[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

الحركة الحوثية حتى 2006.. ظروف المواجهات واستحكام التعبئة

بعد هذا العرض في الحلقة الأولى (الحركة الحوثية في اليمن .. النشأة والمواجهة) وفي خضم المواجهة بين القوات الحكومية وبين العناصر المسلحة من أتباع الحوثي؛ يجدر بنا التطرق إلى سؤال منطقي يتململ بين السطور: لماذا استمرت المواجهات بين قوات حكومية وعناصر متمردة (مهما بلغت قوتها) كل هذه المدة؟ ولماذا تجددت عقب انتهاء طورها الأول؟ والإجابة عن التساؤل يتوجب إيرادها عبر جملة من التفاصيل المندرجة تحت عناوين عدة:

- ملابسات وظروف المواجهة..
- حجم وفاعلية التعبئة المعنوية قُبيل المعركة في كلا الطرفين.
- الحرب النفسية والإعلامية أثناء المعركة.
- الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تعثر جهود الوساطات المتعاقبة لإنهاء الأزمة.
- مصادر التمويل التي اعتمد عليها الجانب الحوثي في نشأته وإبان صموده.

- ملابسات وظروف المعركة

تتضافر المؤشرات التي بين أيدينا لتدلِّلُ على أن السلطات اتخذت قرار المواجهة بشكل مفاجئ. ذلك أنها في الأساس تأخرت في اكتشاف حجم تنظيم الشباب المؤمن والخطورة التي يمثلها، يتبين من حديث الرئيس علي عبدالله صالح لصحيفة "السفير" اللبنانية، في 19/8/2004، حيث قال: "إن الحوثي تمرد على الدولة، وأنه لم يتجاوب في التواصل مع السلطة، ولم يستجب لمطالب الدولة في معرفة الأنشطة التي يقوم بها في المنطقة.

وكان رفضه إلى جانب المعلومات المتوفرة لدى القيادة السياسية سببا في إيجاد قناعة بأن عنده شيئا يخفيه، وأن هناك خطورة منه إن لم تكن اليوم فربما في المستقبل. وأضاف بأن السلطة عملت على متابعة الحوار معه لإقناعه مدة سنة ونصف تقريبا ليسلم نفسه مع إعطائه الأمان. لكن دون جدوى. كانت ملاحظات الدولة تجاه الحوثي تتمثل في: قيام ميليشيات، وتحصينات دفاعية، واقتناء أسلحة، وتوزيع أموال. ونتيجة لعدم تجاوبه، اتخذ القرار بفرض حصار عليه وتطويقه لكي يسلم نفسه. وعندما بدأ التطويق قام بالعدوان المسلح على الجيش والأمن. وبالتالي فرض عليهم القتال بالرغم من أنه لم يكن هناك قرار بالقتال".

وترتّب على هذا العامل (فجائية القرار) أن القوة العسكرية خاضت المعركة بلا عقيدة تعبوية كافية تَحقِنُها بالجرأة الكافية لإخضاع الخصم المقابل. فضلاً عن أنه تم خوض المواجهة أيضاً، دونما دراسة كافية لإمكانيات الخصم ومواقع تمركزه، وحجم جاهزيته، الأمر الذي صوّر المهمة المناطة بأول وحدة عسكرية توجهت إلى "مران" وكأنها ذاهبة لفرض طوق من الحصار بغرض تنفيذ أمر قبض قهري على زعيم قَبَلَيٍّ مسلح قد تكتنف عمليةَ القبض عليه بعضُ المشادات والمهاترات بلغة الذخيرة. لكنهم تفاجأوا بمليشيات مدربة تتربص في مقابل جيش، على أن الأول (أي مليشيات الحوثي) يتميز عن الأخير بمعرفةٍ كافية بأرض المعركة وبتحصينات جاهزة، وبتعبئة مستحكمة ليس أمامها من هدف تنشده سوى "نيل الشهادة".

لذلك نجد أن قوام القوة العسكرية الأولى التي توجهت صوب "مرَّان"(1) لم تتعدّ 500 فرد على ظهر أطقمهم العسكرية ينتظرهم هناك المئات من أتباع الحوثي متخندقين في المنازل والكهوف من الصعب اكتشافهم، كما أن الطريق إليهم مزروعة بالألغام والمتفجرات.. ضف إلى ذلك أن أتباع الحوثي قد خاضوا العديد من التدريبات والمناورات لخوض معركة كهذه، وأن لديهم خطةً دقيقة لتتويه العدو، وسَوْقه إلى سلاسل متوالية من الأفخاخ والكمائن.

ساحة المواجهات جبليةٌ وعرة مليئة بالسكان، عامرة بالأطفال والنساء والمسنين، ورصاص الحوثيين يمطر من كل اتجاه، والقناصون وراء كل نافذة وشاقوص.. وقد حدثني أكثر من شخص أنه يكفي على ساحة مواجهات كتلك، أن يدحرج أتباع الحوثي الحجارة من على شواهق الجبال ليصيبوا أعداداً من الجنود. ويقع على الشرق من ساحة المواجهات مناطقُ حدودية تابعة للملكة العربية السعودية. ولشدة ارتفاع المنطقة وتعامد انحداراتها الصخرية ثمة طريق دقيق يدعى "الصراط" وذلك لخيْطيَّته وضيق مجاله، والهوة السحيقة أسفله.

معركةٌ كهذه، لا تنفع فيها الطائرات ولا الدبابات ولا الأسلحة الثقيلة. ولا قناصو القوات الحكومية، أيضاً، بمستطاعهم إيجاد مواقع القنص المضاد.. ولهذا، وطيلة الأسابيع الأولى من المواجهة، كان الضحايا عادةً هم من أبناء القوات المسلحة الحكومية واستمر الوضع كذلك حتى استطاع الجيش الوصول إلى خطة مواتية لميدان المواجهة في نسختها الأولى..

بعد انتهاء نسخة المواجهات الأولى تغيّر ميدان المعركة وتغيّرت ظروفها على نحو أعقد، ربما، من المرة السابقة؛ فأرض "نشور" و"الرزامات" رغم عدم تميزها بالمرتفعات الشاهقة كما كان في "حيدان" إلا أنها ساحة واسعة النطاق تسمح بالكر والفر. والأخطر من ذلك؛ أنها أيضاً مفتوحة على الحدود إلى "البقع"(2)، واتبعت الخطة الحوثية في هذا الطور أسلوب حرب العصابات، وتشتيت القوة الحكومية، والانتقال السريع من موقع إلى آخر، وكذا القيام بالهجمات المباغتة الوارد حدوثها من الجهات الست..

لم تكن المواجهات في طورها الثاني حرب استنزاف، كما كان يفترض، بقدر ما كانت حرب استئنافٍ سقط فيها المئات من الضحايا من كلا الطرفين. وبحسب مااستطعت الحصول عليه من الجهات المعنية فإن المواجهات الأولى حصدت 471 جندياً من أبناء القوات المسلحة والأمن في مقابل 338 من أتباع الحوثي وتشير الإحصائية التي حصلت عليها قبل نهاية المعارك في 28/2/2006 إلى سقوط 54 جندياً في المواجهات الثانية في صفوف القوات المسلحة والأمن في مقابل 92 من أتباع الحوثي فيما كان عدد الجرحى من القوات المسلحة والأمن حتى تاريخ حصولي على الإحصائية 2708 جريحاً. بينما لم تشر الإحصائية إلى عدد الجرحى في صفوف أتباع الحوثي.

يذكر أن هدنة طفيفة تخللت هذا الطور سرعان ما اندلعت بعدها المعارك على نفس الوتيرة السابقة من حيث عناد الحوثيين وكفاءتهم القتالية مع تحسُّن في أداء القوات الحكومية وحدوث خلافات بين أتباع الحوثي.. على أن من غير المستبعد في كل المواجهات التي دارت بين القوات الحكومية ومليشيات المقاتلين من أتباع الحوثي، وجود متعاطفين (وربما موالين) للحركة الحوثية في أوساط القوات الحكومية، وهذا الأمر وإن لم يتأكد رسمياً حتى الآن، إلا أنه يعطي التفسير الوحيد لاضطرار القوات الحكومية، كما ذهبت بعض التحليلات، إلى التغيير الدائم من خططها بعد اكتشافها المستمر الاحتياطات الحوثية الدقيقة للخطة الحكومية السابقة.

علاوة على ما زاده البعض من أن القوات الحكومية كانت تعثر، في بعض الأماكن التي يتم الاستيلاء عليها، على "كُدَم"(3) وتموينات حكومية كانت بمعية المقاتلين الحوثيين! أفراد من القوات المسلحة يؤكدون أن هذه الأمور من نسخ خيال الحوثيين الذين برعوا في الحرب النفسية، كما سنرى لاحقاً.

ولنعُدْ إلى شرح طبيعة ساحة المواجهات، حيث من المفيد، ربما، الإشارة إلى أن المناطق الحدودية اليمنية ظلت طيلة عقودٍ تعتاش على هامش النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية (ذلك النزاع الذي انتهى بتوقيع اتفاقية جدة 2000) وازدهرت فيها تجارة التهريب وصفقات الكواليس وهويات الولاء المزدوج. كما كانت مرتعاً لتجار السلاح والعملة والمخدرات، كما أنها مناطق على قدر كبير من الثراء قياساً ببقية أرجاء اليمن. ومن النادر تماماً أن تجد من بين أبناء تلك المناطق من يقصد عواصم المدن طلباً للرزق أو طمعاً في الوظيفة، بعكس كثير من اليمنيين. فضلاً عن أن محافظة صعدة، على وجه العموم، تمثِّل مَحْضِناً لمتناقض الدعوات والأفكار، ففيها الهادوية الجارودية، والشيعة الإثنا عشرية، والشيعة الإسماعيلية، إلى جانب حضور قوي لأهل السنة والجماعة مع تمثيلٍ نسبيٍّ لليهود.

ورغم كل هذه العوامل الكامنة في ظروف ساحة المواجهة إلا أن دورها في إطالة زمن المواجهات لا يرقى إلى حجم الدور الذي لعبته التعبئة المعنوية في صفوف أتباع الحوثي وفعالية الحرب النفسية والإعلامية من جهة الحوثيين.

