مقابلتك ألأخيرة فخامة الرئيس مع قناة (الجزيرة) لم تكن في مستوى سعة الصدر المعهودة عنك عند الحديث عن الخصوم السياسيين في الوطن ناهيك أنهم لا ينكرون لك رحابة صدرك حتى في أشد أوقات الاختلاف معهم..
لكن في هذه المقابلة بالذات كانت ردودك قاسية وصادمة وغير متوقعة من(ولي الأمر) وربان سفينة الوطن الذي عودنا دائما على الإمساك بوسط العصا لا طرفها عندما يتعلق الأمر بالحوار السياسي مع الآخر المختلف في اليمن .. وليس من الإخاء في الوطن أن يتهم رئيس الجمهورية بقية القوى السياسية بالثأر مع الوطن.. ما عدا الحوثيين أصحاب الثأر الواضح والقائم والمشهود مع الدين والوطن والشعب.. فربما كنا نقبل هذا القول من أحد صبيان أو عجائز(المؤتمر) من الذين قد رفع (القلم) عنهم..لكن ليس من رئيس كل الوطن..
فالقوى السياسية الرئيسية المؤثرة في الساحة اليمنية (الإصلاح والاشتراكي والناصري) بالتأكيد ليس لها أي ثأر مع الوطن الأرض والإنسان ولكن ثأرها - إن وجد - فهو مع الحزب الحاكم المتسلط على رقاب الجميع والمنفرد بالسلطة والثروة والقرار.. وقد دمّرت سياساته المنفردة بالحكم خلال اثني عشر منذ العام [ 97م ] كامل البنية التحتية للوطن وكل المقومات لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية وحتى الأخلاقية للمجتمع في مختلف المجالات الحياتية..
ويمكننا عمل (جرده) سريعة لماضي القوى السياسية الأخرى في الساحة التي أتهمتها أخي الرئيس بالتآمر على الوطن.. فالناصريون مثلا - شئنا أم أبينا – وهذه شهادة للحقيقة والتاريخ هم أصحاب أفضل تجربة حكم شهدها الوطن حتى الآن رغم قصرها (74- 77م ) وأنت فخامة الرئيس أحد أبناء تلك الحركة البيضاء وقد تدرجت في عهدها إلى درجات عسكرية عليا وصلت - قائدا للواء تعز- في ظل حكم الناصريين وأنت من اسماك رئيس تلك الحركة الشهيد / الحمدي تقديرا لشجاعتك وإقدامك (تيس الضباط) في أمور أبليت فيها بلاء حسنا..
فكيف يكون الناصريون متآمرون ولهم ثأر مع الوطن وأنت أحد رموز الحركة الناصرية في أوج عهدها.. أما القيادة (الناصرية) التي حاولت الانقلاب على النظام في أكتوبر 1978م فجميعهم في ذمة الله الآن وسيحكم الله بين الجميع يوم القيامة بعلمه وعدله وليس بين الناصريين من متآمر في نظري سوى (الخمسة) الذين نعرفهم جميعا..
أما الاشتراكي فهم شركاء الحلم الوحدوي العظيم الذي ألحم شطري اليمن وحقق ما تمناه وناضل من أجله كل يمني شريف وكان لك مع الحزب الاشتراكي شرف التوقيع عليه وتحقق الحلم اليماني من المهرة شرقا إلى حرض غربا ومن أقاصي صعدة شمالا إلى شمسان عدن وهي مفخرة عهدك والدرة الثمينة الاصيلة في كل تاريخك أمام الله ثم الشعب والتاريخ والوطن..
وإذا كانت القيادة السياسية شريكة الحلم قد نكصت وارتدت على عقبيها فقد دفعت الثمن ولا زالت وما ذنب كل الحزب أن يظل يدفع ثمن خيانتها ونتهمه بالثأر مع الوطن برموزه الوحدوية المعروفة بيننا اليوم..
أما حزب (الإصلاح) فهو الشريك الأقوى والأوثق في الدفاع عن الحلم الوحدوي وتثبيته في العام 1994م وهم الأكثر تواجدا وتنظيما على الساحة السياسية اليوم ومهما يكن الخلاف معه في الإطار السياسي لكن لا أحد يستطيع تجريده من وطنيته وحبه لوطنه مثله مثل الناصري والاشتراكي.. ثم أخي الرئيس إذا كانت كل القوى السياسية الرئيسية في الوطن لديها ثأر مع الوطن والشعب ومتآمرة عليه فمن هو الوطني والمخلص في هذه البلاد؟؟ ومن هو الغيور والأمين عليها ؟؟
وقبل هذا يصبح السؤال : أين الوطن إذن وهل بقي وطن من الأساس إذا كان كل هؤلاء متآمرين عليه ولهم ثارات معه؟!!
إن توزيع صكوك الوطنية والمواطنة الصالحة فخامة الرئيس ليس من حق أي طرف سياسي في الوطن ولا تلك مهمته.. سواء كان هذا الطرف في السلطة أو المعارضة لأن الوطنية ليست تصريحات تقال أو أوسمة تمنح لمن نشاء ونحجبها عمن لا نرضى عنهم..
الوطنية فخامة الرئيس سلوك قويم يُمارس واقعاً ويلمس الشعب نتائجه خيرا عليه وهو ما نفتقده مع (المؤتمر) الحاكم الآن.. وكان الأولى إشراك الآخر في الوطن في حوار وطني جاد لسماع وجهة نظره في جلسة حوار مسئولة تترأسها أنت شخصيا وليس تلك الوجوه المكرورة التي ترسلها في كل مرة باسم الحزب الحاكم لأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم أولا ثم رؤيتهم الحزبية الضيقة ثانيا في كيفية الحصول على المكاسب السياسية عبر الحوار ولا يمثلون الرؤية الوطنية الشاملة للخروج من هذه الأزمات المتكررة التي هم سببها وصناعها واصل البلاء فيها..
لأن من ترسلهم فخامة الرئيس لا ينقلوا رؤيتك الوطنية بأمانة بل يضعون العربة أمام الحصان منذ اتفاق المبادئ والإطار لينتهي الحوار قبل أن يبدأ أصلا.. لأنهم يريدون حوارا حزبيا لا وطنيا.. بينما المطلوب تشخيص الأوجاع أولا ومعالجتها وطنيا لا حزبيا.. إن الخطورة فخامة الرئيس أن يتصرف الحزب الحاكم على أساس أن الوطن هو (المؤتمر) والمؤتمر هو الوطن.. وهذا ما أوصلنا إلى هذا الوضع المقلق من انسداد الأفق السياسي في الوطن نتيجة تعنت الحزب الحاكم وتجاهله لكل الدعوات السلمية اليوم..
فالثأر فخامة الرئيس - إن وجد - هو بالتأكيد ليس مع الوطن أو معك أنت رمزنا التاريخي ومحقق الوحدة.. ولكن مع من هو السبب في كل هذا العبث والخراب الذي نعيشه في كل مناحي حياتنا اليومية من قبل الحزب الذي مرغ اسم الوطن وتاريخه وسمعته وكرامة مواطنيه وحولهم إلى مجرد شعب يستجدي الإعانات والصدقات والعلاج من المنظمات الخيرية والدول (الماحنة) أو المانحة.. بينما أرضه وبحاره ومناخاته زاخرة بكل طيبات الرزق كريمها وكل خيرات الدنيا وثرواتها بشهادة رب العزة والجلال:
{كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور}