كان عام 2009م الذي شارف على نهايته عام الازمات اليمنية بامتياز،وهي الازمات التي القت بظلالها على الحياة السياسية والاقتصادية لليمن،وظهر فيها اداء النخب السياسية متخبطا وباهتا..
وهو ما دفع بالعديد من المراقبين للتحذير من انهيار الدولة في اليمن، باعتبار ان أثار ذلك الانهيار ستتجاوز اليمن، وسيمثل خطراً يتهدّد دول الجوار،ومصالح الدول العظمى التي تعتمد على واردات النفط التي تمر عبر باب المندب وخليج عدن.
إلى جانب ما قد يسببه ذلك الانهيار من تنامي لحجم ظاهرة الإرهاب العابر للحدود،بسبب وجود تنظيم القاعدة في اليمن،الذي هدد اكثرمن مرة بتنفيذ عمليات تستهدف نقل النفط التي تمر بالقرب من المياه الاقليمية اليمنية، والتي تمثل ما يقارب 35% من كميات النفط الذي يتم تصديرة من المنطقة، ولعل عملية استهداف ناقلة النفط الفرنسية في ميناء الضبه اليمن عام 2002م م مازالت ماثلة للعيان، وذلك يمثل خطرا على الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافى من الازمة المالية التي عصفت باقتصادات دول العالم، وهو امر غير مقبول من قبل تلك الدول.
2
ولعل تجدد القتال في صعدة بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين،وما ترافق معها من دخول اطراف اقليمية في ساحة الصراع فاقم من قدرة الاطراف اليمنية على التوصل لاتفاق ينهي تلك الازمة التي تشير كل الظروف المحيطة بها انها لن تتوقف قريبا.
وساهم دخول عدد من الاطراف الاقليمية في مجريات الصراع الدائر منذ عام 2004م،في تعقد تلك المشكلة،كما أن قيام الحوثيين بالتورط في حرب مع السعودية عدها المراقبين جر للمملكة للصراع لتدويل تلك الحرب،التي قالت عنها تقاريردولية انها حرب يمنية – يمنية بالوكالة عن السعودية وإيران، وقد تنجم عنها اعادة رسم خارطة للمنطقة من جديد على اساس مذهبي بحت،واعطاء مبرر واقعي وامني للسعودية لتنفيذ جدار العزل الذي تم الترويج له منذ عام 2004م، وقوبل حينها برفض دولي ويمني كبيرين.
وتلك الحرب بما وآلت إليه من تعقيدات ودمار لن يخرج منها أي طرف منتصر،وستستمر تداعياتها على الجسد اليمني طويلا،نظرا للتبعات والمخلفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبيرة التي تجاوزت منطقة الصراع العسكري،والقت بظلالها القاتمة على اليمن باكمله،وانعكست اثارها السلبية على الساحة الاقليمية والدولية. واظهرت تباينات خطيرة على كافة المستويات، وبرزت كعلامة لعدم القدرة على إدارة الصراع في مستوياته الدنيا،وظهرت النخب السياسية اليمنية إزائها عاجزة عن اتخاذ موقف واضح من تلك الحرب.
3
ولعل سلبية الاطراف السياسية في الحكم والمعارضة وفشلهما في الالتقاء على طاولة الحوار لتفكيك ومناقشة القضايا الخطيرة التي تهد وحدة وامن واستقرا اليمن، والتوصل لاتفاق سياسي يضمن إيجاد حلول للخلافات العالقة بينهما كالاتفاق على اجراء اصلاحات في المنظومة السياسية وتعديل قانون الانتخابات العامة، وتخفيف حالة الاحتقان والانسداد السياسي أدى لتعطيل الحياة السياسية،وفقدان تلك الاطراف لفاعليتها على الميدان وبدت معزولة تماما وسلبية في تعاطيها مع الازمات التي تمر بها اليمن،وأصبحت جزء من المشكلة.
