لا جدوى من محاولة السلطات نفي علاقة الحوثي بسقوط الطائرتين الحربيتين التين سقطتا (بخلل فني على الأرجح) في جبال صعدة خلال أقل من أسبوع. وهناك دلالتان هامتان لمثل هذه الظاهرة، هما:
- أن الحوثي أصبح قوياً جداً، سواء أسقط هذه الطائرات، بواسطة دفاعاته الأرضية في أرض المعركة، أو عن طريق عناصره المتغلغلة في المرافق الفنية الحساسة بغرفة عمليات المعركة، أو أماكن فحص العتاد.
- والدلالة الأخرى، هي أن اليمن كان بحاجة ماسة لمثل هذا التمرد، ولمثل هذه الحرب، التي أثبتت إلى أي مدى لم يعد الفساد مقتصراً على الجهاز الحكومي المدني، بل تعداه إلى قطاعي الجيش والأمن، وهذه حقيقة على السلطات أن لا تخجل من الاعتراف بها. بل عليها أن تمتن لهذه الحرب ولهذا التمرد، الذي لولاه ما تم اكتشاف هذا الخلل.
هنالك معلومات شبه مؤكدة عن أن ثمة تبديلات في المواقع وإحالات للتحقيق والمحاكمة طالت ما لا يقل عن 50 قيادياً عسكرياً خلال الأسبوعين الماضين، وتهامست التسريبات عن أن حكماً بالإعدام ينتظر واحداً من القيادات دين بتواطؤه مع الحوثيين وتسليمهم مدافع هاون متنوعة ودبابات، ربما.
ليس هذا الوقت مناسباً للحديث عن خيانات وخذلانات داخل الجيش أو الأمن، إذا الدلالة الأهم، هي أن الحوثي بدا أخطر، وبما لا يقارن، مع كل ما يمكن تصوره " حتى في أسوأ الكوابيس".
وعلى عاتق هذا كله بدأت خيوط التفريق بين معنى السلطة، ومعنى الدولة.. إذ الحوثيون لا يمثلون تهديداً للسلطة فحسب، إنما يمثلون تهديداً للدولة، وبالتالي تفرض اللحظة الراهنة على كل المختلفين مع السلطة أن لا يخلطوا بين هذا وذاك. لأن التهديد الذي يطال الدولة هو تهديد للشعب وللسلطة والمعارضة، وللحاضر والمستقبل في نفس الوقت.
ليس هذا الوقت مناسباً لأن يتحول الناس إلى وسيط حاذق لتداول الشائعات، كما لم يعد الوقت مناسباً لتكبير المخاوف..
اليوم، لا وقت للتكهنات، من لم يكن جزءاً من الحل، فعليه ألا يكون جزءاً من المشكلة..
اليوم لا وقت للوم الموجه للسلطة أو للمعارضة، بل هو وقت التكاتف، والإبداع الفردي والجماعي في سبيل إنهاء هذه الطامة الذي تسللت على غفلة من وعي المجتمع، وتعملقت على هامش انشغاله بالتصارع الحزبي المشروع. لتطعن الجميع من الظهر وتضلل الجميع وتوغل في إحداث الوقيعة والقطيعة بين الجميع، أملاً في استعادة حلمها غير المشروع.
يا أبناء اليمن : أنتم على قدر هذا التحدي وأكثر.. فقط عليكم إخراج ضغائنكم على بعضكم البعض، وتأجيل خلافاتكم وعتاباتكم إلى أجل مسمى وميعاده بعد التفرغ والانتهاء من كارثة الحوثي.
ولعل المتأمل والمتابع يدرك أنه يومذاك (أي بعد الانتهاء من الحوثي) لن يجد أحدكم وجاهة لإلقاء اللوم على أحد، إذ سيكتشف الجميع، أن هناك من كان يعمل ليل نهار ليوقع بينهم. وينقل لبعضهم صورة خاطئة عن بعضهم الآخر.
يا أبناء اليمن: لا وقت للعناد ولا وقت للاستئثار بميادين الروئ والحلول أو في ساحة المواجهة، ولن نختلف كثيراً على نسبة المسؤولية الملقاة على هذا الطرف أو ذاك قبل أو بعد 2004.
وهذا لا يعني أننا نطلب اليوم من أحزاب المعارضة، وبالذات تحالف اللقاء المشترك (التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي) .. أن يدعوا قواعدهم لحمل السلاح والتوجه إلى أرض المعركة، فالجيش رغم ما سبق لايزال على قدر المسؤولية، وبمقدوره أن يتكفل وحده بإنهاء سرطان الحوثي.. لكن المطلوب والمؤمل من هذه الأحزاب الوطنية الأصيلة أن لا توفر غطاء سياسيا أو إعلاميا لجماعة التمرد، وأن لا تشارك في تشويش الرؤية أو في تثبيط المعنويات.
ونحن عندما نطلب منهم هذا الحد الأدنى من المشاركة، فلعلمنا أنه، وللأسف، لا يزال داخل السلطة من يصور للقيادة السياسية أن خطر المشترك هو أكبر من خطر الحوثي.. أو أن هذه الأحزاب الأربعة متواطئة مع الحوثي.. ويعمل ليل نهار على التصريح في الصحف والفضائيات بألفاظ وعبارات تجعل هذه الأحزاب تتراجع أربع خطوات إلى الخلف عقب كل خطوة تخطوها للأمام باتجاه تأييد السلطة.
وأخيراً، نقول لجيشنا كان الله معكم، لا تعجبنكم كثرتكم، ولا تستهينوا بعدوكم، واطمئنوا من أن في الشعب اليوم من يقنت ساعات يدعو لكم بالنصر، ولقد قرأنا في المأثور، أن النصر صبر ساعة.