- التعبئة المعنوية لدى أتباع الحوثي:

يلزمني قبل الدخول إلى أنماط التعبئة الطائفية التي كان يمارسها حسين بدرالدين على أتباعه أن أعرِّج أولاً على مكانة الرجل الاجتماعية وصفاته الخلقية التي صنعت له هذا الانصياع في قلوب أتباعه. ذلك أن الرجل، حسب ما سمعت من أحد القاطنين في المنطقة، قد ضرب نموذجاً نادراً في خدمة الناس وحل مشاكلهم في أسرع الأوقات وبأسهل الحلول منقذاً إياهم من جحيم زنزانة في مبنى المديرية كانت تدعى "غرفة اليهودي". أنشأ حسين بدرالدين جمعية خيرية لدعم من لا يمتلكون رأس مالٍ كافٍ لإقامة مشاريع تجارية يقيمون بها أوَدَهم.. نظّم أمور الناس بشكل جميل وسلس.

وكان يبتاع من سوق المنطقة ما فاض من السلع المعرضة للتلف كاللحم والطماط وبسعر ربما أكثر من سعرها الأصلي.. حسين بدرالدين علاوة على ذلك كله خدم المنطقة بشكل كبير في مجال المياه والخدمات الأساسية وكان يفي بأي وعد يقطعه على نفسه لأبناء المنطقة فيما يتعلق بالخدمات والمشاريع الأمر الذي أكسبه مصداقية عالية عند الأهالي وأكسبه احتراماً عميقاً في نفوسهم إلى الحد الذي جعلهم لا يصدقون أنه قُتل.. إذ لا تعدم أن تجد من يقول: لم يُقتل سيدي حسين وإنما عرج به إلى السماء.

وعليه لم يشك الكثير من الأهالي وهلة في صدق تنبؤات حسين بدرالدين فيما يتعلق بالهجوم الوشيك على المنطقة من قبل الأمريكان وسلطات النظام. كما أن سماته تلك مكنته أيضاً من قيادة أتباعه إلى أي فكر يريد. إيمان الحوثيين المطلق بحسين بدرالدين نستشفه بجلاء من خلال مناقشات جلسات لجنة الحوار مع المعتقلين من أتباع الحوثي ونستشفه كذلك من بسالتهم وصمودهم على أرض المعركة.

إن المتأمل في محاضرات حسين بدر الدين الحوثي يكتشف بجلاء كيف أن الرجل نجح تماماً في إدخال اليقين إلى نفوس أتباعه أن معركةً ستحدث بينهم وبين السلطات، وأن هذه الأخيرة ستخوض المعركة نيابة عن "أمريكا وإسرائيل" ضد الحوثي وأتباعه وذلك لما يمثله هؤلاء، حسب زعمه، من خطر على المشروع الأمريكي الإسرائيلي في اليمن والمنطقة..

اعتمدت أساليب الحوثي في تعبئة أتباعه (ومعظمهم من الشباب والفتيان المتحمسين) على الآيات القرآنية الصريحة في جهاد الكافرين وقتالهم. بعد أن قام بالحيلولة بينهم وبين الضوابط العلمية لفهم هذه الآيات، وذلك عن طريق سخريته الماهرة من موروث السنة وأصول الفقه وعلوم القرآن من ناسخ ومنسوخ، ومتشابه ومحكم، وأسباب النزول، متذرعاً بأن القرآن واضح أنزله الله "بلسان عربي مبين" ليفهمه الخاص والعام، وبالتالي فالمطلوب، فقط، معرفة اللغة العربية، أما السنة، وعلوم القرآن، فكلها من وضع أهل السنة المعروفين بخوفهم من المواجهة وبمداهنتهم لأمزجة السلطان على مدى التاريخ(4)..

حدث مثل هذا الطرح منذ وقت مبكر عقب أحداث 11 سبتمبر، وتحديداً منذ محاضرة "الثقافة القرآنية" التي ألقاها يوم 4/8/2002 جاعلاً كل محاضراته تحت عنوان "دروس من هدي القرآن الكريم" وتحت تأملاته لآيات القرآن الكريم كان حسين بدرالدين يقول كل شيء بدءاً من وصف حالة الهوان التي وصلت إليها الأمة. مروراً بتفسيق الأمة، وصولاً إلى شرح الخطر المحدق من قبل أمريكا وإسرائيل ذلك الذي لن يُزال على يد أنظمة كنظام الحكم اليمني القائم و الموالي، في نظر الحوثي، لأمريكا وإسرائيل. أو على يد أهل السنة عموماً بما يحملونه، كما يزعم، من ثقافة الهزيمة والذل كونهم يقتدون "بأبي بكر" و"عمر" اللذين، حسب قوله، لم يصمدا أمام الكفار.

