آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الحوثيون والقاعدة .. إيران تجمع مافرّقته العقائد!

وسط انشغال الجيش اليمني بمحاربة المتمردين الحوثيين في شمال البلاد، بدأ تنظيم القاعدة يظهر في ساحة المعركة بشكل مثير للارتياب، فرغم الخصومة العقائدية الراسخة بين تنظيم القاعدة الأصولي السلفي المتطرف، وبين الحوثيين الشيعة الذين يصفهم قيادات القاعدة بالرافضين الكفرة،

إلا أن وجود ساحة معركة ربما يحوِّل هذه الخصومة والخلاف إلى ود وتعاون، لتحقيق أهداف مشتركة، وهي إشعال الحرب الدينية المقدسة في شمال البلاد، ضد النظام الذي يرى الجانبان أنه لا يطبق الشريعة، ويتعارض مع الدين، وسعى الجانبان المتعارضان(القاعدة والحوثيون) لإثبات وتدعيم وجودهما، بعد أن شهدت القاعدة إنحسارا كبيراً في اليمن وشبه الجزيرة، وأصبح الوجود الحوثي مهدداً بالزوال.

جاء إعلان الحكومة اليمنية عن اعتقال 3 عناصر من تنظيم القاعدة في شمال البلاد ليجدد الحديث عن طبيعة تحركات هذا التنظيم، وإمكانية عقده اتفاقاً ضمنياً، أو مباشراً، مع الحوثيين، فقبل ذلك لم يكن للقاعدة وجود حقيقي ظاهر في محافظات الشمال، وانحسر وجودهم في شرق البلاد ومحافظة حضرموت والمناطق الصحراوية، وكانت السلطات اليمنية أفرجت عن عدد من عناصر التنظيم المعتقلين، على فترات متباعدة، وفقاً لشروط معينة، منها نزع السلاح وإعلان الولاء الكامل للدولة، وعدم العمل بالسياسة، وإعلان التوبة عن الأفكار المتطرفة التي يتبنونها، ولكن خلال الشهور القليلة الأخيرة، ومنذ إعلان الحكومة اليمنية الحرب الشاملة ضد الحوثيين في شمال البلاد، تم تجاهل تنظيم القاعدة وعناصره، وأصبحوا أكثر نشاطاً وقوة، ونفذوا عدة عمليات قتلوا فيها عدداً من السائحين الأجانب، وبحسب التصريحات الرسمية للحكومة اليمنية نفسها، فإن التنظيم استغل انشغال الحكومة في حرب الحوثيين، وكثف نشاطه في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، وراح يجند عناصر جديدة ويخطط للعمليات.

يتوقع الكثير من الخبراء أن تتحول اليمن إلى جبهة حرب جديدة ضد الإرهاب، شبيهة بأفغانستان وباكستان، خاصة مع مشاركة المجتمع الدولي للحكومة اليمنية في القضاء على تنظيم القاعدة، إلا أن الأحداث الأخيرة، التي تمثلت في القبض على 3 من أعضاء التنظيم، ومن قبلها قتل 6 من عناصر التنظيم في أحد مواقع اختبائهم شمال البلاد، كان من ضمنهم قائد العمليات العسكرية للتنظيم، يؤكد أن القاعدة قررت النزوح إلى الشمال، أو الإعلان عن نفسها هناك، للمشاركة بشكل غير مباشر في الحرب الدائرة، وهي بالطبع مشاركة لصالح الحوثيين ضد النظام، وفقاً للمقولة الشهيرة "عدو عدوي صديقي" أو ربما مشاركة تستهدف إرباك النظام، والإيحاء بمدى التمدد والانتشار الذي يوجد به التنظيم في اليمن، ما يجعل القول بأن اليمن مؤهلة لأن تصبح أفغانستان أو باكستان أخرى، أي جبهة دولية لمكافحة الإرهاب ممثلاً في القاعدة، هو أمر وارد جداً، خاصة أن عناصر التنظيم الذين نزحوا إلى الشمال، أو ظهروا في الشمال فجأة، سواء من قتلوا أو تم القبض عليهم، هم قادة عسكريون ومنفذو هجمات، استغلوا الحرب الدائرة للاشتباك مع الجيش اليمني في حرب العصابات التي يتقنونها.

يُذكر أن عناصر القاعدة في اليمن تعتبر الأنشط والأقوى للتنظيم في شبه الجزيرة العربية، فالتنظيم يتعرض للملاحقة من كافة الحكومات، وقد كشف قيام اليمن بتسليم أحد قادة التنظيم للملكة العربية السعودية، وهو محمد عتيق الحوفي لمحاكمته هناك، عن أبعاد خطيرة لهذا التنظيم، إذ ذكر الحوفي في اعترافاته، التي أذاعتها قناة العربية في تقرير لها، أنه يقود مجموعة تضم حوالي 250 شخصاً، كما كشف عن تعاون بين القاعدة والحوثيين، وأشار إلى مشاركة الاستخبارات الإيرانية في هذا الأمر، وكشف عن اقتراحات من الحوثيين بتمويل القاعدة وإمدادهم بالمؤن والسلاح عن طريق إيران، وإن كان الجانب الإيراني نفى هذه المزاعم تماماً، واعتبرها كيدية في حقه، ونفى أية علاقة له بالقاعدة، إلا أن هذه الاعترافات يمكن اعتبارها التفسير الأكثر منطقية وواقعية لوجود عناصر القاعدة شمال البلاد في غمار الحرب، التي يشنها الجيش اليمني على الحوثيين. كما أن الاعترافات وسواها من دلائل وتصريحات رسمية يمنية يعرفها المراقبون تؤكد دور إيران باستخدام وتوظيف القاعدة في شكل ما حيث يكون لطهران اليد العليا بجمع مالايجتمع مابين حوثييها وعناصر تنظيم القاعدة.

يعاني تنظيم القاعدة من التآكل في معظم الأماكن التي يوجد فيها وتنتشر فيها عناصره، وقد اتضح هذا التآكل بشكل جلي في شبه الجزيرة العربية، فنشاط القاعدة أصبح محدوداً للغاية، ووجودها أصبح ضعيفاً في معظم دول شبه الجزيرة، ويكاد يقتصر وجوده في بلدين كبيرين هما العراق، التي تعاني من حرب عصابات ضد الاستعمار تحولت إلى حرب أهلية دينية وعرقية في بعض مناحيها، واليمن التي تعاني من حرب ضد المتمردين الحوثيين في الشمال والانفصاليين في الجنوب، ما يؤكد أن وجود التنظيم ونشاطه عادة ما يكون محكوماً بالمناطق المشتعلة، أو التي تعاني من اضطرابات، وهو الأمر الذي يفسر ظهور عناصر التنظيم في اليمن بالقرب من مسرح الحرب ضد الحوثيين، فهذه هي البيئة الطبيعية الأكثر ملائمة ليحقق التنظيم أهدافه، المتمثلة في إشعال الاضطرابات في المناطق المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى