آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

هذه "عدن" دائي بها دوائي!

لا يمكن لأي منصف أو حتى مكابر جاحد أن ينكر خير الوحدة المباركة على المحافظات الجنوبية والشرقية خصوصا وعلى الوطن اليمني الموحد عموما إلا إذا كان مختلا عقليا كأولئك الذين خرجوا يهتفون ذات يوم (واجب علينا واجب * تخفيض الراتب واجب) أو أشباههم ممن يطالبون اليوم بعودة براميل (كرش والشريجة).

في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي - والحديث موجهة لأبنائي وأقرانهم – في طول وعرض اليمن الموحد.. كانت مستعمرة (عدن) تعتبر أم الدنيا بعد استقلال الهند من بريطانيا وطرد بريطانيا من إيران بسبب تأميم شركات استخراج النفط البريطانية من قبل حكومة " محمد مصدق" الوطنية..

فكان البديل الأنسب لبريطانيا لحماية وخدمة مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والخليج هو ميناء عدن بموقعه المميز على خط الملاحة الدولية وأيضا كملتقى ومفترق طريق ملاحي هام يربط بين الشرق والغرب بالقرب من مضيق باب المندب..

فكانت الفكرة تتمثل في بناء مصافي تكرير للنفط بدلا عن تلك التي خسرتها بريطانيا في (عبدان) إيران وهي الفكرة الذكية لجعل ميناء عدن المكان المثالي لتنشيط وتبادل تجارة الترانزيت بين الشرق والغرب مع خدمة تمويل السفن بالوقود والغذاء والمياه الصالحة للشرب وبقية الخدمات الضرورية وحتى الترفيهية المكملة بالإضافة إلى خدمة الطائرات العابرة أو التي تطلب المبيت أو التزود بالوقود أو الهبوط الاضطراري إلى جانب الحوض البحري الجاف الهام جدا لصيانة المراكب العابرة التي تحتاج إلى صيانة عاجلة أو شاملة..

في تلك الفترة يا أبنائي وتحديدا في منتصف الخمسينيات عند استكمال بناء المصافي انتعشت الحياة الاقتصادية والتجارية في مدينة عدن على وجه التحديد دون سائر مدن الجنوب والشرق التي كانت تسمى يومها بالمحميات الغربية والشرقية.. وهذا السرد التاريخي كما أسلفت هو لأبنائي فقط ممن لم يعرفوا ماذا أعطت عدن ولا زالت وستظل تعطي لكل الوطن اليمني..

رخاء عدن في تلك الأيام الزاهرة أمتد بالخير والنعمة لكافة أرجاء الوطن اليمني شماله والجنوب.. حيث تمثل الرخاء فيها لأبناء المحافظات الشمالية بالهجرة الداخلية للعمل بالخدمات البحرية والتجارة بيعا وشراء وبالتحويلات المالية للأسر في الشمال ناهيك عن انه أتاح الفرصة الذهبية للتعليم المدرسي لمن أراد لكل أبناء المحافظات الجنوبية والشمالية على السواء.. وهذه قصة أخرى لها تفاصيل وحكايات كثيرة ليس هنا مجالها..

وهذا التعليم كان له الأثر الطيب على كثير من أبناء اليمن بشطريه يومها وبعدها.. في عدن يا أبنائي تعلم آباءكم وأجدادكم النظام والقانون وعلوم الدين والحساب وكافة أنواع المعارف الأخرى وفن اللياقة والحياة العصرية وكيفية التعامل مع الخارج وعرفنا الحياة المدنية فيها بأبهى صورها وكيفية التعامل التجاري فيما بيننا وتداوينا من الأمراض والعلل الجسدية والنفسية والأخلاقية.. تعلمنا في عدن قبل صنعاء أن اليمن هي الهوية والمصير والقدر المشترك الذي يجمعنا جميعا في شمالنا والجنوب..

وعرفنا أن حضارة اليمن هي معين وأوسان وسبأ وقتبان وحضرموت وحمير.. تعلمنا في عدن ألف باء اليمن والوطن والوحدة ومعنى واحدية الأرض والدم والدين واللغة والمصير المشترك.. عدن في عز مجدها وأوج ازدهارها لم تبخل على أختها صنعاء بكل ما كان يصل إليها من طيبات الأرض وخيراتها علما وتجارة ورزقا..