التعبئة الكربلائية

"في التقرير الأمني الذي قدمه وزير الداخلية اليمني اللواء رشاد العليمي إلى أعضاء مجلس النواب، ذكر فيه بأن الحوثي قام بتوزيع كتاب بعنوان "عصر الظهور" لمؤلفه علي الكوراني العاملي. والذي أشار إلى ظهور ثورة إسلامية ممهدة لظهور المهدي، وأن اسم قائدها اليماني "حسن أو حسين"، وأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وأن "اليماني" يخرج من قرية يقال لها "كرعة" وهي قرية في منطقة بني خولان قرب صعدة". ثم يذكر التقرير نفسه أن الأجهزة الأمنية ضبطت مع بعض أتباع الحوثي من أبناء صعدة وثيقة مبايعة الحوثي على أنه الإمام والمهدي المنتظر(5)."

"تردد في أوساط أتباع حسين الحوثي المقولة بأنه هو اليماني الذي رمزت إليه الآثار التي تضمنها كتاب المدعو علي الكوراني، وهو مرجع وباحث شيعي من لبنان، "عصر الظهور"، وهو ما أعطى حركة حسين الحوثي بعداً شيعياً إثني عشرياً. وقد لفت هذا الكتاب اهتمام صحيفة "الثورة" الرسمية، والتي نشرت مقطعا من الكتاب، في إطار تحليلها للبعد العقائدي لحركة التمرد الشيعية. بل أصبح الكتاب محط اهتمام المتابعين للأحداث نظراً لوجود الخلفية المسبقة لتمرد الحوثي بتواصله مع إيران ولبنان. وقد ذهب البعض إلى أن المؤلف الشيعي (اللبناني) علي الكوراني يمثل المرجع الأول لحركة التمرد التي قادها حسين الحوثي وتنظيم "الشباب المؤمن"؛ رغم نفيه لصلته بالموضوع وتشكيكه بأن يكون الحوثي هو المقصود في الآثار."(6).

يتمتع حسين بدر الدين بأساليب خطابية غاية في التأثير، فهو يعمد في معظم محاضراته إلى استعمال (تاء المخاطَب)، موجهاً الكلام إليك أنت، وعاقداً المقارنات عليك أنت، ومستبقاً كافة ما يمكن بروزه من "شُبَهٍ" قد تكتنف كلامه، معززاً طروحاته بالأمثال الدارجة، والمعاني القريبة. على أن هذه التعبئة، رغم كونها بشكل ظاهر تنصب على اليهود والأمريكان، إلا أنها لا تفضي غالباً إلا إلى الحقد على السنة وأهل السنة. كذلك فهو لا يذكر أمريكا وإسرائيل إلا لكي يعرّض "بعمالة النظام اليمني الحاكم"، ومن ثمَّ نزع الطاعة منه، ثم التحريض عليه من قبيل: "لو يأتي علي عبدالله فيقول: تحرك وأنا وراءك. ألست ستتحرك! لو يأتي فيقول لك: انطلق وأنا وراءك ضد أمريكا وإسرائيل. ألست ستنطلق بسرعة، وتأخذون أسلحتكم وتتحركون. لكن إذا قال الله ذلك تقول: نحن خائفون من علي عبدالله، خائفون من فلان، أما إذا تحركنا ضد اليهود والنصارى، يعني هذا ماذا ؟ يعني أن ثقتنا بالله ضعيفة، أي: أننا لم نعد نتعامل مع الله كما نتعامل مع علي عبدالله، أصبح علي بالواقع هو إله بالنسبة لنا، نخافه ونرجوه أكثر مما نخاف ونرجو الله، أليس هذا هو الواقع؟"(7).

ويقول في محاضرة أخرى: "إن كل من وقفوا ضد الثورة الإسلامية في إيران في أيام الإمام الخميني رأيناهم دولة بعد دولة يذوقون وبال ما عملوا (...) اليمن نفسه شارك بأعداد كبيرة من الجيش ذهبوا ليحاربوا الإيرانيين، ليحاربوا الثورة الإسلامية في إيران. الإمام الخميني كان إماماً عادلاً.. كان إماماً تقياً والإمام العادل لا ترد دعوته، كما ورد في الحديث. من المتوقع أن الرئيس وأن الجيش اليمني لا بد أن يناله عقوبة ما عمل"(8).

لا تقف التعبئة عند هذا الحد؛ بل إنه تم العثور، أثناء المواجهات بصعدة، على منشورات يتحدث بعضها على أن "المولود من أهل السنة يُدخِلُ الشيطانُ إصبعه في دبره فيولد مأبوناً بالفطرة فيما الشيعي محروس من ذلك"! وما يورثه مثل هذا الطرح من استهانة بالخصم المقابل تقوم على أساس الاشمئزاز الخلقي من آدميته والاحتقار المسبق لطبيعة تركيبته.. هذا المجهود التعبوي الفكري تَمَّ تعزيزه أيضاً بمجهود عملي تمثل بطقوس التنقية الروحية للأتباع، وزيارة المقابر والمستشفيات للتهوين من قيمة الحياة، وترسيخ حتمية الموت، وأن الموت شهيداً خير منه عميلاً أو متخاذلاً. ثم إلهاب الحماسة القتالية عن طريق التدريبات وعرض أفلام إيرانية منها: فاجعة كربلاء، الموت، عزرائيل.

