كل المؤشرات تقريبا، تؤكدا بأن هذا الواقع مازال وافرا بالمناورات السياسية والطرف المتحكم باللعبة هو نفسه الذي لجأ إلى وثيقة العهد والاتفاق التي سبقت حرب صيف 94م، وكما تدلل المؤشرات على انسداد الأفق من أي حوار وطني مسئول، ليس بوسع الخارج سوى تقديم رسائل مطمئنة حول الأوضاع.
هكذا أيضا، بدت رسالة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عقب زيارته الأخيرة إلى صنعاء. قال موسى إن مباحثاته مع الرئيس علي عبدالله صالح تضمنت إمكانية عقد مؤتمر حوار وطني لكل القوى السياسية في الداخل والخارج من أجل التوصل إلى حلول للأزمات.
ورسالة كهذه، ربما بعثت تفاؤلا لدى بعض المراقبين في الخارج. لكن الرسالة لم تصل إلى المعنيين في الداخل بنفس القدر من التفاؤل، والسبب لا يعود إلى التعقيدات التي وصلت إليها المشكلة اليمنية فحسب، بل لأن السنوات الماضية عودتنا على حياة سياسية مشبعة بالمكايدات. ومن المفارقات أن هذا المنطق مازال مستمرا حتى الآن.
وكمثال هنا، تبدو الصورة واضحة في رد المصدر المسئول على ما أثير بشأن مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية، إذ لم يكتف المصدر بنفي وجود المبادرة، بل أضاف القول إن نحو ثلاثة آلاف شخص يمثلون مختلف القوى السياسية المحلية سوف يتحاورون في نوفمبر القادم ضمن اجتماعات المؤتمر العام للمجالس المحلية.
وبالإضافة إلى أن الأطراف السياسية عادة ما لجأت إلى مفردة الحوار كسياق عام أو تأكيد لثوابت معروفة. تعقدت المشاكل وتزايد اللاعبون في الداخل إلى درجة أن الطرف الرئيسي في المعادلة السياسية، ونعني به أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك، تبدو ضعيفة الأداء مقابل ما أفرزته السنوات السابقة.
جاء الحوثيون أو ما بات يعرف بقوى الحراك الجنوبي على أنقاض سنوات عجاف من الفراغ الذي ظل يتفاقم في الساحة، فيما ظلت السلطة والمعارضة تتبادلان الاتهامات والحوارات العقيمة، وثمة آراء تشير إلى أن الواقع اليوم تجاوز الأدوات السلمية للمعارضة، وليس معنى هذا دعوة المعارضة إلى اللجوء لخيار آخر غير سلمي، رغم أن سلوك السلطة بكل أسف كثيرا ما نزع باتجاه الخيار الأخير، ولكن هناك خيارات واسعة في الأدوات السلمية المعارضة، ويرى كثيرون بأن المعارضة في أحزاب اللقاء المشترك لم تفعلها رغم اجتماعهم على برنامج مشترك منذ سنوات.
لا يجب أن نضع المعارضة كما يفعل البعض في موقع الحاكم ووظيفته، بل من خلال وظيفة ومهمة أي حزب معارض، وإذا كان من السهل أن نبحث وراء المبررات، فإنه من السهل أيضا أن نكتشف الثغرات العديدة التي تركتها المعارضة للآخرين.
كما يمكن القول أيضا إن السلطة والنظام القائم يتحملان مسؤولية كل ما يجري، وثمة أكثر من ألف سبب يدعو إلى ذلك. لكن في المقابل، يتخيل المرء أنه لو تعمر هذا الكون آلاف السنين ومضينا نردد الأسباب والتحليلات حول مسؤولية النظام في الوضع القائم، فلن يترتب عليه أي شيء في الواقع.
ومثلها المبادرات العديدة، وآخرها «وثيقة الإنقاذ الوطني» التي يمكن المجادلة بشأنها كثيرا، نتساءل، ماذا لو اجتمعت الملائكة في السماء وشهدوا للمبادرة وبنودها بإيجابية، ما هي النتيجة؟ يبقى التحدي الحقيقي هو في السير على هذا الاتجاه.
لقد كتب الأستاذ عبدالقادر باجمال -شفاه الله- يقول إن هذا الزمن هو زمن الرئيس علي عبدالله صالح. كان ذلك قبل سنوات، واليوم بعدما حدث ويحدث في البلاد، يزداد يقيني بأن هذا الزمن ليس زمن الرئيس علي عبدالله صالح ولكنه زمن المعارضة في أحزاب اللقاء المشترك والتي فرطت به للآخرين، ونخشى أن تكون المرحلة قد تجاوزت الاثنين معا.