ويوم بدأ الشعور الوطني يغلي وبدأ الشعب اليمني يثور على جلاديه من أئمة البغي والضلال والظلام كانت عدن وحدها قبل غيرها هي الحاضنة الحقيقية والممولة الرئيسية واستراحة المحارب ونقطة الانطلاق في نفس الوقت لكل الأحرار قبل أن ترد إليها تعز الجميل بإسنادها ودعمها للتحرر من الغاصب البريطاني..

فمن عدن الحبيبة انطلقت أول شرارة للثورة في الشمال عام 48م ثم كانت عدن السباقة برفد صنعاء بالرجال والمال وما تيسر من العتاد والمدد للدفاع عن ثورة سبتمبر الظافرة ثم في حصار السبعين يوما..

لكن عدن اليوم وهنا أتوجه للأخ الرئيس تئن من وطأة وهمجية الفوضى والاختلالات الأمنية والمعيشية وهي التي عاش الجميع فيها سواسية بمختلف مناطقهم وثقافاتهم وحتى بداوتهم تحت مظلة القانون والنظام فوق الجميع بعيدا عن جهل المشايخ وفسادهم، ولا يجوز أن يكون في عدن المدينة مشيخات ومشايخ وهم الذين إذا دخلوا (مدينة) أفسدوها وجعلوا مثقفي أهلها رعية..

عدن الأمس التي عرفنا فيها الكهرباء التي لا تنطفي والمياه النظيفة التي لا تنقطع والمدارس المنظمة الحديثة والتعليم الحقيقي المنشود وقانون المرور والأحوال المدنية والبلديات والتخطيط المدني والعمراني الجميل والمتنفسات الطبيعية وكيفية التشاكي والتقاضي والمرافعات والتخاطب مع الآخرين، نجدها اليوم تختنق بكثير من الأغبياء من المسئولين في الوظيفة العامة مدنيين وعسكريين وبالفوضى والبلطجة والتخلف وعدم الاعتراف بالقانون والتفاخر بانتهاكه حتى قانون المرور والبلديات..

فلا نظافة ولا نظام ولا إنصاف في التقاضي ولا حقوق مصانة أو دولة مهابة أو قانون يحترم ولا حتى رحمة بالناس من انقطاع الكهرباء في عز الصيف اللاهب وأيام الامتحانات أو احتراما لرمضان.. عدن وأبين والحديدة ولحج يجب أن تكون استثناء في الكهرباء في فصل الصيف على حساب كل المحافظات الباردة.. هذه يجب أن تكون خطاً أحمر مثل الوحدة تماما ويجب أن تضاف إلى الثوابت الوطنية.

آخر السطور :

ضحكت كثيرا وأنا اقرأ خبر الإعلان عن إشهار الهيئة الوطنية للتوعية !! ذلك أن هذه الهيئة سيكون مصيرها نفس مصير الهيئة العلياء لمكافحة الفساد التي تحولت هي ذاتها إلى أحد أكبر مصادر الفساد والإفساد بشهادة بعض أعضائها أنفسهم.. وهذه اللجنة الجديدة للتوعية هي ذاتها بأمس الحاجة إلى توعية أولا ؟؟

ذلك أن التوعية لا تكون باللجان والهيئات والجمعيات والمقايل والندوات (السفري) بل تكون مثبتة ومغروسة في المناهج الدراسية للنشء في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي وقبل ذلك تكون في السلوك الوطني للمسئولين أولا ثم باحترام القانون والمواطنة المتساوية للجميع في كافة أوجه الحياة المدنية..

وليس في تشكيل لجان وبدل سفر وجلسات وتنظير فارغ شديد الغباء من قبل بعض الجهلاء والأميين ثقافيا وأنصاف المتعلمين في أثناء القات.. بصراحة استطيع الإعلان عن بلادتي المطلقة وعجزي الكامل عن فهم بعض (العجول) النيرة ممن يخترعون لنا كل يوم مثل هذه (البعسيسات) التي تفقد العاقل صوابه وترد للمجنون عقله.. وربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.. قولوا آمين.

جميع مقالات الكاتب اضغط هنااا

زر الذهاب إلى الأعلى