وأخبرني أحد أهالي حيدان أن الحوثي كان يمتلك غرفة عرض سينمائي وأن فيلماً من بين تلك الأفلام التي كان يتم عرضها، يحتوي على أرض خضراء باهرة وفتيات على قدر من الاكتمال والفتنة والأسر.. ويقال لهم: انظروا.. هذه الجنة.. وأولئك هن الحور العين.. (على سبيل المثال لا الحقيقة طبعاً). كانت الأفلام تعرض كل ليلة أربعاء فيما تتم ليلة الخميس زيارة القبور. أما ليلة الجمعة فيتم الاجتماع (للشباب المؤمن فقط وليس أهالي المنطقة) في غرفة مظلمة وتوقد الشموع على صوت شريط مؤثِّر يروي قصة مقتل الحسين، رضي الله عنه، وتتوّج هذا المجهود التعبوي الإثناعشري بحفر الخنادق ونصب الفخاخ وضرب التحصينات وشراء البزات العسكرية وأشاع حسين الحوثي أن أمريكا وإسرائيل أصبحتا على معرفة بخطورته؛ فاتخذ لنفسه الحراسات وأحاط تنقلاته بشيءٍ من الكتمان والسرية.

وجاء الاحتلال الأمريكي للعراق ليمثِّل في نظر أتباعه الإثبات الدامغ لصدق أطروحات الحوثي. وعاش أتباعه منذ ذلك الحين وحتى زمن المواجهات، أوضاعاً طارئة، واستعداداً نفسياً متعاظماً انتقل بهم من مجرد التأهب الدفاعي إلى شحنات المبادرة الهجومية. وهو ما أسهم في فشل الخطط الرامية إلى ضرب طوق من الحصار على مناطق المواجهة؛ إذ لا تنفك المعارك فور ساعات من هدوئها، حتى تعود لتندلع من جديد. علماً أن نمطاً آخر من التعبئة تمت ممارسته، وهو التعاويذ والحروزات والتمائم التي كان يتم وضعها في حوزة المقاتلين من أتباع الحوثي لتطيش من حواليهم الرصاص(9).

ثمة سبب آخر يقف وراء استماتة أتباع الحوثي وإصرارهم على المواجهة يتمثل هذا السبب في إحدى سمات "التعبئة الكربلائية" للأتباع الذين يفترض فيهم، وفق التعبئة، أنهم ليسوا أفضل من سيدنا الحسين رضي الله عنه الذي حوّم النصر حواليه فاختار الشهادة على النصر. فهل يكون هؤلاء أفضل منه... وعليه فإن الواحد من هؤلاء لا يدخل المعركة لكي ينتصر، بل لكي يموت. ذلك أن مما تنقله كتب التراث الشيعي أنه "رفرف النّصر على رأس الإمام الحسين، وخُيّر بين النصر والشهادة، فرفض النصر واختار الشهادة"، وبذلك فإن "استشهاد الحسين عندهم انتصار حقيقي للرسالة، وقال: فلْتروَ ظامية الضب بدمي".. عبارة: "يا سيوف خذوني" تدفع الآلاف من الشبان إلى الارتماء فوق الألغام ومعانقة الدبابات واستقبال القذائف الصاروخية، بسكينة مذهلة! وعند هؤلاء فإن الشهادة "هدف" وليست وسيلة، إذ لن تكون أفضل من الحسين، الذي اختار الشهادة على النصر(10).

في مقابل هذه التعبئة الحوثية الكربلائية، قامت السلطات الحكومية بتوزيع منشورات على أفراد القوات المسلحة، تبين فيها حقيقة معتقدات الحركة الحوثية. وكان ينظر إلى هذه الخطوة على أنها مبالغات من قُبيل التعبئة المعنوية. لكنها سرعان ما آتت تأثيرها بعد أن توصّل الجنود بأنفسهم إلى منشورات مماثلة بحوزة أتباع الحوثي.

- الحرب النفسية وحرب الشائعات:

وتفوق فيها الطرف الحوثي أيّما تفوق. وبها ضمن مقاومة وصمود جزء لابأس به من أهالي المناطق التي كانت تدور فيها المواجهات حيث تم حث بعض الأهالي على المقاومة وعدم التسليم للقوات الحكومية بزعم أن القوات الحكومية سوف تقوم بتصفيتهم حتى لو استسلموا، وستُدمّر منازلهم وتسبي نساءهم وبناتهم.. وبذلك أصبحت المقاومة في نظر الأهالي معركة كرامة وعرض. كما أشيع، ومنذ الساعات الأولى، أن جنود الدولة قاموا بدهم المساجد وتدنيس المصاحف... إلخ.

وفي الجانب النفسي أيضاً، وكما يقول "محمد سالم عزان"، القيادي السابق في "تنظيم الشباب المؤمن"، إن القوات الحكومية كانت تقوم بإطلاق المتفجرات الصوتية لإرهاب الحوثيين وحثهم على الاستسلام، لكن الحوثي استغل هذه الجزئية ليقوِّي عزيمة المقاومة في نفوس أتباعه(11)، حيث الملائكة تحارب معهم، والله يصرف عنهم ضربات العدو الذي يطلق قذائفه وصواريخه ولا يصيبهم منها أذى.. كذلك تم بثُّ شائعات تقول بأن رؤوساً متفجرة، لم تنفجر، "وجد عليها العلم الأمريكي ونجمة داود... إلخ". وأن القذائف الموجهة إلى الحوثيين "منطلقة من أساطيل أمريكية وإسرائيلية مرابطة في البحر الأحمر"...

