[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

من داريا دولت إلى مؤتمر لندن.. المطلوب عدن

التاريخ لا يكرر نفسه وإذا فعل فانه في الأولى صانع دراما كبيرة وفي الثانية صانع مهزلة والمهازل لا تحتاج إلى أوصاف لقياس حجمها.. (كارل ماركس)

من (داريا دولت) إلى مؤتمر لندن ومن الكابتن (هينس) إلى جوردن براون.. هذه هي بريطانيا كانت وما زالت وستظل.. تتغير الأسماء والوسائل والأعذار لكن تبقى السياسات والغايات والروح الاستعمارية ثابتة..

بريطانيا عبر التاريخ صانعة مؤامرات وفتن سياسية بامتياز مع ضمانة الجودة والصيانة وقطع الغيار، وما وعد (بلفور) عنا ببعيد.. ولا يعجزها خلق الذرائع والمبررات أبدا لكنها اليوم استبدلت نظرية (الأسطول والمدفع) الشهيرة التي اعتمدت عليها في حروبها في القرن التاسع عشر إلى سياسة المؤتمرات لتمرير المؤامرات كوسيلة حديثة لتحقيق مآربها التي لا تتقاطع مطلقاً مع مصلحة الشعوب وذلك ما ستتقنه بدقة تفوق دقة ساعتها الشهيرة (بيج بن) في وسط لندن..

ماضيها الاستعماري الطويل راكم لديها خبرات ومواهب متعددة ومتنوعة في معرفة عقليات وثقافات وحتى الأساطير الخرافية والحكاوي الشعبية والحزاوي لشعوب المعمورة.. لكنها توظف الأساطير لتسطر تاريخها على تلك الشعوب غير الواعية.. وتوظف الحكاوي لتفرض حكاياتها المؤلمة، وتستغل الحزاوي لتترك ألغازها جروحا غائرة غير قابلة للحل بعد خروجها (كشمير) نموذجا..

كل ما تقدم ليس بجديد على المهتمين بالشأن السياسي والمتتبعين لتاريخ بريطانيا وأسلوبها الثعلبي في تحقيق مآربها في أي بقعة من العالم.. فالمطلوب حاليا هو إعادة احتلال (عدن) للسيطرة على الملاحة الدولية في خليجها..

لذلك كانت الخطة تقضي بافتعال عمليات القرصنة في خليج عدن وتدريب القراصنة ودعمهم وحمايتهم وتصعيد الظاهرة بشكل مستمر للبلوغ بها إلى أوجها بحيث تبدو الملاحة العالمية فيه مهددة وخطرة - وهذا ما حدث - وعندها كان المخطط يقضي باحتلال أمريكا عبر قاعدتها العسكرية في جيبوتي وبمساعدة دبلوماسية بريطانية تحت مظلة قوة متعددة الجنسيات لكامل الساحل الصومالي الجنوبي حتى الحدود مع كينيا.. وأيضا تواجد أمريكا في قاعدة سقطرى من خلال اتفاقية إيجار للجزيرة مع الحكومة اليمنية..

وهذا كله بمبرر حماية الملاحة الدولية في خليج عدن من أعمال القرصنة المصنوعة بدعم لوجستي أمريكي بريطاني إسرائيلي مشترك، وكذلك – كما زعموا - مراقبة نشاط تنظيم القاعدة على البر الصومالي ومنع تهريب السلاح إلى غزة.. لكن الذي أربك الخطة هو الدخول القوى لبعض القوى الإقليمية والدولية كلاعبين أساسين في اللعبة يطلبون نصيبهم من الكعكة وبنفس المبررات.. وهم روسيا والصين وفرنسا والهند وتركيا وإيران..

هذا الدخول المفاجئ أدى إلى الإبقاء على الغاية لدى المخططين الأصليين والتغيير في الآلية فقط لأن روسيا تطالب أيضا بإعادة استئجار جزيرة سقطرى لجعلها قاعدة عسكرية لحماية الملاحة الدولية أيضا متذرعة أنها الأحق لأنها كانت في هذا الموقع في العهد السوفييتي ناهيك عن أن العلاقة اليمنية الروسية هي اصلب عودا وأقدم وانفع واشرف وأنظف لليمن من العلاقة القذرة مع أمريكا..

فالجيش اليمني كل تجهيزاته والياته العسكرية روسية الصنع وبالذات القوات الجوية والبرية وبمنح ومساعدات وهبات سخية وبدون شروط مسبقة أو صفقات مشبوهة، كما أن الجيش اليمني معظم قادته متخرجين من الكليات والجامعات العسكرية الروسية ولا يجيدون استخدام الأسلحة الأخرى بنفس المهارة والكفاءة والصيانة ولهم تجارب فاشلة ومحبطة مع السلاح الأمريكي في نهاية السبعينات أدت إلى هزائم عسكرية على الجبهات..

