الحديث عن حقيقة الاستقلال وأسراره والدماء الغزيرة التي رافقته منذ الشهيد " راجح لبوزة" وأسباب استشهاده وبعده الحادث الكبير قنبلة " المطار " التي جرح فيها المندوب السامي البريطاني وقتل نائبه وإصابة السلطان " الفضلي " وبعض السلاطين الآخرين..
وذلك لعرقلة ذهابهم إلى مؤتمر لندن في نوفمبر 63م للتوقيع على دمج المحميات من سلطنات وإمارات بحكومة مستعمرة عدن وإعلان قيام " اتحاد الجنوب العربي" بمخطط بريطاني يرمي إلى فصل كامل الجنوب عن الوطن الأم " اليمن ".. والذي قام به البطل / خليفة عبد الله حسن خليفة..
وما تلا ذلك من تعذيب وسجن ودسائس بالمناضلين ثم الاغتيالات لبعض الشخصيات الوطنية وصولا إلى المجزرة الكبرى بين الرفاق في نوفمبر 67م وحسمها لصالح طرف ضد آخر بمساعدة القوات البريطانية ذاتها ومنحه الاستقلال مقابل تنازل هذا الطرف (المنتصر) عن كامل المسئولية والتعويضات لفترة الاحتلال لجنوب الوطن خلال (129) سنة!
وبعيدا عن التفاصيل والأحداث وكشف الأسرار وذكر الأسماء والوقائع وقد يطول ولا داعي له الآن.. سأتكلم عن الاحتفالات في "عدن" الحبيبة التي كانت تبتدئ بذكرى ثورة سبتمبر مرورا بثورة أكتوبر وصولا إلى الاحتفال الكبير بذكرى (الاستقلال) نوفمبر 1967م..
كانت الأغاني من راديو وتلفزيون عدن تصدح من كل (المقاهي) والبيوت ابتهاجا بتلك المناسبات الغالية.. وكانت ألأنشودة الأكثر سماعا وترديدا والقاسم المشترك في الثلاث المناسبات هي (غني يا صنعاء يا بلادي.. غني لأغلى وأجمل أعيادي.. غني وهني.. لعدن الثورة) كان الكل يحتفي ويحتفل دون أن نعرف الشمالي من الجنوبي فكلهم أبناء الوطن..
كان الكل يهني الكل.. في الثلاث المناسبات بدون تمييز أو استثناء.. ولم نعرف أو نسمع من بعد الاستقلال أن هذا شمالي والآخر جنوبي فالكل كانوا يمانيين في الوظيفة العامة والمدرسة والشارع وبقية الحياة اليومية.. لأن اسم الجمهورية المستقلة يومها هو " جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) قبل أن يتحول في العام (70م) إلى " جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " وفي كلتا الحالتين كان اسم اليمن هو الحاضر الأقوى لأنه الأصل والتاريخ والهوية..
وبغض النظر عن صوابية التوجه الماركسي من عدمه للرفاق بعد الاستقلال.. لكن للحقيقة والتاريخ فقد كانوا وحدويين حتى النخاع جميعهم ودون استثناء ، في مبادئهم وسلوكهم وطموحهم في تحقيق الوحدة..
وقبل ذلك كانوا عفيفي اليد عن المال العام بشكل مثالي لا يصدق.. فلم يبتنوا لأنفسهم قصورا ولا فيلات ولا سيارات فارهة ولا كانت لأولادهم مدارس خاصة ولا بعثات تعليمية مميزة عن بقية أبناء الشعب.. وقد كنت في مدرسة ابتدائية واحدة في مدينة التواهي مع الأخ " صلاح عبد الفتاح إسماعيل " في العام 1972م..
وكانت إحدى قريباتي تدرس في نفس الفصل مع الأخت / خزانة سالم ربيع علي.. وشهدت عدن أكبر وأكثر حالات الزواج بين أبناء الوطن في الشطرين بعد مغادرة الجاليات الأجنبية التي كان قد استقدمها الاحتلال معه من بعض مستعمراته في الهند وإيران والصومال وغيرها للأعمال الإدارية والخدمية في المعسكرات والميناء والمصافي وغيرها..