ومثل هذه الشائعة تم بثها أيضاً من قبل الحوثيين الموجودين في العاصمة صنعاء. وفي العاصمة أيضاً تم إطلاق حزمة من الشائعات منها ما يتحدث عن كرامات المعركة ومنها ما يتحدث عن فشل القوة العسكرية ومنها ما يتطرق إلى تعاون أمريكي وإسرائيلي، ومنها ما يقول إن الرئيس "أصبح يذهب إلى مكتبه صباحاً ليجد صورة الحوثي موضوعة على طاولة المكتب..".

وبالنظر إلى مدى التأثير الذي يخلفه عامل الشائعات يمكننا الاستدلال برسالة خطية بعثها أحد الفتيان المقاتلين في صفوف الحوثي إلى والده يحاول دفعه فيها للاقتناع ب"سيدي حسين" وأنهم يخوضون هذه الحرب بالنيابة عن الأمة لأنها حرب ضد أمريكا وإسرائيل، وأن الله يؤيدهم في هذه الحرب بمعجزات وكرامات مذهلة منها أن الله تعالى(حسب ما قال في الرسالة) مسخ بعض جنود الحكومة قردة لكن الحكومة تسترت على الأمر وقامت بقتلهم حتى لا تفتضح..

معظم هذه الفنون تبدّت أثناء المواجهات الأولى فيما حلت فنون جديدة في الطور الثاني من المواجهات تمثلت في الطعن بمصداقية قرار العفو وصدقية الحكومة في الوفاء بتعهداتها تجاه ضحايا المواجهات ونكثها بوعودها وتعذيب المعتقلين ومجيء دعومات كبرى من مؤيدين ومناصرين من العراق وإيران وحدوث مناصرات لها في كل البقاع... إلخ تلك الدعاوى.

- تعثر جهود الوساطة:

ويتحمل الطرفان مسؤولية التعثُّر المستمر للجان الوساطة المتلاحقة، والتي بدأت منذ ماقبل المواجهات. حيث كلّف الرئيس علي عبدالله صالح،كما رأينا، العلاّمة "محمد المنصور" وآخرين بإقناع "حسين بدرالدين" بالمجيء إلى العاصمة واللقاء بالرئيس.. ثم تلتها لجان الوساطة المتعاقبة طيلة المواجهات الأولى والثانية(12). وقبل الدخول إلى أسباب ذلك التعثر يجدر بنا الإقرار أن اتخاذ السلطات مبدأ الوساطة يعد أمراً واجباً من الناحية الإنسانية إيقافاً لنزيف الدماء وزهق الأرواح.

لكنها من الناحية السياسية والدستورية غير مطالبة بمثل هذا الإجراء؛ ذلك أنه يرفع من تصفه ب"المتمرد" إلى مستوى الندية مع" الدولة" ويجعله يفرض شروطه ومطالبه من موقع قوة. ومن ثم يُفتح الباب، بذلك، لجعل التمردات المسلحة وسيلة اعتيادية لحصد المطالب والمزايا، والضحية دائماً هم أبناء الوطن سواء من أتباع ذلك التمرد أو من أبناء القوات المسلحة والأمن. فضلاً عن أن التمرد المسلح، أيّاً كان حجمه ونطاقه، يعد إخلالاً بالأمن، ويكلف البلاد مبالغ باهظة، علاوة على ما يلحقه التمرد من ضرر على سمعة البلاد، وكذلك تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على مناخ الاستثمار وحركة الاقتصاد. ربما كان تعامل السلطات مع مسألة الوساطة وفق هذا المنظور بحيث تُخْلي طرفها أمام المناشدات الإنسانية بوقف المواجهات من جهة، وكذا تضمن عدم الانصياع لشروط الطرف المتمرد وعدم جعله نداً لها من جهة ثانية.

الطرف الحوثي بدوره كان يضع شروطاً للهدنة والتفاوض تنطوي على كافة عوامل اندلاع المشكلة من جديد. بما يحمله قبول السلطات لمثل هذه الشروط من إدانة ضمنية لما أقدمت عليه. وبالتالي كان إصرار الطرف الحوثي على هذه الشروط يزيد الأمور تعقيداً في نظر السلطات ولا يشير إلى أية مرونة مرجوّة من عملية التفاوض. زد عليه سبباً يتعلق بموقف الشيعة من مسألة الوساطة، حيث يعتبرها الشيعة الإثناعشرية نوعاً من الوقيعة والخديعة، وكذلك عبّر الحوثي الأب في رسالة موجهة لابنه حسين بخط يده (قبيل اندلاع المواجهات بنصف شهر تقريباً) يقول له "إنهم إلى الغدر أقرب، وقد غدروا ب"علي سالم" (البيض)"، ويخبره فيها أنه يرى أن الله قد كتب له الشهادة(13).

هذا الموقف من مسألة الوساطة له مبرره الأيديولوجي حيث يَعتبر الشيعةُ الوساطةَ بمثابة الخديعة بناء على ما حدث في معركة "صفين" من منظور "أن آل البيت فقدوا سلطانهم، واغتصبت الخلافة منهم بعدما استردوها في عهد الإمام علي بن أبي طالب، بسبب هذين الشرين: الهدنة والوساطة" على اعتبار"أن انتصار الإمام علي كان محققا في مواجهته المسلحة مع معاوية في موقعة "صفين" ولكن معاوية دعا إلى وقف القتال عندما لاحت هزيمته، ولجأ في ذلك إلى رفع المصحف محتجاً بتحكيم كتاب الله.

وتبعه في ذلك رجاله. وعندما قبل الإمام علي وقف القتال، واتفق على التحكيم، كانت الخدعة الكبرى التي أدت إلى إعلان خلع علي وتثبيت معاوية في القصة المعروفة التي تنقلها مختلف المصادر التاريخية. حيث اتفق الحكمان، أبو موسى الأشعري ممثل الإمام علي وعمرو بن العاص ممثل معاوية، على خلع الاثنين حقنا لدماء المسلمين. وهو ما بدأ به الأشعري معلناً خلع الإمام علي، ولكنه وقع في الفخ الماكر عندما خلا به ابن العاص، وأعلن تثبيت معاوية مكانه.. منذ ذلك الحين، والضمير الشيعي ينظر بارتياب شديد وتوجس بالغ لهاتين الكلمتين: الهدنة والوساطة. ولا يرى في أي منهما سوى أنه باب للشر ومدخل للهزيمة ومؤامرة لتضييع الحق الذي هم عليه، أو هم على وشك بلوغه"(14).

"الكيماوي المزدوج"

هذا وقبل الانتقال من هذا الفصل، يجدر بنا التعريج على جانب مهم من أسباب إطالة زمن المواجهات بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي يتمثل هذا العامل بجانب القبائل وشراسة قتالها عندما تخوض مواجهة يتوفر فيها عاملا الدين والتسلُّح اللذين يؤدي توفرهما إلى ما يسميه الأستاذ عبدالباري طاهر ب"الكيماوي المزدوج". يقول الأستاذ عبدالباري طاهر: "القبيلة في اليمن ليست تجمعاً سكانياً تربطها عصبية معينة وحسب. وإنما هي نظام متكامل له قوانينه وتقاليده، وله نظام انتخابي، ونظام توزيع للأعمال بين فئاته. كما أن له نظاماً تعاونياً. وتحديداً دقيقاً للحقوق والواجبات!. وحين يؤدلج النظام القبلي عن طريق مذهب ديني أو تيار سياسي معين فإنه يتحول إلى حزب سياسي! أو بتعبير أوضح إلى جناح عسكري للحزب السياسي!. أما الحديث عن أدلجة القبيلة بالدين فهي الكيماوي المزدوج حقاً ونموذجه الأكثر بشاعة هو النظام الإمامي الذي جعل من الدين المفترى عليه تبريراً للعزلة القبلية. وفرض على اليمن نظاماً قبلياً قروسطياً وعزلةً لا نزال نعاني من ويلاتها حتى اليوم"(15).

هذا الكلام جاء من قبل مثقف أصيل صاحب نظر بعيد في مسألة تسلُّح القبائل. وهي قضية مبدئية ظل "الحزب الاشتراكي اليمني" يحذر من مغبتها لكنه لم يجد أذناً صاغية سواء من قبل السلطات أو من قبل المجتمع. ويقتضي الإنصاف أن نعترف لـ"الاشتراكي اليمني" بأنه الحزب السياسي الوحيد الذي اكتملت في رؤاه مسألة وظيفة الدولة. وامّحت في تصوره كافة التداخلات بين تلك الوظيفة المفترضة للدولة وغيرها من الوظائف المناطة بالمجتمع.. والواجب الآن بعد انتهاء المواجهات أن يتم الحسم في مسألة سلاح الجماعات، خصوصاً بعد أن فوّتت السلطات اليمنية فرصة ثمينة لنزعه من المناطق الحدودية وذلك بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود في جدة العام 2000.

مأزقٌ صعبٌ في ظرفٍ حرج

تُمثل أزمة الحركة الحوثية، في اعتقادي، ثاني أخطر وأقسى تحدٍ واجه الرئيس علي عبدالله صالح طيلة فترة حكمه الممتد من 17 يوليو 1987. وذلك بعد التحدي الذي عُرف بحركة التخريب في المناطق الوسطى والذي كان بدعم من النظام الماركسي الحاكم في عدن مطلع الثمانينات بهدف إسقاط نظام الحكم في صنعاء ونشر الماركسية العلمية التي كانت تحلم يومها بدق أسوار الرياض وتغيير أنظمة الحكم ذات الطابع الرأسمالي.. أما فيما يتعلق بحرب الانفصال 1994 فإن ملامح الاصطفاف الشعبي حينها وراء الرئيس (بعد اعلان البيض قرار الانفصال 20 مايو 1994) قد حوّل مهمة صد محاولة الانفصال من كونها تحدياً إلى كونها نصراً سياسياً عسكرياً للوحدة وللرئيس وبمعايير قياسية أثارت حنق خصوم الداخل والخارج. كذلك فإن الاحتلال الإريتري لجزيرة "حُنيش" لم يكن بالتحدي المعقَّد؛ إذ لو لم يكن استعادة الأرخبيل بالتحكيم الدولي ممكناً، لما كان استعادتها بالحل العسكري أمراً صعباً بطبيعة الحال.