العناد والانانية وتصيد الاخطاء والبحث عن شماعات لتعليق الاخطاء،افعال أدت لتعطل الحياة السياسية،وهي مسئولية تقع على عاتق السلطة والمعارضة،ولعل المعارضة بسكوتها واكتفائها بادارة الصراع في دائرة التحريض الاعلامي،يعمق الهوة بينها وبين الشارع الذي لم يعد يدرك حقيقة ما آلت اليه الاوضاع من سوء، وبات متقبلا على مضض للصراع النخب السياسية التي ابتعدت كثيرا عن قواعدها.
4
استمرار وتصاعد حركة الاحتجاجات في عدد من المحافظات الجنوبية ورفع سقف خطابها لدرجة المطالبة بفك الارتباط والعودة لما قبل عام 1990م، دون وجود خطاب سياسي يرشد أو يخفف حالة الاحتقان السياسي يؤكد ان الشارع اليمني تجاوز الاحزاب والتنظيمات السياسية وبدأ في استحداث آليات ووسائل تعبر عنه بعيدا عن المؤسسات الحزبية،التي دخلت مرحلة الموت السريري.
عززت بعض الممارسات الخاطئة سواء من قبل السلطة أو من قبل بعض اطراف الحراك لتعميق لغة الكراهية والاصطفاف المناطقي والعشائري في الشارع الجنوبي، كان من ابرز افرازاته تنفيذ عدد من الجرائم بدعاوي عنصرية ومناطقية، وعدم قدرة الحكومة على السيطرة على حالة الانفلات الامني في عدد من المحافظات، وقتل مواطنين دونما سبب، دون قدرة الدولة على تقديم الجناة للعدالة.
وبدلا من ايجاد معالجات جذرية وسياسية للمطالب التي بدأت حقوقية ومطلبية عادلة،لجأت الحكومة لاستخدام سياسية العصا والجزرة، واستخدام القوة في بعض الاحيان لاسكات المحتجين، ولجأت في احيان اخرى للترضية لمراكز قوى ولو عبر اضافة اعباء للهيكل الاداري للدولة المتضخم أصلا، ولو انها التفت لاحتياجات تلك المناطق الخدمية والحقوقية لكان بالامكان التقليل من حدة تلك الاحتقانات الخانقة، وخففت من تنامي مشاعر العداء والكراهية،التي تعادل في خطورتها الحرب الدائرة في صعدة.
المعارضة تتحمل جزء من الجرم مساوي لجرم السلطة، بابتعادها عن تقنين الخطاب العدائي، وتبنيها لمطالب المحتجين كواحدة من وظائف الاحزاب تجاه الجماهير، بدون تحيزات سياسية ومناطقية.
5
تنظيم القاعدة ايضا استغل الفوضى الموجودة ونفذ عمليات نوعيه ضد عدد من القيادات الامنية واستطاع التحرك بسهولة ويسر وإعادة بناء خلاياه في عدد من المحافظات اليمنية،وتمكنه من تصدير واستيراد مقاتلين من دول الجوار والخليجي، والمشاركة في عمليات في الصومال، وتدريب عدد من أعضائه هناك، قد تمكن التنظيم خلال العامين الأخيرين من تجنيد عدد كبير من الاعضاء، وقام باعادة مد جسور التواصل مع عدد من أعضاء الجيل الاول للتنظيم في اليمن خاصة في محافظتي شبوة وأبين،والذين تقاطعت تحالفاتهم مع السلطة المركزية،كامثال طارق الفضلي وجماعته الذين ظهروا للعلن هذه المرة،تحت لافتة الحراك الجنوبي الفضفاضة،بحيث بدى كتجمع للساخطين على نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح،كما حقق التنظيم إنتشارا واسعا في اوساط عدد من المناطق القبيلية في محافظات "الجوف مارب شبوة ابين" حيث انتقلوا من مربع الحماية، إلى مربع الفعل، ظهر ذلك جليا، في مشاركة عدد من ابناء القبائل في منع القوات الحكومية من إعتقال عدد من اعضاء التنظيم في تلك المناطق، التي شهدت مواجهات عسكرية، انتهت بتوقف الحملات الامنية في تلك المناطق، واظهرت التسجيلات الاخيرة للتنظيم التي خاطبت في جزء منها تلك القبائل باحترام كبير، داعية ابناء القبائل لمواجهة العملاء الذين قد يتم زرعهم من قبل الاجهزة الامنية بين تلك القبائل .
