مع إعلان الرئيس أوباما عن "إخفاق نظامي" في نظامنا الأمني في أعقاب محاولة تفجير الطائرة الأمريكية المتجهة إلى ديترويت في يوم الكريسماس، بدأت تملأ موجات الأثير، وافتتاحيات الصحف والمدونات مجددًا المجادلات المعتادة حول ما يمكن وما ينبغي القيام به للحد من القابلية الأمريكية للتعرض لهجمات.
وتقوم العديد من هذه المجادلات على افتراضات كانت قد قادت الرد الأمريكي على هجمات 11 سبتمبر عام 2001؛ إلا أنها للأسف لا أساس لها من الصحة سواءً في الوقت الحاضر أو في حينها. أما أكبر أكذوبة فهي الإصرار على أن الحكومة يمكنها الحفاظ على أمننا جميعًا دون تعاون من جانبنا.
1- الإرهاب هو أخطر تهديد يواجه الشعب الأمريكي
والحقيقة أن الأمريكيين يواجهون خطر الموت في حوادث أو في انتشار فيروسي على نحو أكبر مما هم معرضون له عن طريق الأعمال "الإرهابية". ففي عام 2008، لقي أكثر من 37.300 أمريكيًا مصرعهم على الطرق السريعة في البلاد، وفقًا لبيانات رسمية. وحتى قبل ظهور فيروس إتش1 إن1 – أنفلونزا الخنازير- كانت أعداد مماثلة من الناس تموت سنويًا بسبب الأنفلونزا الموسمية.
صحيح أن "الإرهاب" خطر حقيقي، غير أن التهديد الأكبر ليس في الضرر المباشر الذي يمكن أن يتسبب فيه العناصر "الإرهابية"، ولكن فيما نفعله بأنفسنا عندما يتملكنا الذعر. إن الأمر هو كيف نتفاعل- أو بتعبير أدق- كيف نبالغ في التفاعل- مع التهديد "الإرهابي" نجعل منه وسيلة جذابة لأعدائنا. إن واشنطن بتحويلها الطيران التجاري إلى البر وإغلاق حدودنا بفاعلية في أعقاب هجمات 2001، قد حققت شيئًا لا يمكن أن تأمل أية دولة أجنبية أخرى في تحقيقه وهو: فرض حصار على اقتصاد الدولة العظمى الوحيدة في العالم. إننا بينما لا يمكننا أن نتوقع نجاحًا تامًا في اعتراض الهجمات "الإرهابية"، فإنه يتعين علينا تطوير أسلوب أفضل فيما يتعلق بكيفية الرد عند حدوثها.
2- عندما يتعلق الأمر بدرء "الإرهاب" فإن الهجوم الجيد هو الدفاع الحقيقي الوحيد
لقد كان حجر الزاوية في نهج إدارة بوش عند التعامل مع التهديد "الإرهابي" هو نقل المعركة إلى أرض العدو. إلا أن لكل هجوم معوقاته؛ فنحن ما زلنا لا ننتج بشكل كافٍ المعلومات الاستخبارية التكتيكية الدقيقة في وقتها من أجل تقديم الدعم المناسب للمساعي الأمريكية "لمكافحة الإرهاب" في الخارج. كما أن تعقب العناصر "الإرهابية" في الخارج لا يعني أنهم لن يتمكنوا من توجيه ضربة لنا في عقر دارنا.
وكانت الولايات المتحدة قبل أيام من محاولة تفجير الرحلة 253 التابعة لشركة نورثويست، قد تعاونت مع الحكومة اليمنية في شن هجمات ضد مقاتلي تنظيم القاعدة هناك. وتعلن حاليًا جماعة تُعرف باسم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" عن مسئوليتها عن تجهيز وتدريب "عمر فاروق عبد المطلب"، المتهم بمحاولة تفجير الطائرة. وقد استغلت الجماعة أيضًا الهجمات في تجنيد المقاتلين وتنظيم الاحتجاجات ضد الحكومة المركزية الهشة في اليمن.
في الوقت نفسه، فإن التركيز على الحل الهجومي كثيرًا ما يأتي على حساب تطوير التدابير الدفاعية الفعالة، مثل الاحتفاظ بقوائم مراقبة جيدة، وتبادل المعلومات حول التهديدات، وحماية الأصول الأساسية للبلاد كالغذاء ومصادر الطاقة، والاستعداد لأية طواريء واسعة النطاق. وعقب إعلان السلطات أن عبد المطلب كان يخبيء متفجرات في ملابسه الداخلية، قام مراجعو الخطوط الجوية بتأجيل رحلات الطيران المقررة من أجل إجراء عمليات تفتيش مكثفة عند بوابات الصعود.
وهذا النوع من المعالجة السريعة لا يساهم إلا في تغذية حالة من الاستياء العام إزاء الجهود الأمنية. ولكن إذا استطعنا تطبيق تدابير أمنية ذكية في وقت باكر، فإننا لن نقف عاجزين عند التعرض لهجوم "إرهابي". إن تعزيز قدرتنا الداخلية على الثبات والتعافي سريعًا من "الإرهاب" سيجعل من الولايات المتحدة هدفًا أقل جاذبية. والنجاح في مكافحة "الإرهاب"، كما في مجال الرياضة، يتطلب كلا العنصرين (القدرة على الهجوم والدفاع القوي).