كانوا يتحكمون ويحكمون كافة شؤون الحياة اليومية لليمنيين ويتبوؤن أعلى المناصب الإدارية في كافة المرافق والمؤسسات القيادية على حساب كل أبناء اليمن سواء كانوا من شماله أو الجنوب.. واليوم ماذا سيقول لنا أولئك المناضلون لو قدر لهم القيام والظهور بإطلالة سريعة على وطنهم الموحد وبيننا من يدعو إلى الانفصال من بعض المراهقين مناطقيا والمتصابين سياسيا والحالمين بعودة السلطنات - عشم إبليس بالجنة- بعد أن من ّ الله علينا بالوحدة المباركة!!
لا شك أنهم سيبصقون في وجوههم ويرمونهم بالأحذية!! فكلهم كانوا وحدويين بغض النظر عن صراعاتهم السياسية بعد الاستقلال.. كانوا جميعا شرفاء في حياتهم وسلوكهم تجاه وطنهم وحلمهم العظيم بالوحدة.. جميعا دون استثناء.. قحطان الشعبي وسالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وعلي شائع وصالح مصلح ومحمد صالح مطيع و محمد صالح عولقي وغيرهم..
و كذلك الرئيس / علي ناصر محمد الذي تسارعت خطى الوحدة في عهده وتوقفت أعمال التخريب التي كانت موجهة للشطر الشمالي .. وحتى الأستاذ / علي سالم البيض كان وحدويا أصيلا وكان له شرف التوقيع على تحقيق الوحدة.. بغض النظر عن ما حدث منه ولا يزال يحدث حتى الآن من محاولة للتخريب والانفصال.. فهذا تاريخ يجب أن يكتب كما هو بوقائعه وأحداثه.. وطبعا لا ننسى شهداء ومقاتلي وأبطال التنظيم الشعبي الناصري في عدن يومها الذين أنكر دورهم الرفاق في الجبهة القومية قبل وبعد الاستقلال وقتلوهم ورموا بالبقية السجون..
لذلك فأي (أكتوبر) نريد أن نحتفل به اليوم أمام غلمان السياسة المراهقين والموجهين بالريموت والدولار.. من قبل ذلك الوحدوي المرتد عن وحدته ووطنه والذي تحول بالمسخ والخيانة إلى شيطان رجيم يبث غواياته من الخارج عبر وكيله الحصري في الداخل (السلطان الصغير الحالم) وبعض الغوغاء ممن لا يفرقون بين الوطن والبطن.
آخر السطور :
أختي الكريمة الفاضلة " أم فادي" شكرا لمشاعرك الكريمة الفياضة التي نفحتيني بها عطرا وحذيتيني مسكا واعطيتيني أكثر مما استحق في رسالتك المنشورة في " أخبار اليوم " بتاريخ 15/ سبتمبر الماضي.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على طهارة قلبك وأصالة معدنك وصدق انتمائك وحبك الكبير لدينك ووطنك وشعبك..
لذلك أختي الفاضلة نحن نكتب لك ولأمثالك من الرجال والنساء الشرفاء الغيورين على وطنهم ووحدتهم لعل الله أن يكلل جهودنا جميعا بما يعزز الدفاع عن هذا الوطن الغالي على قلب كل حر وشريف ليكون قربة لنا جميعا أمام خالقنا يوم القيامة.. والشكر موصول لكل الأعزاء القائمين على هذه الصحيفة الغراء..فلولا وجود رئيس تحرير شجاع وغيور على دينه ووطنه لما رأت حروفنا النور كما نريدها دون زيادة أو حذف أو تغيير.. فلهم جميعا بالأصالة عن نفسي ونيابة عن كل القراء جزيل الشكر وبالغ التحية وفائق الاحترام والتقدير.