إذا كانت الحياة الأدبية في اليمن تشتكي من ندرة النقد الذي يجب أن يواكبها، فإن النقد الأدبي بحاجة أيضاً إلى التقييم والمساءلة والنقد، وهو ما تفتقر إليه الساحة النقدية في اليمن.
وهكذا يأتي كتاب الناقد اليمني الدكتور قائد غيلان ( اتجاهات النقد الأدبي المعاصر في اليمن.. دراسة في نقد النقد) ليناقش النقد اليمني ويحلل مناهجه ومفاهيمه ومصطلحاته وأحكامه النقدية. فيأتي هذا الكتاب ليسد فراغاً في الساحة النقدية في اليمن، فهو، كما يقول مؤلفه، أول كتاب في نقد النقد اليمني، لأن الكتب السابقة عليه تدخل كلها تحت تاريخ النقد وليس نقد النقد. وكل ما كتب فيه لا يتعدى ثلاثة كتب، كلها في تاريخ النقد، هي: كتاب الدكتور عبد العزيز المقالح (أوليات النقد الأدبي في اليمن)، و كتاب الدكتور رياض القرشي ( النقد الأدبي الحديث في اليمن: النشأة والتطور) ، وكتاب الأستاذ عبد الفتاح الحكيمي ( النقد الأدبي والمعارك القلمية في اليمن).
وهنا تأتي الحاجة الملحة إلى دراسة في نقد النقد، لا تتوقف عند الرصد والتحليل والتوثيق التاريخي أو دراسة البدايات، بل دراسة تتناول النقد الأدبي من داخله فتحلله مفاهيمياً ومنهجياً، وتدرس أحكامه النقدية وترجعها إلى الخلفيات التي انطلقت منها، وهي المهمة التي تصدى لها الكتاب المذكور للدكتور قائد غيلان.
وهذا الكتاب، في الأصل، أطروحة تقدَّم بها الكاتب لنيل شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث والمعاصر من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، المغرب، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد خرماش، وقد نوقشت في 27 مايو 2009 ونالت تقدير مشرِّف جداً مع التوصية بالطبع، وهو أعلى تقدير في المغرب.
وقد انتظم هذا الكتاب في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول متناولاً النقد الموضوعاتي، والنقد الواقعي، والنقد الأسلوبي، والنقد البنيوي، والتناص. وقد كان يبدأ كل فصل بتقديم نظري يقدم فيه عرضاً للخلفية النظرية للمنهج ثم ينتقل إلى الجانب التطبيقي على النقد اليمني من خلال النموذج أو النماذج المختارة.
أما المنهج النقدي لهذه الدراسةّ، فهي منهجية نقد النقد، وهي منهجية، يقول المؤلف، منهجية جديدة على الحياة النقدية في العالم العربي. فقد استفاد المؤلف من الخطوات المنهجية التي طوّرها الناقد المغربي الدكتور عبد الواحد المرابط بناءً على جهود مجموعة من النقاد المغاربة وتوصل في الأخير بعد قراءته لهذه الأعمال إلى صياغة خاصة لمنهاجية نقد النقد.
وفيما يلي استعراض لأهم ما تناوله في هذا الكتاب، والنتائج التي توصل إليها. فقد تناول في الفصل التمهيدي مسارات النقد الأدبي الحديث في اليمن، منذ بداياته الأولى في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي إلى أواخر الثمانينات منه، من خلال النماذج والمتون التي اختارها وتمثلت في كتابات البردوني والشامي و المقالح وصوفي، ووجد أنهم جميعا _ باستثناء الشامي الذي ظل على النقد اللغوي والبلاغي _ قد تأثروا كثيراً بموجة النقد الواقعي. ولهذا وجد عند المقالح بالإضافة إلى أسلوب التناول التاريخي والواقعي الواضح وفرة المصطلحات الماركسية في كتابه (الأبعاد الموضوعية والفنية...)،
والتي اختفت من كتاباته اللاحقة مثل ( الأدب الثوري، الثقافة الثورية، التقدمية والتقدمي، الرجعية والرجعي، الإقطاعي والإقطاعية، القهر الاجتماعي، الإمبريالية العالمية، الطبقات الاجتماعية، الصراع الطبقي، التناقض الطبقي، الاستغلال الطبقي) وقد تعاملوا _ جميعا باستثناء الشامي _ مع الأدب بوصفه انعكاساً مباشراً للواقع منطلقين من تصور الواقعية الجدلية أو الاشتراكية التي "تنظر إلى الأدب كظاهرة اجتماعية في نطاق العلاقة الدياليكتية بين الفكر والواقع الذي يفرزه ويوجهه.
