تبدو الحركة الحوثية التي أشعلت التمرد المسلح ضد الحكومة اليمنية في مناطق صعدة وعمران في اليمن كغيرها من حركات التمرد والثورة الشيعية في تاريخ المسلمين، تبدو قائمة على نظرية الحق الإلهي لآل البيت (وذلك يشمل حق ذريتهم بالطبع) دون غيرهم في تولي أمور المسلمين وإمامتهم.
نلحظ أصداء تلك النظرية في أقوال زعيم جماعة الشباب المؤمن وقائد التمرد الحوثي المسلح حسين الحوثي الذي قتل في المواجهات الأولى عام 2004م.
يركز حسين الحوثي في كل محاضراته على أحقية علي بن أبي طالب وأولاده من فاطمة بالإمامة على أساس سُلالي، جاعلا من مجرد قرابته من الرسول (ص) سبباً في أن تكون إمامة المسلمين (اليمنيين في هذا السياق) حقاً محصوراً في علي وذريته.
يبني الحوثي نظرته تلك على أن «أهل البيت» هم «الأطهار» وأن غيرهم «ملطخون بالعار». يقول: «ألم نقل في مقام آخر إن الفخر لنا أن قدوتنا من أهل البيت ليسوا من أولئك الملطخين بعار المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الملطخين بالأخطاء والمساوئ والمواقف السيئة». ويحشر الحوثي في محاضراته التي أصبحت تعرف باسم «الملازم» عدداً من الأقوال والمواقف من التاريخ النبوي لأجل التدليل على أن إمامة المسلمين محصورة في علي وأولاده.
الواقع أن حرص الحوثي على إثبات أحقية علي بولاية المسلمين دون سائر الصحابة، إنما يأتي في سياق سياسي خالص.
حرص الحوثي إذن على إثبات الإمامة لعلي لا يفهم إلا في إطار الحرص على أحقية الحوثي نفسه دون غيره في تصدر المشهد السياسي اليمني. ولو كان الأمر مجرد جدل تاريخي حول أيهما أحق بالإمامة: أبو بكر أم علي؟ لكان الأمر هيناً لأن أبا بكر وعلي قد توليا الأمر وفوق ذلك فإنهما انتقلا إلى رحمة الخالق.
محورية الإمامة في فكر حسين الحوثي إذن تفهم في سياق حرصه على إثبات مشروعية حركته في الانقضاض على النظام في اليمن واجتثاثه «لإعادة الحق إلى نصابه والسيف إلى جرابه»، ذلك الحق الذي كان لذرية علي في اليمن لفترات تاريخية تمتد إلى مئات السنين في التاريخ اليمني.
والمعادلة البسيطة التالية: علي أولى بالإمامة = الحوثي أولى بالسلطة، تختصر الحكاية. يؤيد ذلك ما وجد لدى بعض أتباع الحوثي من وثائق تحوم حول فكرة أحقية حسين الحوثي ومبايعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقد جاء في بعض هذه الوثائق:
«أشهد الله على أن سيدي حسين بدر الدين (الحوثي) هو حجة الله في أرضه في هذا الزمن، وأشهد الله على أن أبايعه على السمع والطاعة والتسليم وأنا مقر بولايته، وأني سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه..» وبمقارنة نص هذه الوثيقة بعدد من النصوص المأثورة في مبايعة الأوس والخزرج للنبي صلى الله عليه وسلم، في بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبمقارنتها بنصوص المبايعات الكثيرة التي بويع بها عدد من أئمة الشيعة في التاريخ الإسلامي، نلحظ قوة التطابق بين السلطات السياسية والدينية التي كانت للنبي والأئمة من جهة، وتلك التي يراد لها أن تكون لحسين الحوثي، «سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه» في إشارة واضحة إلى وراثة النبي صلى الله عليه وسلم، في المهام السياسية والدينية.
ولا يخفى هنا أن سعي الحركة الحوثية على المستوى الفكري إلى نشر كتاب «عصر الظهور» لمؤلفه الإيراني علي الكوراني بين أتباعها وتلقينهم إياه، إنما يصب في السياق ذاته، حيث خصص الكوراني في كتابه فصلا كاملا عن دور اليمن في الأحداث الممهدة لعصر الظهور (أي ظهور المهدي حسب الرؤية الشيعية)، وعنوان هذا الفصل: «ثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي عليه السلام وأنها أهدى الثورات على الإطلاق»، حيث يورد الكوراني أن قائد هذه الثورة رجل لقبه اليماني وأن اسمه حسن أو حسين من ذرية زيد بن علي، كما يذكر أن اليماني هذا يخرج من قرية يقال لها (كرعة) في منطقة خولان في صعدة شمال اليمن.
هذا الكتاب الذي سعت الحركة الحوثية في إطارها الفكري إلى نشر أفكاره عن قصد بين أتباعها أثناء التمرد الحوثي، هو الذي أدى مع غيره من المحاضرات والكتيبات إلى إلهاب الحماس الديني لدى الشباب ضمن حركة «الشباب المؤمن»، حيث انطلقوا بشكل مستميت يدافعون عن «سيدهم» المبارك الذي وعدهم بالنصر والتمكين والذي تعد نصرته واجباً دينياً مقدساً.
خلاصة القول: إن الحركة الحوثية وهي توظف كل إمكاناتها الفكرية لإثبات ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإنها لا تسعى لإثبات ولاية علي في حد ذاتها، ولكن لكي يتسنى لها بعد ذلك القول بوراثة كل الخصائص والحقوق السياسية والدينية التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي أوصى بها لعلي من بعده الذي أوصى بها بدوره لسبطيه ومنهما إلى ذريتهما حتى وصلت إلى حسين بدر الدين الحوثي الذي يقاتل أتباعه اليوم الحكومة اليمنية «التي تقتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم» حسب تعبير يحيى الحوثي الممثل السياسي لجماعة الحوثيين في الخارج.