بالإضافة إلى وجود الصين والهند وفرنسا كلاعبين دوليين كبار لهم أجندتهم الخاصة ثم دخول تركيا وإيران كأطراف إقليمية وقوى صاعدة في المنطقة ولهم مصالحهم الحيوية في أيضا.. فاقتضى الأمر إجراء بعض التعديلات على الذريعة والوسيلة معا، فتم استدعاء (البيض) وطلب منه مغادرة الأراضي العمانية واستئناف نشاطه السياسي من أوربا وفتحت له كل قنوات التواصل مع أجهزة الاستخبارات الغربية المعنية وكذلك وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالعربية وبالذات أل (بي بي سي) البريطانية وغيرها، وطلب منه ترأس ما يسمى بالحراك الجنوبي الذي تحول فجأة من مطالب حقوقية مشروعة تحت سقف الوحدة إلى عنف مسلح وقطاع طرق يطالب بالانفصال والعودة إلى ما قبل 22 / مايو 1990م ويعلن (البيض) رئيسا له..

بريطانيا خططت ل(بعث) البيض من برزخه السياسي وإعادة الروح الانفصالية إليه ليقوم بتهييج ما يسمى الحراك الجنوبي بخطابات تلفزيونية عبر الفضاء وتوريطه إلى العنف المسلح أكثر فأكثر تمهيدا للمطالبة باسمه بعرض قضية (شعب الجنوب) على مجلس الأمن على غرار ما حدث في العام 1961م ضد بريطانيا، ثم المطالبة بحماية دولية بإرسال قوات أجنبية للحماية من جيش (الجمهورية العربية اليمنية المحتل!!) ولكن حتى لا تبدو العملية بهذه الفجاجة في المرحلة الأولى رغم أن معطياتها ملموسة على الأرض، رأت بريطانيا بدهائها السياسي العريق وبمباركة أمريكية كاملة أن تقوم أولا بعقد مؤتمر (لندن) يدعو في ظاهره لمساعدة اليمن ضد (القاعدة) بينما هو يدين اليمن سلفاً ويثبت وجود (القاعدة) فيها وأن الدولة عاجزة عن مواجهته بمفردها وسيتطلب تدخل عسكري دولي لاحقا لمكافحته ك(أفغانستان) تماما..

وهو ما تريده بريطانيا على وجه الخصوص لأن حماية خليج عدن بعد ذلك ستكون من اختصاصها وحدها كقوة عظمى وأيضا حماية إسرائيل من خلال اعتراض وتفتيش أي سفينة يشتبه بها وإفقاد اليمن سيادته نهائيا على مضيق باب المندب بحجة عجزه عن حماية الملاحة الدولية فيه..

وبذلك تكون عودة بريطانيا لاحتلال عدن مرة أخرى و- ما أدراك ما عدن في الذاكرة البريطانية - أشبه بالقدر المحتوم - لا قدر الله - مع الفارق أنها في هذه المرة ليست دولة معتدية بل صديقة ومفوضة باسم (الشرعية الدولية) والأمر على حد قول الشاعر:

"والليالي من الزمان حبالى.. مثقلات يلدن كل عجيب"

بينما فرقاء العمل السياسي في اليمن حالهم أشبه ما يكون بذلك المثل القائل "تنور يسجر وسكين تشحذ وكبش يعتلف"! وما خفي أعظم، فالجماعة في بلادنا حالهم كحال الكبش الذي يعتلف ولا يدري أن التنور والسكين يحضّران له، ولا زالوا في غيهم يعمهون كأن الأمر لا يعنيهم مطلقاً أو أنهم يظنون أن ذلك لن يصيب سوى النظام وحده!! وهذا لعمرك قصر نظر سياسي خطير جداً.. {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}..

ملاحظة خاصة بقراء هذا الموقع :
شكرا لكل تعليقاتكم الجميلة والكريمة المتفقة والمختلفة مع ما نكتبه هذا التفاعل والتواصل والتباين مقدر لدينا طالما بقي بعيدا عن التجريح والإساءة الشخصية.. أقرأ تعليقاتكم يوميا واسعد بها كثيرا وهي لي بمثابة الرقيب وتشعرني أنني تحت المجهر أمامكم..

[email protected]

جميع مقالات الكاتب اضغط هنااا

زر الذهاب إلى الأعلى