وهكذا جاء نقد البردوني في دراسته للنصوص الشعرية حيث انشغل بقضية الحجاب – مثلا - في المجتمع اليمني عند تناوله لشعر الشرفي، فقد حضرت قضية الحجاب وغاب الشعر والنقد. وكذلك الحال عند المقالح طغت الحركة الوطنية في اليمن وما يرتبط بها من قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية على معظم الكتاب إلى درجة تجعلك بقراءتك له في غنى عن أي كتاب آخر لتاريخ الحركة الوطنية والنضال السياسي والاجتماعي في اليمن للفترة المدروسة.
وكذلك الحال وبدرجة اشد عند الشامي الذي يركز على التاريخ، وليس المنهج التاريخي، وإن خرج فلا يخرج إلا إلى الملاحظة البلاغية البسيطة والتصويب اللغوي، كما أن نقده اتخذ طابعاً سجالياً حيث كرَّس كتابين من كتبه للرد على كتب أخرى، وكثيراً ما كان يخرج الرد إلى تجريحات شخصية كما يظهر في تعامله مع كتابات البردوني.
وانتقل المؤلف بعد التمهيد إلى الفصل الأول الذي تناول فيه النقد الموضوعاتي. وبدأ من المقالح حيث ناقش منهجه النقدي من خلال المتن الذي حدده لهذا الغرض معتمداً على الكتابين الهامين في هذا المجال وهما كتاب ( صدمة الحجارة .. دراسة في قصيدة الانتفاضة ) وكتاب ( ثلاثيات نقدية ).
وقد وجد الدكتور قائد غيلان أن الناقد (د. المقالح) لا يلتزم بأي منهج من المناهج النقدية المعروفة، ويعلن ذلك صراحة في أكثر من موضع من دراساته، ويبين موقفه الرافض للتقيد المنهجي، وقد اعتبر أن قراءته يمكن تصنيفها ضمن ( المنهج الموضوعاتي ) الذي يتحرر من المنهج ويستفيد دون شروط من شتى المناهج الممكنة دون صياغتها في رؤية واحدة شمولية ، ولأن قراءته أيضا ، من حيث الجانب التطبيقي، اهتمت أساسا بالمشكلات والقضايا والأفكار، واهتدت في التحليل بفعالية الحدس والخبرة الشخصية للناقد . لكنه بالرغم من هذا الرفض للتقيد المنهجي فقد بقى مشدودا إلى المنهج الواقعي وذلك بإصراره على ربط الأدب بالواقع، وتقييمه له من حيث مدى قربه أو بعده من هذا الواقع. ومن هنا يمكن القول إن المقالح في نقده للقصيدة العربية وإن استفاد أو تأثر، بحكم اطلاعه، على المناهج النقدية الحديثة فإنه ينطلق من التحرر المنهجي الذي يوفره المنهج الموضوعاتي دون أن يتخلص من بقايا التأثير القوي للواقعية التي ظلت تؤثر على أحكامه النقدية .
