أرشيف الرأي

هل يغرق اليمن في المستنقع الأميركي؟!

أضحى من نافلة القول أن السياسة الأميركية باتت تشكل ثقلاً وعبئاً عالمياً كبيراً يصعب حمله أو احتماله. ففي كل بلد تُدخِل أميركا أنفها فيه، يتحول هذا البلد إلى حالة من الغليان الشديد والفساد والدمار والحروب اللامنتهية..

ولعلّ من النماذج المقروءة لكل ذي عينين النموذج الصومالي والأفغاني والعراقي والإيراني، وأخيراً النموذج اليمني.

ما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن النموذج اليمني، الذي برز فجأة على الساحة الدولية، كبلد يؤوي الإرهاب ويحتضن الإرهابيين، رغم أنه معروف تاريخياً أن الأرض اليمنية أرض طيبة والشعب اليمني شعب طيب وكريم، رغم قوته وشراسته. ما يؤكد أن الخلل ليس في الشعب اليمني، بل في السياسة الأميركية، وفي من يلهثون وراء هذه السياسة ويجرون خلفها بلا وعي أو بصيرة.

السياسة الأميركية التي تقع تحت وطأة اللوبي الصهيوني، هي التي جعلت من دولة باكستان تقف على كف عفريت، وتتحول إلى بركة من الدم، نتيجة استجابة حكومة علي زرداري للضغوط الأميركية، لتصفية القيادات الوطنية الحية في الشعب الباكستاني، وهو السيناريو الذي تريد أميركا تكراراه في اليمن، لولا أنّ الوضع اليمني أكثر تعقيداً وصعوبة من الوضع الباكستاني. فاليمن عبارة عن مخزن للبارود، وأي لعب بالنار يمكن أن يفجر قنبلة يطال شرارها كل شيء، وأولى الدول التي ستتضرر هي دول الخليج، والمصالح الأميركية في الجزيرة العربية.

إنّ التعاون اليمني الأميركي لضرب المواطنين وإزهاق الأرواح البريئة، مقابل ما يسمى مواجهة تنظيم القاعدة، يجعل السلطة في اليمن تفقد شرعيتها ودستوريتها، لدى شعبها وقواه الحيّة، وخاصة أن معظم الأحزاب اليمنية تعتبر السلطة الحالية في الأصل سلطة باغية استولت على الحكم بقوة التزوير الانتخابي، وبالتالي فهي لا تفرق بين السلطة اليمنية والإدارة الأميركية، ولا سيما إذا ما التقت السياستان على قتل المواطن اليمني وإراقة دمه.

وهذا هو ما فسّر الحشد الجماهيري وراء تنظيم القاعدة بعد الضربة الظالمة وفي اليوم التالي منها مباشرة، ليس حباً بتنظيم القاعدة، ولكن نكاية في السلطة العمياء، التي لا تفرق بين مطلوبيها وبين الأبرياء من النساء والأطفال، وقد يزداد الالتفاف الشعبي حول كل مطلوب للسلطة أو منازع لها، لذات السبب الآنف الذكر.

ونزعاً للفتيل، وحقناً للدماء، وحرصاً على العلاقة بين السلطة اليمنية وشعبها، في هذا الوضع الحرج، يجب اعتماد ما يأتي:

1) على الحكومة اليمنية ألا تتبع التعليمات الأميركية، فالسياسة الأميركية حالياً باتت أشبه بالغراب، الذي قال عنه العرب قديماً: ومن يكن الغراب له دليلاً.. يمرّ به على جيَف الكلاب.

إن الأميركان ينفذون مخططاً صهيونياً للسيطرة على العالم وإفساده وتخريبه، عملاً بالخرافات التوراتية التلمودية، وما دعاوى الإرهاب التي يزعمها الأميركان إلا الشماعة التي يعلقون عليها مبرراتهم للتدمير والتخريب، وما حادثة محاولة تفجير الطائرة الأميركية مؤخراً على يد الشاب النيجيري، إلا من هذا القبيل، فالمحققون من المحللين السياسيين ينظرون إلى الحادثة على أنها أشبه بالأفلام الهندية التي لا يحسن مخرجوها السيناريو ولا الإخراج، لأن من المستحيل أن يتجاوز أي مسافر المطار تلو المطار وفي جعبته مسمار أو إبرة، فضلاً عن المتفجرات والقنابل.

2) يلزم في الأوقات العصيبة والمحن المتتالية أن يكون ثمة شفافية واضحة بين الحكومة اليمنية وشعبها، وصمت الحكومة اليمنية عن نفي أو إثبات خبر القصف الأميركي لمواطنين يمنيين آمنين في قراهم الطينية، يؤكد صحة هذا الخبر، أعني أن القصف أميركي جاء بمباركة يمنية، وليس العكس كما صورته وسائل الإعلام.

بيد أني أحسب أن الحكومة اليمنية في وضع لا تحسد عليه، فنفي الخبر يعتبر كارثة بالنسبة لها، لأن معناه أنّ السلطة في اليمن تضرب شعبها وتقتله، وأن الذي يحكم اليمن حاكم عسكري، كما أن الاعتراف بالقصف الأميركي معناه أن لا حكومة مركزية في اليمن ذات سيادة، خاصة أن هذه ليست المرة الوحيدة التي تنتهك فيها السيادة اليمنية، ولذلك فقد لزمت السلطة الصمت.

3) على النظام في اليمن سرعة تغيير مساره، لأنّه كما يبدو أنه في صدام مباشر مع شعبه، ليس على صعيد محور واحد أو محافظة واحدة، بل على كل المحاور والمستويات والمحافظات والأحزاب والمنظمات والقبائل، بل في صدام مع نفسه وذاته. ويلزم لهذا سرعة الاستجابة لدعوات أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) في الجلوس إلى مائدة الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً.

4) ما يتعلق بمقاومة ومواجهة تنظيم القاعدة، ثمة تهويل أميركي كبير لهذا التنظيم، لأغراض معروفة، والصواب أن يتم التعامل معه بعيداً عن الرؤية الأميركية، ووفق الخصوصية الوطنية والدستور والقانون اليمني، وحينها سينكشف الغطاء ويتضح الطريق وتسهل المعالجة، وسنجد أن هذه الفئة أو العصابة ليست بذاك القدر من الخطورة والتهويل، لأنها سوف تصبح عصابة في وجه دولة ونظام وشعب ودستور وقانون.

أحسب أن هذه الحلول هي المخرج الأكثر أمناً للوضع اليمني، وبدون هذا فليس من خيار أمام الحكومة اليمنية إلا أن تخوض في المستنقع الأميركي، وأن يستمر مسلسل الدم على الساحة اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى