يبدو موقف أحزاب اللقاء المشترك من موضوع الحوار الوطني ضبابياً ومثيراً للحيرة والتساؤل .. ففي الوقت الذي بادرت فيه تلك الأحزاب بدعوتها المبكرة وكخطوة تكتيكية ضد الحزب الحاكم
لإجراء حوار يتناول مختلف القضايا والتطورات في الساحة الوطنية والخروج من حالة التأزم "كما قالوا" وحيث سايرت تلك الأحزاب الطموحات الشخصية التي سعى الشاب الطامح حميد الأحمر إلى تحقيقها عبر ما أسماه بمؤتمر اللقاء التشاوري الذي تمخض عنه الإعلان عن إنشاء ما سمي باللجنة التحضيرية التي تولى رئاستها (باسندوة) وإقرار وثيقة أسميت بمشروع الإنقاذ الوطني والتي جاءت في محصلتها توليفة حزبية وضع فيها كل طرف حزبي في المشترك ما يريد تحقيقه من أهداف وإن كان القاسم المشترك فيها هو شخصنة القضايا وما أسموه بعوارض الأزمة وكان الإستهداف واضحاً لشخص الرئيس علي عبدالله صالح في تلك الوثيقة وتحميله مسئولية كل ما قالوا بأنها أزمة مستحكمة تحتاج إلى إنقاذ وأنهم هم المنقذون ودون تقديم إجابة واضحة على التساؤل الذي طرح نفسه حينها من ينقذ من؟! خاصة وأن تلك الوثيقة نفسها قد نالت انتقادات واسعة من أطراف في "المشترك" نفسه قبل غيره وبعضهم وصفها بأنها (ولدت ميتة) لارتباطها بطموحات ذاتية لحميد الأحمر للوصول إلى السلطة متكئاً على واجهة تشاور المشترك وحواراته ..
لهذا ليس بمستغرب أن تظل أحزاب اللقاء المشترك رافضة لكل الدعوات التي وجهت للحوار من جانب رئيس الجمهورية أو حزبه المؤتمر الشعبي العام وباءت كل الجهود التي بذلها الدكتور عبدالكريم الإرياني على المستوى الشخصي أو الرسمي في إقناع قيادة "المشترك" القبول بالإنخراط في أي نوع من الحوار بالفشل رغم تعدد الأوراق والمشاريع والصيغ القانونية والأفكار التي قدمت من كلا الطرفين وحيث ظلت العقبة الكأداء أمام القبول بالحوار هي إصرار "المشترك" على أن تكون (لجنة حميد) التشاورية وما تمخض عنها هي الإطار أو الطرف الذي ينبغي لجانب السلطة أن يحاوره وحتى ولو أستدعى الأمر إلى إلغاء أحزاب المشترك نفسها كطرف محاور وحيث بدى واضحاً أن سطوة حميد على بعض قيادات المشترك قد وصلت حداً لا يمكن الفكاك منه أو تجاوزه من قبل تلك القيادات .. فلقد كان ضمن الخيارات المطروحة لإخراج الحوار من حالة الانسداد هو تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار مناصفة من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وحلفائه ومن ضمنها اللجنة التحضيرية للتشاور وباعتبار أن الحوار يتم بين أحزاب ممثلة في البرلمان وأن منطلق الحوار يجب أن يكون هو 23 فبراير الموقع بين الجانبين في عام 2009م والذي أتهم كل طرف فيه الأخر بالتراجع عنه وعدم تنفيذه ولكن هذا المقترح جوبه هو الآخر بالرفض وحيث أستمر الإصرار من جانب المشترك على أن تكون اللجنة التحضيرية للتشاور هي الطرف المقابل للمؤتمر وحلفائه وقد رفض المؤتمر الاستجابة لهذا المقترح خشية وقوعه في المحظور والانجرار نحو الملعب الذي هيأه "المشترك" لمناقشة وثيقة الإنقاذ التي لا يعترف بها المؤتمر منذ ولادتها.