كما تناول الدكتور غيلان تجربة الدكتور عبدالواسع الحميري من خلال دراسته (الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية). حيث تتبع أهداف الناقد المعلنة وعلاقتها بالمنهج، كما حاول البحث عن المنهج من خلال المقدمة، ورأى صعوبة التحديد لغياب ذكر المنهج والاكتفاء بالإشارة إلى مسألتي التفسير والتأويل وهي مشتركة بين عدة اتجاهات نقدية، وهي، في الأساس، تحيل إلى البنيوية التكوينية خاصة عندما ترتبط بمفهوم رؤية العالم. ولكنه عند التدقيق وجد أنها تعني عند الناقد قضايا التأويل والعلاقة بالعالم في الفكر الوجودي الوثيق الصلة بالمنهج الموضوعاتي ذلك أن الفكر الوجودي هو، بالإضافة إلى التحليل النفسي، الأساس النظري لهذا المنهج. فالناقد الحميري، حسب مؤلف الكتاب الدكتور قائد غيلان، ظل في كل دراسته لصيقاً بالفكر الوجودي في بحثه عن الذات الشاعرة داخل النصوص. فالفكر لا الفن هو ما كان يشغل الناقد طيلة البحث.
أما في الفصل الثاني فقد تناول النقد الواقعي، بدأه بعرض سريع لمفهوم لمنهج الواقعي. ثم تناول النقد الواقعي كما مارسه الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح على النصوص السردية من خلال كتابه ( دراسات في الرواية والقصة القصيرة في اليمن) ، كما يشمل المتن دراستين عبارة عن فصلين في كتابين منفصلين هما ( نقوش مأربية ) و( أصوات من الزمن الجديد ).
وقد بدأ بالمنهج النقدي عند الناقد من خلال تصريحاته أولا، ومن خلال منهجه في التعامل مع النص أثناء التطبيق ثانياً. وقد لاحظ أن الناقد متأثر بشكل كبير بالمنهج الواقعي كما وصله عن طريق النقاد الواقعيين، لكنه يتجنب كثيراً ، بل تكاد تنعدم، مصطلحات هذا المنهج ذات الحساسية السياسية ( الحزب والطبقة الكادحة ) أو العقائدية ( الماركسية ) ولم يتبقى من المنهج عند الناقد إلا شقُّه الأدبي والنقدي المتمثل في مفاهيم الانعكاس والالتزام( بالقضية الوطنية والقومية)، والواقعية كنقيض للرومانسية التي تعني الجنوح إلى الخيال والفردانية والهروب من القضايا العامة.
وعند تتبع المؤلف لمستندات الناقد وجد فقراً واضحا في عدته النظرية، وعند رجوعه لهوامش دراساته وإحالاته في الهوامش لم يجد شيئاً مهماً ذا علاقة بالنظرية النقدية المعاصرة، بما في ذلك الواقعية، وما وجد من إشارات لم يكن كافيا ليسند الناقد بالأفكار الضرورية في المنهج النقدي. ومن هنا فقد جاء نقده أقرب إلى الدراسات الانطباعية التذوقية التي تعتمد أساسا على الخبرة الشخصية والثقافة الموسوعية للناقد.
إن دراسات المقالح النقدية في مجال السرد تفتقر كثيراً إلى المصطلحات النقدية المعاصرة في هذا المجال، وهذا ما يُبقي دراساته أقرب إلى القراءات التقليدية منها إلى النقد المعاصر، فقد رأى أن مفهومه للراوي مازال تقليديا وقديما، إذ مازال ملتبسا لديه بالكاتب، وهو ما تجاوزه النقد المعاصر. وقدم لذلك مجموعة من الشواهد من نصوص الناقد، وبيَّن كيف طالت أحكامه بقسوة كلاً من توفيق الحكيم وسهيل إدريس و محمد شكري، حيث حمّلهم الناقد ونسب إليهم ما اقترفه أبطال رواياتهم من أفعال. فلم يكن عند الناقد أدنى شك في أن بطل الرواية إنما هو الكاتب نفسه.
كم تناول التقويم الجمالي أو أحكام القيمة عند الناقد التي تظهر من خلال نغمة الإطراء لصالح الأعمال المدروسة أو كُتّابها، وإطلاق عبارات الإعجاب والانبهار بالمستوى الفني لتلك الأعمال، ويعود ذلك إلى عدم احتكام الناقد إلى منهج نقدي صارم يلزمه بتحليل العمل الأدبي من داخله بعيداً عن الرأي الشخصي. ذلك أن الناقد يتحرك بحرية منهجية واسعة، وتغلب على قراءته الانطباعية والتذوقية، المستمدة من الخبرة الشخصية والثقافة الموسوعية، والمفاضلة بين الأدباء أو النصوص انطلاقا من التقييم الذاتي والتذوق الشخصي غير المحتكم إلى منهج. وربما يعود ذلك إلى كون أغلب أعمال الناقد نابعة من حس التشجيع ( الأبوي ) للأجيال الجديدة من الأدباء الشباب، ذلك أن أغلب أعمال الناقد جاءت في سياق الترحيب بتلك الأعمال والتعريف بها.
وحدد فقرة للتأويل عند المقالح ووقف على تلك الأحكام النقدية التي يوردها الناقد بدون سند نصي، بمعنى أن الناقد يتأوّل المعنى منطلقا من خلفيته المعرفية والثقافية، أي تلك الأحكام النابعة من خبرة الناقد الشخصية التي تستند على معلومات ومعارف وأفكار ذات منابع اجتماعية وفلسفية وأيديولوجية وتاريخية تؤثر على الناقد وتؤطر أحكامه النقدية.
أما الفصل الثالث فقد خصصه للنقد الأسلوبي في اليمن و توقف عند كتابات الدكتور عبد الله حسين البار. حيث ناقش منهج الناقد ومستنداته المرجعية، ولاحظ غياب التحديد الدقيق للمنهج. كما وجد غياب الاتساق بين المنهج الذي يريد تطبيقه وبين مستنداته المرجعية، وخاصة دراسة الدكتور فهد عكام التي يصفها الناقد بالتكاملية تارة والتأويلية تارة والنفسية والاجتماعية تارة أخرى، في حين يريد أن يعتمدها أساساً لدراسته التي يريد لها أن تكون أسلوبية.
ويستنتج مؤلف الكتاب أن منهج البار منهج شخصي يتكئ على انتقاء شخصي وتحليل نابع من شخصية الناقد وثقافته ورؤاه لا متقيدا بمنهج ولا ملتزما بمرجعية نظرية محددة. وهنا يأتي السؤال الأهم : إذا كانت الدراسة لا تلتزم بأي منهج فأين مكانها ضمن الدراسات الأسلوبية التي تزعم انتسابها إليها ؟
وقد وجد خلطاً، عند الناقد، بين المعالجة الأسلوبية والمعالجة البنيوية، وذلك في تقسيم القصيدة المدروسة إلى وحدات بنيوية أو موضوعية، ولم يقم بدراسة السمات الأسلوبية المميَّزة في النص. كما وجد خلطاً بين التحليل البلاغي والتحليل الأسلوبي . فإذا كان التحليل البلاغي يدرس الصور الشعرية في ذاتها فإن التحليل الأسلوبي لا يهتم بها إلا في حدود ما تمثله من حضور في النص بحيث تشكل سمة أسلوبية مميزة. وقد وجدنا دراسة الناقد تنتقي الصور الشعرية التي تبدو للناقد أكثر شعرية، في حين كان يجب عليه أن يتتبع الأكثر تردداً، أي ما يمثل سمة أسلوبية بارزة. فاقتربت دراسته من الدراسة البلاغية وابتعدت عن الدرس الأسلوبي.
أما النقد البنيوي في اليمن الذي درسه في الفصل الرابع فقد ركَّز على كتاب ( شعرية القصة القصيرة في اليمن) للدكتورة آمنة يوسف. وعند مناقشته للمنهج النقدي، ووجد تناقضاً منهجياً من جهة وتملُّصاً من المنهج من جهة أخرى. حيث أعلنت الناقدة أن دراستها تقع ضمن الدراسات البنيوية الشعرية التي هي الجانب التطبيقي للبنيوية الشكلانية وفي نفس الوقت تعلن أن بنيويتها منفتحة، ولم تلتزم بالبنيوية السردية فقط. فإذا كانت البنيوية الشعرية التي تنطلق منها الناقدة هي الجانب التطبيقي للبنيوية الشكلانية، فإن هذا حسب الدكتور قائد غيلان، يتناقض مع المرونة التي أعلنتها الناقدة في المكان نفسه لأن البنيوية الشكلانية منغلقة بالضرورة على النص ولا شيء غير النص، فالشكلانية والمرونة المنهجية لا يجتمعان. وما المرونة النقدية إلا التملّص من تطبيق المنهج والهروب من تبعات الالتزام .