وعلى كلٍّ؛ فإن جوانب الخطورة في المأزق الذي وقعت فيه اليمن جراء أزمة وحرب الحركة الحوثية تتمثل في كونها اندلعت دون مقدمات كافية لحشد الالتفاف الشعبي والدولي. كما أنها اندلعت في وقت كانت السلطات اليمنية فيه لم تزل خارجة من عنق زجاجة الاستهداف الأمريكي بعد تفجير المدمرة الأمريكية "كول" في ميناء عدن أكتوبر 2000 على يد عناصر يمنية وعربية من تنظيم القاعدة، وكذا اعتداءات الـ11 من سبتمبر على برجي التجارة في مانهاتن، وما أعقبها من تعريض بدور اليمن في إيواء الارهابيين.. وصولاً إلى تفجير الناقلة الفرنسية "ليمبورج" قبالة شاطئ المكلا.

داخلياً، تزامنت أزمة الحوثي مع نية الحكومة الإعلان عن حزمة إصلاحات سعرية جديدة ضمن برنامج "الجرع" الذي أنهك حياة المواطن وأدى إلى حالة استياء شعبي جراء الإخفاقات الحكومية الناتجة عن الإصلاحات السعرية التي وسَّعت من دائرة الفقر في اليمن وأدت إلى اختلالات اجتماعية وأمنية عدة. مضافاً إلى ذلك تعرض رأس النظام لحملة صحفية شرسة عُرفت بحملة مناهضة توريث الحكم. تلك التي أشعلتها صحيفة "الشورى" الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية إلى جانب "الثوري" لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني.

خطورة الأزمة الحوثية تتمثل، كذلك، في كونها اندلعت واليمن على أعتاب استحقاق انتخابي مهم يتمثل في الانتخابات الرئاسية والمحلية 23 / 9 / 2006. مضافاً إلى ذلك كله حزمة التقارير البشرية المنظماتية التي تنتقد الأوضاع في اليمن. وكذا التهديدات الأمريكية على لسان بوش الابن بتغيير خارطة المنطقة وإسقاط الأنظمة. تلك التهديدات التي أمدّت المعارضات في الوطن العربي بمادة هائلة في سلخ الأنظمة وتوعُّدها بالهلاك الوشيك. على أن العامل الأبرز في خطورة هذه الأزمة يتمثل في أن الحركة الحوثية ترفع شعارات تستهوي عموم أبناء الأمة وتنطلق من معتقدات فكرية من الصعب على السلطات إقناع الرأي العام بحقيقة ما سوف تفضي إليه. إلى ذلك فإن هذه الأزمة لم تنشأ من الفراغ وليست بمعزل عما يدور في المنطقة. إلا أن الحيطة تُوجب، بل تقتضي وفق ما تراه السلطات، باعتقادي، عدم الخوض في ذلك تجنباً للاستهداف المباشر والصريح من قبل القوى العظمى المهيمنة في العالم.

الهوامش
__________________
(1) مرَّان: إحدى عزل مديرية "حيدان" بصعدة، وفيها تركزت أحداث المواجهات في طورها الأول.
(2) البقع: إحدى نقاط العبور الحدودية بين اليمن والسعودية.
(3) الكدم: أرغفة مكونة من خليط من الحبوب تعطى للجيش، ويذكر أن العثمانيين هم من أدخلها إلى اليمن.
(4) راجع: حسين بدرالدين، محاضرة "الثقافة القرآنية" التي ألقاها 4/8/2002.
(5) سعيد ثابت سعيد، "الحوثي.. تساؤلات شائكة وإجابات صادمة"، خدمة قدس برس، في 11/7/2004م.
(6) وانطر: "تقرير وزير الداخلية المقدم إلى مجلس النواب" من كتاب "الزهر والحجر".
(7) أنور قاسم الخضري، "التمرد الحوثي في اليمن وأبعاد التحالف الشيعي الأمريكي في المنطقة"، موقع "مفكرة الإسلام".
(8) حسين بدرالدين الحوثي، "معرفة الله" (الدرس الأول)،ص27.
(9) حسين بدرالدين، دروس من هدي القرآن (خطر دخول أمريكا اليمن) بتاريخ 3/2/2002.
(10) نموذج من تلك الحروز من كتاب "الزهر والحجر".
(11) فهمي هويدي، مصدر سابق، ص226
(12) راجع: مقابلة محمد يحيى سالم عزان مع صحيفة "الوسط" في باب الملاحق.
(13) بعض قرارات لجان الوساطة وتوصياتها في بابي الملاحق والوثائق من كتاب "الزهر والحجر".
(14) الرسالة كاملة في باب الوثائق من كتاب "الزهر والحجر".
(15) فهمي هويدي، مصدر سابق، ص234.

زر الذهاب إلى الأعلى