آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ثورة اليمن.. ضرورية الاستمرار

في لحظة ملتبسة، على معظم أطراف العمل الوطني، انقشع ضباب اللحظة فجأة بفدائية ضباط ثورة السادس والعشرين من سبتمبر – أيلول 1962م، حين غامروا بالانقضاض على النظام الإمامي واقتلاع بعض رموزه لتنبت جمهورية ثورية عسكرية جديدة في المنطقة العربية ب"انتقال صاروخي مفاجئ" دون حسبان لما اندلع في إثرها من حرب عربية باردة واصطراع اليمنيين بالوكالة.

وأعلنت الجمهورية أهداف ثورتها الهادرة، ومضى رجال الثورة، القحطانيون منهم والعدنانيون، الشوافع والزيود والهاشميون إلى مواقعهم في الميدان العسكري والسياسي، دون خلو ساحتهم من "خطايا ثورية" بدافع "النقاء الثوري" كما فرضتها الظروف الموضوعية عليهم فاستغلها خصوم الحدث والمتضررون منه في التضليل والتغرير بالبسطاء حتى اليوم.

ولا غرو في أن شغلت الأحداث العسكرية المشتعلة في معظم مناطق الشمال اليمني مختلف القيادات السياسية آنذاك عن تحقيق بعض أهداف الثورة بشكل شامل في تلك المناطق ساحة الصراع المباشر أو غيرها من بقاع الأرض اليمنية، وأن سبب أيضاً الانشغال بتحقيق جزئيات بعض الأهداف مثل "حماية الثورة"، وكذا "التحرر من الاستبداد ومخلفاته" بالمعارك العسكرية في الوقت الذي يبنى فيه الجيش الوطني ويحارب في آن واحد. سبّب انقساماً في الصف الجمهوري.

ورغماً عن انقسام الصف الجمهوري والانشغال بتحقيق جزئيات أهداف الثورة اندحرت عسكرياً وسياسياً قوى المشروع الإمامي. ثم انشغلت القوى الوطنية، بعد حروب الثورة، بحروب الوحدة مع نظام الشطر الجنوبي، وكذلك الاهتمام بإرساء قوانين وتشريعات العهد الجمهوري الجديد الذي تقلب بالرؤساء انقلاباً واستقالةً واغتيالاً وأخيراً انتخاباً، لابن أخصب فئات الشعب اليمني إنتاجاً، الرئيس علي عبدالله صالح الذي أطل من بين صفوف الجيش في لحظة ملتبسة أيضاً 17 يوليو - تموز 1978م بفدائية تضاهي فدائية زملائه ثوار 1962م ليثمر خلال إحدى وثلاثين عاماً حقائق وطنية هي صلب الحلم الثوري والأهداف الثورية: تنمية، وحدة وديمقراطية.

ولم تخلُ "الثلاثون فداءً" ممن حاول التطاول على كل منجز تاريخي، أفرزه الرئيس بنفسه أو حماه بحدقات عيونه أو شارك في الذود عنه وهو في موقع الرئاسة، كما عاصر الثورة وخاض معظم معارك الدفاع عنها أيام الجندية، وهو في ساحة الوغى مشرئباً لفعل إيجابي خلاق يناقض مشروع التخلف الذي يتطاول بعض أنصاره اليوم لإعادته.

وواحدة من آثار التطاول، ما يحاول في صعدة بعض الضالين عن خيار الشعب وسبيل الثورة، استعادته بعد 47 عاماً من اندلاع الحدث التاريخي في 26 أيلول. ذاك التطاول لا يبعث على الاستغراب إذ انقضت رموز المشروع، وبقي أنصار المشروع وفكرته. وهذا ما يُلزِم كافة القوى الوطنية تجديد الثورة الشاملة على كل آثار التخلف، بدءً من المواجهة العسكرية الدائرة في صعدة وحرف سفيان، واختتاماً بالمواجهة والثورة الفكرية المطلوبة داخل "مستوطنات المشروع" حيث تتحكم الفكرة في العقليات والذهنيات البسيطة التي لم تبلغها بعد فكرة الجمهورية وآثار الثورة العميقة والجوهرية.

يحمد للتطاول الدائر في صعدة وحرف سفيان، أن جدّد إطلاق قوى حماية الثورة عسكرياً، وألزم فخامة الرئيس نفسه مجدداً أمام كافة المجتمعات المحلية والخارجية بالقضاء على التمرد طال الوقت أو قصر، مما يعني استمرار المواجهة مع قوى المشروع الماضوي كما وصفها بنفسه.

فيبقى، ضماناً لنجاح هذه المواجهة، انطلاق الثورة الفكرية باعتبارها الضرورة الوطنية القصوى التي لا مفر من القيام بها بشكل عملي وجاد لاقتلاع جذور التخلف والحيلولة دون مس الثوابت الوطنية. وذلك يعني أن فدائية سبتمبر - أيلول 1962م ويوليو - تموز 1978م تتجدد وتستمر في 2009م بالانطلاق الحيوي في رحاب البناء والتنمية دون الانحباس في متاريس ذم ماضٍ مضى لحال سبيله. والعمل على تجديد روح الثورة بالتأكيد على ارتباطها بالتوعية بمتطلبات الحاضر وإمكانيات تنميته للتوجه صوب المستقبل بدلاً عن الرجوع إلى مناكفات ومكايدات تحيي الموتى، وتقيم لهم وزناً بعد أن تلاشوا وتواروا عن المسرح.

اليمن اليوم بحاجة إلى استمرار الثورة لوأد التخلف ومعوقات النماء ومفسدات الإصلاح.

ثورة حقة تحد من ألسنة أدعياء المظلومية والإنقاذ والانفصال.

ثورة تتجدد بفكر القائد وفدائيته في سبيل وطن كل اليمنيين ووحدتهم وحياتهم. وروح القاعدة الشعبية وتلامس احتياجاتهم.

ثورة تثبت في صعدة وبقية مدن اليمن، لتجلي إبداع الأحياء.. لا دماء وأشلاء ضحايا التخلف والإرهاب.

ثورة لا توحي باليأس والموت، بل تلهم الأمل والحياة.

ثورة مستمرة تعني استقراراً منتجاً لإبداع خلاق يعافي كل الوطن من أدوائه وأزماته بالتعليم والصحة، والعدل والأمن، والبناء والتنمية، والممارسة الواعية لمختلف المسئوليات الاجتماعية والثقافية والسياسية الوطنية، ليثبت استحقاق الوجود الإنساني والاستمرار الثوري.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى