هذا الاتفاق الأخير الذي تم إبرامه بين الحكومة والمتمردين في شمال اليمن يحمل كل سمات الهدنة، ويفتقد لكل سمات الصلح، وهي هدنة تحمل العديد من المكاسب لكلا الطرفين..
فمن جهة الحوثيين هم أحوج ما يكون إلى استراحة محارب، من أجل إعداد خطة جديدة ولملمة الصفوف من جديد، وتأمين المؤن والذخائر، كما أنهم، وهو الأهم، بحاجة إلى إظهار السلطة غير جادة للمرة السادسة في الحسم وغير قادرة عليه.. ولو لم يكن من مكسب للحوثيين إلا هذا الأخير لكفى..
وبالنسبة للحكومة، فإنها بحاجة إلى إعادة فتح خط صعدة عمران بلا خسائر بشرية باهظة، وبحاجة إلى العودة إلى بعض ربوع صعدة، كما أنها بحاجة إلى استعادة الجنود والضباط المختطفين لدى الحوثي..
ومقارنة بين مكاسب الطرفين من هذه الهدنة، يبدو أنها المرة الأولى التي تكون فيها مكاسب الحكومة أكثر من مكاسب الحوثي، فمجرد فتح خط صعدة عمران واستعادة الأسرى يعتبر مبرراً كافياً باتجاه التهدئة.. فضلاً عن كون الحكومة تريد إثبات مصداقيتها في الالتزام بما تعهدت به في مؤتمر لندن وهو إخلاء سبيل الحوثيين والتفرغ لملاحقة تنظيم القاعدة ..
في هذه الحرب السادسة اعتمد الجيش خطة أربكت الحوثيين، وهي الحصار دون الاقتحام، والاكتفاء بالضرب عن بعد، بالطائرات والمدافع.. والحوثيون يجدون أنفسهم بحاجة إلى خطة تتلاءم مع التكتيك الجديد للجيش..
كذلك الجيش هو الآخر بحاجة إلى تضييق نطاق الحصار؛ إذ واقع الميدان يقول بأن المتمردين يسيطرون على مساحة تناهز مساحة لبنان، وهذا يجعل استهدافهم مكلفاً للغاية، بسبب تبعثرهم الشديد..
سبق وأن ذكرت في مقال سابق في صحيفة "الناس" في الأسبوع الأول من الحرب السادسة بعنوان "تمرد الحوثي وحسابات الرئيس" أن ساعة الحسم في ملف صعدة اقتربت، لكنها حسب تقديري ليست خلال هذه الحملة العسكرية الأخيرة".. وهو أيضا ما أكدته ثالث ورابع وخامس أيام الحرب في تصريحات تلفزيونية بأنها لن تكون الأخيرة..
والقارئ الحصيف لخارطة المعركة ولواقع المزاج الإقليمي والدولي هذه الأيام، يدرك أن هذه الهدنة في حال تم استغلالها استغلالاً سليماً هي ولاشك لصالح الجيش.. ولهذا نجد أن الحكومة مصرة على استمرار الهدنة رغم الخروقات الحوثية في جبل وهبان وغيره.. والهدنة؛ في واقع الأمر، لا تعني السلام، كما لا تعني ضعف أي من الطرفين..