3- إحكام السيطرة على الحدود الأمريكية أمر محوري لأمن أفضل
إن حدودنا لن تكون قط بمثابة خط دفاع جدي ضد "الإرهاب". فمسئولو التفتيش في موانئنا، ومعابرنا الحدودية، ومطاراتنا منوط بهم أدوار هامة عندما يتعلق الأمر بمراقبة الهجرة وتدفق التجارة، ولكنهم لا يلعبون إلا دورًا محدودًا في منع المهاجمين المحتملين. ويرجع ذلك إلى أن التهديدات "الإرهابية" لا تنبثق شرارتها على حدودنا مع المكسيك وكندا أو على طول سواحلنا الممتدة 12.000 ميلاً. بل تنبثق داخل أراضينا وفي خارجها، وتستغل شبكات عالمية مثل نظام النقل الذي قام بنقل 500 مليون حاوية بضائع عبر موانيء العالم عام 2008.
علاوة على ذلك، فوثائق السفر الخاصة بالعناصر "الإرهابية" غالبًا ما تكون سليمة تمامًا؛ وهو ما حدث مؤخرًا في حالة عبد المطلب وفي حالة مفجر الحذاء "ريتشارد ريد" عام 2001. وقد تجد الشكاوى بشأن سهولة اختراق الحدود صدى سياسيًا جيدًا، إلا أنها تصرف انتباهنا عن المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في خلق المزيد من التعاون الدولي لتعزيز حماية أنظمة النقل، والسفر والتمويل العالمية. كما أنها تهمش حقيقة أن عدد القضايا المتعلقة ب "الإرهاب" والتي تتضمن مواطنين أمريكيين سجلت ارتفاعًا جديدًا في عام 2009.
4- تطوير التكنولوجيا الحديثة إجراء أساسي من أجل أمن أفضل
هذا ليس بالضرورة. التكنولوجيا يمكن أن تكون مفيدة، ولكنها كثيرًا ما ينتهي بها الأمر كجزء من المشكلة. والإفراط في الاعتماد على أجهزة معقدة مثل أجهزة أشعة إكس غالبًا ما تترك المسئولين على خطوطنا الأمامية منهمكين في مراقبة هذه الأنظمة وتحري الخلل فيها؛ ومن ثم يصبحون أكثر انشغالاً بالعملية عن النتائج. وبمجرد أن تصبح الإجراءات روتينًا عاديًا، يمكن لعنصر سيء أن يتلاعب بها.
وسيكون من الجيد أن نلفت النظر إلى درسين قد تعلمهما الجيش الأمريكي من القتال ضد المقاومين في العراق وأفغانستان:
أولاً: لا تؤدي مسئولياتك على نحو روتيني وبأساليب يمكن التنبؤ بها.
ثانيًا: لا تقم بعزل الأشخاص الذين تحاول حمايتهم.
والكثير مما يتم الترويج له على أنه يخدم الأمن الداخلي يتجاهل هذه الدروس. فصحيح أن تقنيات مثل أجهزة تصوير كامل الجسم، التي لاقت اهتمامًا كبيرًا الأسبوع الماضي، أكثر فاعلية في فحص المسافرين على الخطوط الجوية بدرجة أكبر من أجهزة الكشف عن المعادن، إلا أن التقنيات الحديثة أيضًا باهظة الثمن ولا تغني عن العناصر المحترفة المدربة تدريبًا جيدًا التي تُمنح تفويضًا وتُكافأ عند قيامها بتقييم صحيح.
5- المواطن العادي ليس أداة فعالة في صد الهجمات "الإرهابية"
وتستبعد نخبة المثقفين وصانعو السياسة على نحو آلي قدرة المواطن العادي على الرد بفاعلية عند مواجهة وضع خطير. ومن المفارقات أن هذا التصور الخاطيء قد أثر على كثير من نهج الحكومة في التعاطي مع مسألة الأمن الداخلي منذ 11 سبتمبر عام 2001 بالرغم من أن التحرك الناجح الوحيد الذي تم يومها في مواجهة العمل "الإرهابي" كان من جانب ركاب طائرة يونايتيد إيرلاينز- الرحلة 93. فهؤلاء الركاب لم يحصلوا على مساعدة مارشالات الجو الفيدراليين. ولم تعترض (قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية) التابعة لوزارة الدفاع تلك الطائرة، فضلاً عن أنها لم تكن على علم حتى باختطافها.
غير أنه بالسيطرة على مقصورة الطيار فوق بنسلفانيا الريفية، فإن هؤلاء الأفراد العاديين قد منعوا "إرهابيي" القاعدة من الوصول إلى هدفهم الذي كان من المرجح أنه مبنى الكونجرس أو البيت الأبيض. إن قادة الحكومة الذين يُحتم عليهم واجبهم الدستوري "اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل دفاع مشترك" قد دافع عنهم شيء واحد فحسب- - إنذار وبطولة وطنية.
وهذا التصور الخاطيء هو تصور طائش بكل وضوح لأنه ينتهي بتهميش أكبر معين لدينا في التعاطي مع تهديد "الإرهاب": وهو الأفراد العاديين الذين يتميزون بأفضل وضع يمكنهم من اكتشاف الأنشطة "الإرهابية" ومواجهتها. ويكفي أن نضع نصب أعيننا محاولة الهجوم التي حدثت في يوم الكريسماس للتأكد من صحة هذه الحقيقة. فنجد مجددًا أن التقصير جاء من جانب الحكومة وليس الأفراد العاديين.
فقد أدلى والد النيجيري- وليس وكالة الاستخبارات المركزية أو وكالة الأمن القومي- بمعلومات هامة، كما أدت التحركات الشجاعة من جانب مخرج الأفلام الهولندي "جاسبر شيرنجا" وغيره من الركاب وطاقم الطائرة على متن الرحلة 253 إلى إحباط الهجوم.
* المحلل الأمني "ستيفن فلين" رئيس مركز السياسة الوطنية، وصاحب كتاب "شفا الكارثة: إعادة بناء أمة رخوة".
ترجمة/ شيماء نعمان - مفكرة الإسلام