يتلذذ بسفك الدماء ويكثر في الأرض الفساد وينهك أعصاب البلاد ويحسب نفسه على حق.
لكن على كل اليمنيين أن يقولوا كلمة الصدق ويدينوا المبطل، وأن يحافظوا على اليمن، وأن يعود الجند إلى زوجاتهم قبل مع العيد..
_________
كتب هذا المقال بصحيفة الثورة – يونيو 2008 .. وكان العنوان "جندي وبيرق الخير"