يا لهول المشقات العظام والخطوب الجسام التي واجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما في العام الأول من ولايته الرئاسية، التي بدأت في 20 كانون الثاني (يناير) 2009. إذ تسنم منصبه بعد أيام من بدء الأزمة المالية التي بدأت أميركية وانتهت بالعالم كله،
وكان الأفق في العراق وأفغانستان ينذر بمزيد من الكوارث والقتال والموت. ولم تكن جماعات الإرهاب بالسذاجة التي استقبل بها العالم أول رئيس أميركي أسود، بل أهدوه في خواتيم سنته الأولى محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية فوق أرض أميركية وبتأشيرة دخول أميركية حصل الجاني عليها من سفارة بلاد «العم سام».
ويصح التنبؤ أيضاً بأن سنوات أوباما الثلاث المقبلة لن تكون أحسن حالاً بالنظر إلى حال الأمن في العالم اليوم. ومهما كان شأن المتفائلين والمتشائمين وبينهم «المتشائلون»، فإن من المؤكد أن مؤيدي أوباما وأعوانه لن يتداعوا للاحتفال بانقضاء السنة الأولى من رئاسته. لن يلقي الرئيس الشاب خطاباً مؤثراً أمام الكابتيول «مبنى الكونغرس» مثلما فعل يوم تنصيبه. ولن تخرج السيدة الأولى بثيابها الجميلة لتوزع ابتساماتها على المصورين والمحتشدين. والمسألة ليست «شماتة»، فالرجل ربما كان «بلدياتنا»، أو على الأقل فينا أشياء كثيرة مشتركة يحن بعضها إلى بعض، ولكن «الحساب ولد» كما يقال.
انقضى عام ولا تزال أميركا غارقة في المشكلات ذاتها التي جاء أوباما بناء على وعود حلها وإحداث التغيير الذي حمله إلى المكتب البيضاوي على أكتاف الجماهير، إذ استفحل الركود الاقتصادي واستعصى على العتاة من خبراء الرأسمالية ومخططيها. وكلما خرج أحدهم ليبشر الأميركيين بتحسن مؤشرات الأداء والنمو، عاجلته أرقام البطالة بما يكذب بشارته ويزيد الشعب هماً وغماً. أما عن إصلاح نظام التأمين الصحي، الذي كان العنوان الرئيس لحملة التغيير التي تعهدها أوباما... فحدّث ولا حرج.
وهل هموم أوباما هي الهموم الداخلية وحدها؟ في الشرق الأوسط لا تزال الجهود الأميركية لإحياء عملية السلام بطيئة وموسومة بالاستحياء والعجز عن إرغام إسرائيل على تقديم التنازلات الكفيلة باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وفي شبه الجزيرة الكورية، لم تنجح إدارة الرئيس الشاب في حمل كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي. ولم يحدث تقدم يذكر في شأن معالجة البرنامج النووي الإيراني. ولم يعد العالم يعرف حقيقة ما إذا كانت القوة العظمى الوحيدة ستبقى مترددة حيال العناد الإيراني، أم أنها ستكشر عن أنيابها مثلما كان يفعل الجمهوريون على عهد الرئيس السيئ الذكر «جورج دبليو»؟
يبدو أن ضخامة حجم المشكلات الداخلية ستجعل أوباما أضعف قدرة على مواجهة التحديات الخارجية في سنته الثانية وعاميه المقبلين. والأرجح - والله وحده أعلم - أن الرجل لن ينجح في البقاء رئيساً لولاية ثانية، فقد أسفر عجزه عن الإنجاز عن تدهور شعبيته داخلياً بدرجة كبيرة، وأدت سياساته لزيادة عدد قواته في أفغانستان وتصعيد الحرب والطائرات التي تطير بلا طيار في باكستان، وربما اليمن، إلى إضعاف رصيد «حسن النية» الضخم الذي قوبل به بعد انتخابه.
