آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

يا علماء اليمن ما هذا؟

على الرغم من المشاكل التي تعترض الدول العربية، داخلياً وخارجياً، فإن المؤسف هو عدم إدراك كثير من علماء الدين خطورة تدخلهم في الشأن السياسي دون تقدير حقيقي لعواقب الأمور.

وأبسط مثال على ذلك البيان الذي أصدره 150 عالم دين في اليمن، وهو بيان لا يمكن وصفه إلا بأنه استغلال لمرحلة عصيبة يمر بها اليمن.

فبيان علماء اليمن جاء فضفاضاً، وحمال أوجه، من ناحية، إلا أنه من ناحية أخرى شديد الوضوح في الإفصاح عن رغبة العلماء في السيطرة على الشأن السياسي باليمن، حيث أن بيانهم يحرم حتى الاتفاقيات، والتعاون الأمني والعسكري «مع أي طرف خارجي يخالف الشريعة الإسلامية ويضر بمصلحة البلاد».

وهذا أمر عجيب، فهل على الحكومة اليمنية قطع علاقاتها بالمجتمع الدولي، أم أن البيان يريد توفير غطاء لتنظيم «القاعدة»؟ فأين علماء اليمن عن الانفصاليين، وأين هم عن ما يفعله الحوثيون، وأين هم عن الجهل الذي يضرب في أطناب اليمن الذي كان يقال عنه اليمن السعيد، وأين هم عن الفقر، طالما أنهم يحذرون من المساس بما «يضر مصلحة البلاد»، بل ويحذرون حتى من مؤتمر لندن، رغم أن اليمن يواجه مشاكل لا حصر لها، وفي أمسّ الحاجة للمساعدة؟

ليس القصد الإساءة لعلماء اليمن أو التشهير بهم، لكن السؤال هو ما الفرق بين ما يقولونه اليوم، وما قالته طالبان الملا عمر، عندما دافعت عن أسامة بن لادن، وعرّضت أفغانستان وأهلها لمزيد من الدمار والحروب؟ أوليس الأجدى هو دفع الضرر عن الناس والبلاد؟

فأمر غريب جداً أن يصدر عن 150 عالماً بيان يدعو للجهاد ضد من يتعاون، أو يتدخل أمنياً، في اليمن رغم نفي الأميركيين أن لديهم أي نية لإرسال قوات لليمن، كما أن في البيان تجاوزاً وتهميشاً للحكومة اليمنية، في الوقت الذي قام فيه تنظيم «القاعدة» بتقسيم محافظات البلاد إلى ولايات عين عليها أمراء، وكأن اليمن بلد فاشل، كما أن «القاعدة» شرعت في ترهيب الناس، وفرض سلوكيات معينة في بعض محافظات اليمن، ناهيك عن تهديد المدارس، تماماً كما تفعل طالبان التي قامت بإحراق المدارس والطالبات، والمعلمات، إضافة إلى إنشاء معسكرات تدريب وإيواء للإرهابيين!

الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن بيان علماء اليمن لا يشكل خطراً على اليمن وحده، بل وعلى أمن المنطقة، حيث أنه يشكل غطاء لـ«القاعدة» ويزيد من تعقيد الأمور باليمن، وهو أمر لا يجب السكوت عنه، أو التقليل من مخاطره. كما أنه أمر ينم عن جهل سياسي، وبعد عن الواقع، هذا إذا أردنا إحسان الظن. والأمر الذي لا بد من إيضاحه هو أن اليمن في حاجة ماسة لمبادرة، ومعالجة، سياسية صرفة، وعاجلة؛ فلو أن مشكلة اليمن تنعكس على اليمن وحده لكان يمكن القول إن هذا شأن يمني داخلي، لكن ما يحدث في اليمن، وتحديداً ازدياد تعقد الأمور داخلياً، يحتاج إلى جهد، ووقفة صارمة، وعاجلة، لنساعد اليمن، وأنفسنا، فخطر اليمن بات يهددنا جميعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى