آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

خطورة ربط الحراك بالقاعدة !

هناك من يعمل جاهداً لنقل المعركة من صعدة إلى الجنوب، ويبعدها عن القاتل الحقيقي (الحوثي) ويوجهها إلى القاعدة والمشترك والحراك... وهنالك أيضاً حسابات دولية لا تكترث بالكوارث الناجمة عن رضوخ السلطة اليمنية لضغوطها..

والمؤسف أن البعض إلى الآن لا يزال يصب اهتمامه فقط في استخراج الأجوبة لأسئلة معهودة من قبيل: من أوجد المناخ الذي سمح للقاعدة والفساد والحوثي والدعوات التشطيرية بالوجود والخروج إلى السطح؟

وشاهد الأسف هنا أن الإجابة لم تعد تغير في الأمر شيئاً.. إذ إقرار الجميع بأن السلطة وسياساتها هي المسؤول عن كل ذلك لم يعد هو المصباح السحري لحلحلة المشاكل التي تمشي بسرعة الفهد، في حين يسير فهم المجموع اليمني الفاعل بسرعة السلحفاة..

وزبدة اليقين "أن اليمن الموحد لم يجد قيادة بحجمه"، ولا نخباً شعبية نابهة وشجاعة تستطيع كبح جماح السلطة الحاكمة وجعلها مستقيمة ومثابرة، لأن ثمة عيوناً مفتوحة، وألسناً جاهزة للتفنيد الذي لا جدال بعده..

عموماً.. مهما اختلطت الأوراق بسبب هذا الحدث أو ذاك فإن إدارة البلد بهذا الأسلوب (السير على حواف "الضياح") لا يمكن أن يجعل صانع القرار دائماً بمفازة من التردي إلى مكان سحيق، وهنا لا فائدة من حوار أو ضغوط أو أعمال شغب أو مسيرات احتجاج ما لم تتوفر نية صادقة لتغيير الأسلوب و"توسيع باب اليمن لكي يدخل منه الجميع".. وحتى لا أتشعب أوجز ما أرى فيما يلي:

- إلى ما قبل الخميس الماضي لم يكن في اليمن شخص يتعاطف مع القاعدة إلا أتباعها وهم قليل.. وبعد هذه الضربة العمياء في أبين فإن كثيرين وجدوا أنفسهم في خانة التعاطف..

- اجراءات ما بعد الضربة من الدعوة للقبض على علي سالم البيض، ومحمد علي أحمد بتهمة تشجيع القاعدة تنبي عن أن العقل المدبر توقف عن التفكير ولم يعد ينتج سوى النكات التي لا تستحق الضحك..

- الإصرار على دمغ الشيخ طارق الفضلي بالانتماء للقاعدة هو حفرة يقع فيها صاحب هذا الإصرار إذ الفضلي إلى ما قبل 2008 حليف النظام وذراعه وحبيبه وبالتالي إثبات قاعدية الفضلي هو إثبات لقاعدية النظام..

- وبالقرب من الجزئية السابقة ثمة إصرار على ربط الحراك بالقاعدة وهذه مسألة يعلم 99.99% من جماهير الحراك أنها كذبة أعرى من فضيحة، وبالتالي يزداد استياء هولاء من السلطة وتقوى عزيمتهم باتجاه المضي في درب مفاده "إذا كان ولابد فلنسقط معاً".

- مجيء مثل هذه الاتهامات في ظل ترحيب الدكتور ناصر الخبجي بدعوة الرئيس علي عبدالله صالح للحوار في 26 ديسمبر الجاري يعد كسراً عنيفاً لأولى محاولات الاستجابة التي بدرت من واحد من أهم المحترمين في الحراك ويقطع الطريق على تدفق استجابات أخرى في القادم المنظور..

والخلاصة أن ما يجب أن يكون واضحاً لكي تخرج البلاد إلى طريق هو أن ملف صعدة هو الأخطر، وهو الأكثر إلحاحاً وهو الذي يستحق الحزم والحسم، ذلك أن الحوثي لا يمثل سوى ذراع قبلية ومذهبية لمشروع أدهى من الجميع قيادته في صنعاء وحلفاؤه في كل العواصم. هذا أولاً..

ثانياً أن الدعوة العلنية لأي حوار قبل ضمانة مشاركة الأطراف المعنية (بواسطة حوار مسبق وغير معلن) هي عبارة عن إحراق لإمكانية الحوار مرة أخرى وعبارة عن مزيد من التأزيم، تماما مثلما أن حوار كل طرف مع مع أتباعه (فقط) هو ضرب من العبث..

في بلادنا اليوم:

- صراع الجيل الصاعد من أبناء النافذين.. هؤلاء الذين لا يحترمون بعضهم، ولم يحتشدوا ذات يوم صفاً واحداً في مواجهة خطر كبير أو صغير، ولم يسبق أن تجرعوا تبعات المغامرة، كما لم يجربوا ألم الحرمان ولم يتذقوا حلاوة الكفاح. بعضهم لا يمتلك من المؤهلات إلا النقود التي لا يدري ماذا يفعل بها، فرسان الساعة الثالثة يحمل بعضهم ضد بعض سوء ظن لا براهين له، ولا يبدو أن لديهم نية للتحقق والتحري والمصارحة.. ولا داعي لذكر الأمثلة.

- سلطة ومعارضة يدرك كلاهما أن البلاد في خطر، ولكن كليهما يريد أن يتم الحل دون الاضطرار إلى إشراك الطرف الآخر فيه، بل لا يكره كلاهما أن يتضمن الحل هلاك الآخر.

- مشروع عنصري لايزال (رغم كل ما حدث له حتى الآن) أدهى من الجميع وهو بالطبع يصادم مقاصد الشرع ورغبة الجماهير وإنجازات البشرية في مجال المساواة وحقوق الإنسان الأساسية.. وحالياً يمتلك شوكة عسكرية معبأة عقائدياً وكذلك يمتلك داعماً إقليمياً لا ينام.

ونحن الشعب إما أن ندع الأمزجة المتضاربة تقود البلاد إلى المجهول.. أو أن نقوم بعملية مفاضلة حصيفة بين مستويات السوء المتوفر في سوق اليمن مستعينين بالصبر وبالدعاء وكل منا يقوم بما يستطيعه إلى أن يأتي رب العباد بالفرج، وإنه لقريب..

زر الذهاب إلى الأعلى