آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

«الهلال» الشيعي يبحث عن «نجمة»!

المسميات السياسية تبدأ صغيرة، بعصابات ومتمردين وانفصاليين، وتكبر وتكبر حتى تصبح حزباً معارضاً، ثم حركة معارضة تقتسم مع الموالاة مقاعد الحكومة ومشاعر الشعب وأرض البلاد .. لأنها «حزب الله»!

على غرار ذلك يسعى الحوثيون في اليمن إلى اقتفاء مدرسة «حزب الله» في التضخم والتمدد والنفوذ. لذا لم يعد مستساغاً من الصحافة أن تسمي الحوثيين بالمتمردين، لأن تصغير الكبير أشد ضرراً وخطراً من تكبير الصغير.

الحوثية فئة «تمردوا» على الطائفة الزيدية، فانتقلوا من التشيّع شبه السني إلى التشيع شبه الإيراني. وواضح من سياق التحول أنه سياسي بغلاف ديني. وقد أثار ذلك بالتحليل المفصل الباحث اليمني أحمد الدغشي حين تناول قصة شعار الحوثيين الذي يرددونه لمدة نصف دقيقة ثلاث مرات أسبوعياً وبعد صلاة الجمعة خصيصاً، الوصفة التي وضعها حسين الحوثي في 17/1/2002 من قاعة مدرسة الإمام الهادي بصعدة. «وقبل أن يدعو الحوثي الحضور إلى الصرخة بالشعار قال لهم: نعود من جديد أمام هذه الأحداث لنقول: هل نحن مستعدون أن نعمل شيئاً؟ ثم إذا قلنا إننا مستعدون أن نعمل شيئاً، فما هو الجواب على من يقول: ماذا نعمل؟ أقول لكم أيها الأخوة: اصرخوا، ألستم تملكون صرخة أن تنادوا: «الله أكبر / الموت لأميركا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام»؟ أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة، التي بالتأكيد بإذن الله ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أخرى، وستجدون من يصرخ معكم إن شاء الله في مناطق أخرى: الله أكبر / الموت لأميركا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام».

لكن الباحث الدغشي يكشف الزيف الذي مارسه الحوثي على أتباعه حين زعم أنهم سيكونون أول من صرخ هذ الصرخة، إذ «تعود قصة هذا الشعار إلى بداية الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حين رفع الإمام الخميني ذلك الشعار في وجه الشاه، وصار أتباعه يرددونه في حماسة لافتة، وكان للشعار دويّه المؤثر في النفوس، لذلك ظل مصاحباً لعمر الثورة، و لا يزال يردد في المساجد ونحوها، وانتقل إلى لبنان، بحكم الوجود الشيعي هناك». (الاقتباسات من كتاب: شيعة اليمن، إصدار مركز المسبار، تموز /يوليو 2009).

الباحث الأميركي سايمون هندرسون لم يغفل أيضاً تحليل الشعار الحوثي الذي أشار إلى أنه يوحي بوجود أهداف تتجاوز بكثير السعي إلى تحقيق الحكم الذاتي المحلي!

وإذا كان الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن «الشيطان» الحوثي يكمن في الشعار .. الإيراني المنشأ. لعلنا نستذكر هنا الصورة التي نشرتها بعض الصحف قبل شهرين أو ثلاثة، أي قبل اعتداء الحوثيين على الحدود السعودية بمدة كافية، لأحد المقاتلين الحوثيين واقفاً بجوار دبابة معلَّق على فوهتها الشعار الحوثي، ولكن بعد تطويره لينسجم مع المرحلة القادمة لهم، بصيغة: (الله أكبر / الموت لأميركا / الموت لإسرائيل / الموت للسعودية)! هذا التعديل المبكر على الشعار يؤكد ما أشار إليه هندرسون من أن مشكلة الحوثيين لم تكن منذ جذورها مشكلة داخلية مع الحكومة اليمنية فحسب، بل هي أكبر من ذلك .. ربما أكبر بكثير!

العلاقة بين الحوثيين وإيران لم تبق متخفية تحت الشعار المستورد فحسب، لكنها ظهرت جلية بعد أن طفح كيل التعاطف الإيراني على لسان الوزير الإيراني متقي الذي حذر الحكومة اليمنية و (جيرانها) من عواقب تصديهم للمتمردين الحوثيين. لم تتوقف إيران عن هذا التهديد المبطن، حتى اتهم رئيس مجلس الشورى الإيراني لاريجاني، قبل أمس، السعودية بالتواطؤ مع أميركا لقصف الحوثيين. وقال لاريجاني بالحرف: «إن التدخل السعودي في اليمن من خلال عمليات القصف الجوي المتكررة ضد المسلمين، أمر غير مقبول». وسيلاحظ القارئ أن لغة لاريجاني، المدسوسة، تظهر لسامعيه أن القتال هو من دولة غير مسلمة ضد مسلمين عزّل!

يتذاكى لاريجاني كثيراً حين يصف الحوثيين ب « المسلمين»، ولا يصفهم بما استثار نخوته وحنانه عليهم. ولا أحد يمكن أن يتنبأ بما يمكن أن يجيب عنه لاريجاني لو سُئل عن مشاعره تجاه «المسلمين» الإيرانيين الذين تطاردهم قوات الشرطة والجيش الإيراني في شوارع طهران وتعذبهم وتقتلهم لمجرد أنهم اعترضوا على نتائج انتخابات، وبأي منطق عسكري كانت الحكومة الإيرانية ستتصرف مع «المسلمين» الإيرانيين لو استخدموا ما استخدمه الحوثيون من أسلحة عسكرية احترافية، لا يملكها الإصلاحيون / المستضعفون .. المسلمون الأجدر بعواطف لاريجاني.

أصبحت ملامح، بل خطوط، الهلال الشيعي المحيط بشمال شبه الجزيرة العربية بائنة حتى للذين لا يؤمنون برؤية الأهلة! الأطماع الشيعية ربما تفاقمت في التوسع، بحثاً عن «نجمة» في الجنوب تقابل «الهلال» الشيعي، فكانت التحركات الحوثية لجعل اليمن هو النجمة في «العَلَم» الشيعي الذي يراد له أن يرفرف ويغطي المنطقة.

لكن الأطماع المتمادية لرسم النجمة في الراية الشيعية قد تكون هي البداية لسقوط الهلال والراية الشيعية كلها!

* كاتب سعودي

زر الذهاب إلى الأعلى