وهناك قلق واضح في اوساط القبائل في تلك المناطق من التصريحات الأمريكية تجاه امكانية استهداف مناطقهم من قبل القوات الأمريكية،وتكرار ما حدث خلال عملية اغتيال القيادي في تنظيم القاعدة أبو علي الحارثي الذي اغتيل بواسطة طائرة بدون طيار، كما عبر تحالف ابناء مارب والجوف الشهر الماضي من مغبة استهداف مناطقه بشمال شرق اليمن اثر إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن نيتها تنفيذ عمليات عسكرية جوية وبرية في مناطق شمال وشرق اليمن بزعم ملاحقة القاعدة.
حيث نفى التحاف صحة وجود بؤر إيواء ومعسكرات تدريب لعناصر تنظيم القاعدة في مناطقنا وكل ما يقال عن هذا هو عبارة عن معلومات مغلوطة أو دعوات تخفي وراءها نوايا استهداف لمناطق قبلية معينة يراد تأديبها لأهداف سياسية أخرى.
الا انه قال " إذا كان هناك وجود وقتي لأشخاص قلة جداً من عناصر القاعدة الذين قد يتوقفون خفية لأيام أحيانا في هذه المناطق أثناء تنقلهم المستمر بين محافظات الجمهورية، فإن هذا الوجود غير مرحب به ولا يحظى بحماية تذكر ولا يبرر تفكير من هذا النوع بأي حال من
الأحوال.
5
واثر تراجع اسعار النفط عالميا على اليمن الذي تعتمد موازنته عليه بشكل واضح، حيث يشكل انتاج النفط ما بين 70 و75 في المئة من الموارد العامة وأكثر من 90 في المئة من عائدات الصادرات. ويبلغ حجم انتاجه 287 ألف برميل يوميا نزولا من 300 ألف برميل العام الماضي. وبحسب البنك الدولي ان التوقعات على المدى المتوسط لما بعد عام 2009 هزيلة بسبب تراجع انتاج النفط
وظهر ذلك جليا في عدم قدرة الحكومة اليمنية تقديم موازنتها للعام 2010 في موعدها المحدد،حيث ظهر ان هناك عجزا كبيرا في ميزانية الدولة.
وهي مخاطر يتوقع ان يشهد العام القادم تداعياتها الحقيقة، وسيعاني منها الفقراء على وجه الخصوص حيث تشير الاحصاءات الحكومية إلى أن نحو 35 في المئة من سكان اليمن يعايشون تحت خط الفقر، وقد لحقت بالفقراء أضرار بالغة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء لعالمية بنسبة 60 في المئة وعدم قدرة الحكومة على ضبط ومراقبة ارتفاع الاسعار.
ولعل لجوء الحكومة لمضاعفة الانفاق العسكري بسبب الحرب في صعدة والاضطرابات في عدد من المحافظات الجنوبية قد يكون سبب للعجز المالي في الموازنة، اضافة إلى تراجع عائدات السياحة بسبب تصنيف اليمن كوجهة غير أمنة للسياحة حرم اليمن من ملايين الدولارات، واخفاق الحكومة في استخدام المخصصات التي اعلن عنها خلال مؤتمر لندن للمانحين ادى لتخوف المانحين من عدم قدرة اليمن على استيعاب تلك المبالغ في المجالات التي تم الاتفاق عليها خلال جولات التفاوض.
بالاضافة لتراجع عائدات اليمن من تدفق الاستثمار وتحويلات المغتربين من الخارج، وموت قطاع السياحة، عوامل ضاعفت من التحديات الاقتصادية لليمن.
إن عام 2009م وماذكرته لا يمثل "غيض من فيض" هو عام الاخفاقات اليمنية وعام المخاضات الصعبة وسيلقي بظلاله على قادم الاعوام، ولا تبدو ان هناك ملامح انفراج، على أي صعيد، والقادم قد يكون أسوأ، إذا لم تتحمل كافة الاطراف اليمنية مسئوليتها،واستمرا تفرج العالم على تدهور الاوضاع في اليمن الذي كان سعيدا.
____________
[email protected]