كما يرى أن الناقدة لم تحدد بدقة مفهوم الشعرية وأشارت فقط إلى أن مهمة تحديد المصطلح قد قام بها ياكبسن وتودوروف وكوهن. وعلى هذا فإن هذا المصطلح عند الناقدة بقي معلَّقاً أو مفرغاً من دلالته وذلك حين اختصرته الناقدة في أنه ببساطة يعني البحث في تقنيات السرد، ولأن إحالة الناقدة إلى ياكبسن وتودوروف وكوهن غير كافية لأن لكل منهم مفهومه الخاص يختلف عن الآخر. أما إشارتها إلى أنها تنحاز إلى ذلك المفهوم الذي يرى الشعرية على أنها ( البحث في تقنيات السرد ) فهي إشارة ناقصة لأنها أولاً غير موثّقة أي أنها لم تذكر أصحابها إلا باسم (جماعة من النقاد) وتترك للقارئ الذهاب والبحث عن أولئك الجماعة من النقاد، وثانياً أن هذا التحديد للشعرية ليس صحيحاً ذلك أن منظري الشعرية لم يحصروها في جنس أدبي واحد. والناقدة بهذا التعريف الذي يحصر الشعرية في دراسة تقنيات السرد تُبعد الشعر والأنواع النثرية غير السردية من مجال اختصاص الشعرية، وهذا ما لم يتجرأ على طرحه أحد من النقاد. وعموماً، فإن مفهوم الناقدة للشعرية ليس إلا البحث في تقنيات السرد، وهذا كل ما قلته الناقدة عن المنهج ، ولا يدخل في اهتمامها، إطلاقاً، ما قد يتبادر إلى الذهن من دراسة حضور المكوّن الشعري داخل النص السردي.
كما تسللت إلى الدراسة مجموعة من الأحكام النقدية التي تنتمي إلى حقول نقدية أخرى بعيدة عن البنيوية، مثل دراسة المضامين الاجتماعية أو الفلسفية أو النفسية للعمل الأدبي، مثل النقد الأيديولوجي أو النقد الواقعي الانعكاسي، والنقد والسوسيولوجي وخاصة مصطلحي الوعي الكائن والوعي الممكن عند جولدمان.
كما تناول المستندات المرجعية للدراسة، وأشار إلى صعوبة ذلك كون الناقدة تخفي مصادرها، أو أنها لا تستند أصلا إلى مفاهيم نقدية محددة المنابع، باستثناء إشارتها إلى إدوار الخراط، واعتمادها على تقسيماته لمراحل أو اتجاهات القصة ( والرواية) بحصرها في ثلاث مراحل أو ثلاثة اتجاهات هي : القصة التقليدية، الحساسية الجديدة، والكتابة عبر النوعية. واستبدلت المصطلح الأخير بمصطلح آخر هو( الأجد) الذي استعارته من كتابات عبد العزيز المقالح حول الحداثة الشعرية العربية.
وقد رجع مؤلف الكتاب إلى كتابات الخراط لمعرفة مدى استيعاب الناقدة للجهاز المفاهيمي للناقد ومدى استفادتها منه. ووجد أن الناقدة لم تحاول استثمار ما طرحه الناقد من أفكار، وخاصة المسألة الأجناسية، وبالذات تلك العلاقة بين الشعر والنثر، وهو ما يسميه الخراط بالقصة القصيدة أو الكتابة عبر النوعية. فلم تهتم الناقدة في عموم دراستها بمدى حضور الشعري في العمل السردي، باستثناء تناولها للأقصودة، وهو تناول سريع يختص بجنس أدبي مختلف وهو القصة القصيرة جداً، الذي يفترض أنه لا يدخل ضمن دراسة الناقدة التي تتناول القصة القصيرة وليس القصية القصيرة جداً، وهما جنسان أدبيان مختلفان. وعلى هذا الأساس، أي غياب الشعرية كمنهج وغياب المعالجة النقدية لمسألة الحضور الشعري في العمل السردي، اعتبرنا أن (الشعرية) في هذه الدراسة مجرد شعار أو ملصق إعلاني يزيّن غلاف الكتاب فقط.
