تبسيط التعامل مع المشكلة الحوثية هو ما أدى إلى أزمة كبرى في اليمن تهدد النظام. وسواء كان عدد المتمردين الحوثيين بضع مئات أو عشرات الآلاف، حيث تتضارب التقديرات، فإنهم قادرون على مضاعفة مناصريهم لو كسبوا معارك مهمة على الأرض.
وهناك جملة أسئلة لا يمكنني تجاهل الحديث عنها، مثلا لماذا يكرر الأميركيون نفي وجود علاقة بين الحوثيين وطهران؟ وهل من خطر على صنعاء من النجم اليمني الجنوبي، علي سالم البيض، العائد بقوة داعيا لشق الجمهورية؟
الجميع يلاحظ الغزل الأميركي للحوثيين، حيث تتكرر جملة واحدة على لسان كل المسؤولين الأميركيين عندما يطرح عليهم السؤال «لا يوجد لدينا دليل على علاقة إيران بالنشاط الحوثي في اليمن»، وأحيانا يذهبون إلى أبعد من ذلك بالقول «إن التمرد مشكلة يمنية داخلية». وإذا كانت هناك جهة تدري بحقيقة علاقة الحوثيين فلا بد أن تكون الولايات المتحدة، وذلك بحكم تخصصها في رصد النشاط الإيراني وضخامة قدراتها في أرض وسماء المنطقة.
هذا يعني إما أن واشنطن مقتنعة بأن حكومة صنعاء تكذب بإلصاق تهمة العمالة لإيران لتأليب الرأي العام الغربي ضد الحوثيين، أو أن واشنطن نفسها تكذب وتعرف عمق التورط الإيراني لكنها لا تريد توسيع معاركها. وأنا أميل إلى التفسير الثاني لأن علاقة القيادة الحوثية بالنظام الإيراني تؤكدها تفاصيل دقيقة وعمر العلاقة أكثر من عشر سنوات.
ولو افترضنا علم واشنطن فلماذا إذن تتستر على الحوثيين؟ في ظني للأميركيين سياستان، صامتة تقوم على تقديم الدعم اللوجيستي والمعلوماتي المهم للقوات اليمنية ضد الحوثيين، والثانية علنية ترفض اتهام الحوثيين وتتحاشى تأييد النظام الرسمي في الهواء الطلق. أسلوب مختلف عن سياسة أميركا المعهودة في دعم حلفائها.
الأميركيون ربما أكثر ذكاء هذه المرة بالمحافظة على شعرة العلاقة مع الحوثيين حتى لا يدفعوا المتمردين للتحالف مع «القاعدة»، لكن الشعرة ستقطع لاحقا لأن المتمردين، بحكم طبيعة فكرهم الآيديولوجي، على الأرجح سيتورطون في عمليات معادية للأميركيين، وستظهر دلائل علاقة مع «القاعدة» وإيران بحيث لا تستطيع واشنطن السكوت عليها، حينها ستكون هذه أخبارا سعيدة لصنعاء، التي تريد تأليب العالم ضد الحوثيين.
ولا يمكن أن نغفل الحديث عن مشكلة موجودة وإن كانت غير معلنة بين الحليفين، واشنطن وصنعاء. فالسلطة اليمنية متهمة بأنها تستغل الأزمات لأغراضها الداخلية، وتتهم بأنها كانت تغض النظر عن وجود «القاعدة» على أراضيها، واضطرت قوات أميركية إلى تنفيذ عمليات بنفسها على الأرض اليمنية.
كما يتهم الرئيس علي صالح بأنه يتقدم الجماهير اليمنية في انتقاد الأميركيين ويزايد عليهم أحيانا، كما يتهم بأنه رغم الدعم المشروط تخلى عن وعوده بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. اليوم كثر خصوم الجمهورية وتحالفوا ضد الرئيس رغم أنهم لا يربطهم ببعضهم شيء سوى رغبتهم في إضعاف النظام أو حتى إسقاطه.
وهنا ظهر إلى السطح علي سالم البيض مثل ضرس مؤلم. صحيح أنه انتهز حالة الفوضى لفرض وجوده، لكن لا بد من لوم صنعاء لأنها لم تسع لاحتوائه، يوم قرر الرئيس المصالحة واستيعاب القادة الجنوبيين الذين خسروا الحرب، ولو عاد البيض آنذاك ما كان هناك خطر على سلطة صنعاء. اليوم صار الوضع معقدا وهذا يستوجب إعادة فتح الباب لمن تبقى من الجنوبيين، للعودة والمشاركة، فهو الخيار الأقل ضررا. والرئيس صالح أطلق مبادرة جديدة للمصالحة تحت قبة البرلمان، إلا أننا لا نرى فيها تنازلات شجاعة حتى تأخذ الزخم المطلوب.
لا أريد تضخيم الوضع بالقول إن النظام محاصر في صنعاء لكنه يواجه تحديات حقا خطيرة، ثلاث جبهات عسكرية متمردة، ونشاط معارض في الخارج، وابتعاد أميركي عن دعم النظام، وحسابات إقليمية أكبر من حسابات صنعاء.