وهكذا ظل موضوع الاتفاق على الحوار معلقاً ويواجه الكثير من التعقيدات والصعوبات مما حدا بالسلطة إلى تأجيل حوارها الموسع تحت قبة الشورى إلى أجلٍ غير مسمى وربما إلغائه لإدراكها بأن أي حوار دون مشاركة أطراف المعارضة في المشترك لن يكون له أي جدوى أو معنى وسيكون بمثابة حوار مع النفس وخيراً فعلت بهذا التأجيل أو الإلغاء .. كما أن أطرافاً دولية مهتمة بالشأن اليمني حاولت التدخل لدى الطرفين لإقناعهما بتقديم التنازلات للوصول إلى اتفاق على الشروع في حوار جاد وبعيداً عن أي تمترس مسبق في المواقف ومن تلك المحاولات ما بذله الأمريكي ليس كامبل مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي الذي زار اليمن لهذه الغاية وقبيل انعقاد اجتماع لندن ولكنه هو الآخر اصطدم بذلك "التمترس" الذي لم يتزحزح عنه أي من الطرفين خاصة المشترك الذي ظل يماطل في الرد حتى أنقشع الغبار عن اجتماع لندن وخرج بغير ما كان يتوقع أو يراهن عليه ليعلن المشترك بعدها صراحة رفضه التجاوب مع ذلك القدر من المرونة التي ظل يبديها المؤتمر عبر الدكتور الأرياني ووصل الأمر إلى إعلان المشترك بأنه سيمضي منفرداً في حواره تحت راية "التشاور" ولكن يظل السؤال وماذا بعد ذلك؟ و إلى أين سيفضى مثل هذا الحوار للمشترك؟ وما هي توابعه إن تم؟ وما هي النتائج التي ستسفر عنه طالما والطرف المعني بالتنفيذ لمخرجات هذا الحوار وهو السلطة غائبة عنه فمن الذي سينفذ إذاً .. وكيف؟..
ومن المؤكد فإن الاستمرار في حالة (الانسداد السياسي) الراهنة لن تخدم هذه الأطراف جميعاً بل ستزيد من حالة "التأزم" وتضر بالمصلحة الوطنية كما أنها قد تدفع ربما بطرف السلطة في حالة إقتناعه بعدم جدوى الاستمرار في محاولة إقناع "المشترك" الدخول معه في عملية الحوار إلى اللجوء إلى الخيارات الممكنة والمتاحة أمامه وهي متعددة سواء الدفع بمشروع التعديلات الدستورية وتمريرها عبر أغلبيته البرلمانية المريحة وكذا الحال في موضوع تعديلات قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإقرار قانون الحكم المحلي واسع الصلاحيات باعتبارها التزامات انتخابية عليه أمام ناخبيه أو ربما الاندفاع نحو الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة باعتبار أنه سيجد نفسه متحرراً من أي التزامات أو قيود وضعتها اتفاقية فبراير عليه وتحت مبرر أن الطرف الآخر هو من تنكر للاتفاقية ولم يلتزم بها ولن يساءل على ذلك لأنه سيعتبر ذلك من حقه دستورياًَ وطبقاً لما يملكه من تفويض شعبي منح له عبر صناديق الاقتراع واعتماداً على أغلبيته المريحة داخل مجلس النواب وحتى في المحليات وفي هذه الحالة ستكون أحزاب المشترك ذات الأقلية البرلمانية هي الخاسر الأكبر لأن ليس بيدها شيئاً تفعله لإيقاف كل ذلك أو الطعن في مشروعيته الدستورية..
ولكن كل ذلك سيخلق بدوره حتماً المزيد من التعقيدات في المشهد السياسي اليمني وتوتير الأجواء والمناخات وتعميق الخصومة والتباعد بين أطراف العملية السياسية ولن يصب في مصلحة الوطن التي للأسف مازالت بعيدة عن الإدراك أو الحفاظ عليها من قبل أولئك في المشترك الذين تغلبت عليهم أهوائهم الحزبية أو نرجسيتهم الأنانية ومصالحهم الشخصية وحسابات الربح والخسارة وأخر ما يفكرون فيه هو الوطن ومواجهة تحدياته الراهنة!