أما التناص فقد خصص له الفصل الخامس والأخير من الكتاب، فاستعرض مفهوم التناص وأصوله المعرفية عند كبار منظريه، ثم تناول مفهومه في النقد اليمني، فناقش المفهوم عند الدكتور عبد الواسع الحميري من خلال كتاب ( في الطريق إلى النص) ، ووجده يفتقر إلى المنهج الواضح واللغة العلمية الدقيقة ويفتقر إلى الوضوح اللازم، وكلام الناقد أقرب إلى الإنشاء منه إلى اللغة العلمية المضبوطة والدقيقة. ولعل تعدد مشارب الناقد وعدم تحديده للمجال المعرفي الذي يسير عليه، لعله هو المسئول عن هذا الارتباك، فهو يذهب إلى الفلسفة، والفكر العرفاني العربي (الصوفي)؛ فيأخذ من ابن عربي والتوحيدي والنفري، كما يذهب إلى علم النفس، ويوظف مصطلحات التحليل النفسي.
واعتبرنا تعريف الناقد للنص يدخل في علاقة مشوّشة مع جمالية التلقي، و يدخل أيضاً في علاقة مشوّشة مع مفهوم التأويل، وذلك حين يرتبك الناقد في تحديد مفهومي الكاتب والقاري، ولا يكاد يميّز بينهما، فيلجأ لاستخدام المزدوجة القارئ/الكاتب، أو الكاتب/ القارئ أو الكتابة القراءة، دون أن يترك لنا في مقدمة الكتاب أو هوامشه أو متنه ما يعني بهذه الصياغة للمزدوجات، وماذا يقصد بالجمع بينهما. فبدا أنه يدخل في علاقة مشوّشة وغير مستوعبة للمفاهيم الأساسية عند جمالية التلقي و مناهج التأويل، التي تملك تصوراً واضحا لمفهوم القارئ، والكاتب، والتأويل، وكذلك التأويل المضاعف للنصوص.
واستنتج في الأخير أن هذه الدراسة هي أقرب إلى التأمل الفلسفي منها إلى النقد الأدبي.
ثم قدَّم دراسة تفصيلية لكتاب( الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية) للناقد الدكتور إبراهيم أبو طالب. ووجد أن الدراسة تركز في التحليل على التأثر ، ولم تركِّز على تفاعل النص الروائي مع الموروثات الشعبية و دلالته الجديدة في النص اللاحق. ودراسة الأثر تختلف عن التناص، فنحن أمام تجميع إشارات، وجمع المتشابهات، وفي أحسن الأحوال دراسة الأثر، وهي طريقة معروفة في الدراسات التاريخية و الدراسات المقارنة، وليست تناصاً. وقد اتبع الناقد، حسب مؤلف الكتاب، منهجية واحدة في المعالجة، وهي العودة إلى المصادر الدينية والتاريخية لطرح الموضوع الذي يريد أن يدرسه في الروايات التي يكون بصددها، ثم ينتقل إلى ذكر الروايات اليمنية التي تذكر أو تشير إلى تلك الشخصيات الأسطورية أو الخرافية أو الملحمية أو الدينية.
ووجدنا أن الناقد يخرج عن منهجه النقدي ليرجع إلى المنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي، وهما من المناهج النقدية التقليدية، يعودان إلى مراحل سابقة على علم النص.
ويخلص مؤلف الكتاب الدكتور قائد غيلان إلى استنتاج مفاده أن النقاد اليمنيين يلتقون عند نقطة واحدة هي عدم الالتزام المنهجي، والاغتراف بحرية مطلقة من منابع ومناهج شتى؛ تستوي في ذلك الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية. ووَجد كثيرٌ منهم ضالته في المنهج التكاملي الذي يسمح للناقد أن يستفيد من أيٍّ من المناهج أو بعضها و أحيانا كلِّها في وقت واحد.