قبل شهر من تنصيب أوباما لم يكن عدد القوات في أفغانستان يتجاوز 31 ألفاً. وقبل أن ينصرم العام الأول من رئاسته قفز العدد إلى 70 ألفاً، ولا يزال مساعدوه العسكريون يخططون لنشر 30 - 35 ألفاً لتحقيق الاستقرار هناك من دون نتائج ملموسة على الأرض. واكتشف الرئيس الشاب أنه لن يحارب في أفغانستان وحدها، بل عليه أن يطارد فلول «القاعدة» بتفرعاتها الجديدة في تضاريس بالغة الصعوبة على الأراضي الباكستانية التي أضحت جبهة مستباحة للغارات الصاروخية الأميركية.
وفي العراق، من المقرر أن يتم هذا العام سحب معظم القوات الأميركية. بيد أن استمرار تردي الوضع الأمني، وارتفاع مستوى التوتر بين السنة والشيعة، وبين السنة العرب والسنة الأكراد، والمخاوف الجمة مما سيترتب على الانسحاب الأميركي على المستويين السياسي والإنساني، تثير القلق بالنسبة إلى أوباما وشعوب المنطقة.
وفي فلسطين، مشهد أشد تعقيداً، والنتيجة بعد جولات مكوكية عدة قام بها المبعوث الخاص للرئيس جورج ميتشيل ومستشاره لشؤون الأمن القومي جنرال المارينز المتقاعد جيمس جونز، فإن إسرائيل لا تزال متمسكة بسياسة الاستيطان، وتوسيع المستعمرات القائمة، وترفض اعتبار القدس المحتلة محل تفاوض، ولا تقبل حديثاً في شأن عودة اللاجئين. ويبدو المشهد بكامله مثل حقل ألغام خطر يسير فيه أوباما بحذر شديد، إذ إن الضغط على إسرائيل أو التهديد بمعاقبتها سيعني تلقائياً أن فرص أوباما في ولاية ثانية ستكون ضرباً من المستحيل.
في إيران، سيكون على أوباما أن يحسم أمره خلال هذا العام: هل سيدفع بمشروع لتعزيز العقوبات على طهران في مجلس الأمن؟ هل سيعطي الضوء الأخضر لقادته العسكريين للتخطيط لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟ هل سيطلق يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتأجيج الساحة الداخلية الإيرانية مثلما فعلت أميركا هناك في خمسينات القرن الماضي؟ سيتعين على الرئيس أن يتخذ قراراً حاسماً هذا العام، وعليه أن يحسب حساباته جيداً قبل أن يُغْرِق العالم في أتون حرب جديدة.
وتبقى الجبهة التي أورثها جورج دبليو لأوباما: الحرب على الإرهاب. وبجردة بسيطة لما تحقق خلال السنة الماضية من رئاسة أوباما، فإن الفشل هو أبرز عناوين هذه المحطة، بل كان الفشل ذريعاً قبيل انتهاء السنة، إذ ضرب الإرهاب أقوى وكالة استخبارات في العالم في عقر مجمعها في أفغانستان.
وكادت تحدث كارثة في يوم عيد الميلاد لو نجح النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب في تفجير قنبلة أخفاها في ملابسه الداخلية، على متن طائرة أميركية كانت تستعد للهبوط في مطار ديترويت. وقبل أن ينقضي العام 2009 اتضح لأوباما أن رأس الحية الإرهابية انتقل إلى جبال اليمن، وهي معركة تتطلب نقل التجربة الفاشلة في أفغانستان ووزيرستان إلى مأرب والجوف وشبوة. وكانت أول نتيجة ترتبت على حادثة عيد الميلاد تأجيل خطط أوباما لإغلاق سجن غوانتانامو. وعلى رغم أنه «تأجيل» فحسب، وليس «إلغاءً»، فإن الكونغرس أضحى يعارض بغالبية كبيرة نقل السجناء المتطرفين إلى ولاية إيلينوي.
سنة هيّنَة وليّنَة علينا... يعطينا خيرها ويكفينا شر قرارات أوباما «المصيرية» التي سيضطر لاتخاذها خلالها.