[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

القرصنة في القرن الافريقي وردودالافعال الدولية تجاهها

تطورت أعمال القرصنة البحرية وتنوعت طرقها وأساليبها تدريجياً على مر العصور، أما في الوقت الحالي فقد اختلفت كماً وكيفاً عما كانت عليه في الماضي.

حينذاك لم يكن لدى القراصنة -غير المدعومين من دول بعينها- في الغالب غير السلاح الابيض، وأقتصرت اعمالهم على مهاجمة اهداف صغيرة وضعيفة، ونهب خزائن السفن وركابها وما عليها من اشياء ثمينة ثم الفرار، وترك الضحية تواصل سيرها.

تلك الاعمال اعتبرتها قوانين البحار جرائم دولية، ولكن القراصنة والقرصنة المعاصرة تحتاج إلى قوانين متطورة مواكبة لتطور القرصنة ذاتها، فقراصنة اليوم مزودين باسلحة ومعدات تقنية متطورة تصلح للقتال والقرصنة في آن واحد، وكذلك للملاحة وتحديد خطوط السير ومعرفة اماكن وجود السفن في البحار والمحيطات، بينها أجهزة موجهة بالاقمار الصناعية تحدد مواقع الاهداف البحرية بدقة. وقراصنة الصومال لديهم زوارق سريعة ينزلونها في اعالي البحار بالقرب من أهدافهم وتحملها لهم إلى تلك الاماكن البعيدة سفن كبيرة اسميناها "ام الزوارق" على وزن أم المعارك وأم الهزائم.

القراصنة الصوماليين مزودين برشاشات وقاذفات قانابل يدوية ومدافع مضادة للدروع قادرة على اختراق جسم اكبر سفينة، وقد يكون لديهم الآن قاذفات صواريخ، وبعض المصادر تذكر ان لديهم القدرة على امتلاك أو انهم يمتلكون فعلا انظمة دفاع جوي محمولة على الاكتاف مشابة لصواريخ سام الروسية واستنجر الأمريكية، وقواذف صاروخية اخرى، ولديهم هواتف متطورة تعمل بنظام مرتبط بالاقمار الصناعية. ومهما كانت صحة هذه المعلومات فليس من السهل رفضها، لأن الصوماليين قد ورثوا ترسانة الاسلحة، التي كانت تابعة للدولة الصومالية المنحلة، ونهبوا الكثير من القوات الأمريكية والاوروبية، التي عسكرت في الصومال مطلع التسعينات، والآن يستولون يوميا على اسلحة من الجيش لاثيوبي والقوى العميلة له، اضافة ذلك قدرة امراء الحرب على توفير الاسلحة من السوق السوداء ومن بعض دول الجوار، التي لها مصالح واهداف في استمرار الصراع في الصومال، علاوة على ذلك كلة الغنيمة الكبيرة من الاسلحة الكثيرة الثقيلة والخفيفة والمتنوعة، والتي استولوا عليها من على ظهر السفينة الأوكرانية. في الوقت ذاته يرتبط الصوماليون بعلاقات قوية مع اخوانهم من العرق ذاته في جيبوتي واوجادين وكينيا، وعن طريقهم يمكن لهم الحصول على بعض الاسلحة الحديثة لاستعمالها في اعمال القرصنة. ومن غير المستبعد أن يكون للقراصنة اتصالات وعلاقات تعاون وارتباطات مع خلايا ارهابية دولية، وقد تستخدمهم دولا لخدمة مصالحها. وفي السنوات الاخيرة حصلوا على اموال كثيرة من اعمال القرصنة، فهم ييطلبون من كل سفينة عادية ينجحون في قرصنتها على الاقل ما بين 100 مئة الف إلى مليون دولار، حسب السفينة وهويتها وحمولتها وهوية الرهائن.

إضافة ألى الاسلحة يملكون أم القوارب وحاملات القراصنة؛ وهي سفن كبيرة نسبياً تحمل عليها القراصنة مع قوارب وطرادات حديثة وسريعة، وتوصلهم إلى أي نقطة بحرية يريدونها. والقراصنة المعاصرون يشبهون أرباب العمل؛ فلديهم عاملين باجور نقدية أو عينية من بلدان مختلفة، وقراصنة أخرين يعملون معهم مقابل نسبة معينة من الفود المنهموب والفديات المالية، والله اعلم ان كان لديهم تأمين صحي وتأمين على الحياة وضمان اجتماعي شامل، أم انهم مثل باقي سكان المنطقة، ويوجد لدى القراصنة وسطاء ووكلاء سريين في أكثر من دولة، يتولون التفاوض مع شركات الملاحة الدولية، بخصوص الفديات المالية المطوية على سفنهم المخطوفة ومن عليها من الرهائن. وفي المدة الاخيرة تعدى القرصنة الصوماليون معظم القواعد والوسائل والطرق الكلاسيكية للقرصنة، ويمكن أعتبار أعمالهم بانها ثورة في سلك القرصنة، فلم تقتصر القرصنة المعاصرة على سلب الاشياء الثمينة من السفن ومن طواقمها فقط، بل طور الصوماليون من اساليبهم، وصاروا يسلبون السفن بما فيها، ويأخذونها مع من عليها رهائن، واحيانا يستخدمون اطقمها دروعا بشرية في اعمال القرصنة أو يجعلونهم يقومون بنفس العمل مع سفن أخرى مخطوفة، ويطلبون من شركات الشحن مالغ كبيرة جداً -فدية مالية- وقد حصلوا على عشرات الملاين من تلك الاعمال. ولا يزال لديهم عشرات السفن ومأة الرهائن، ومنها أكبر حاملة نفط في العالم، سعودية الجنسية، وفي ظروف غامضة تمكن القراصنة من مهاجمة سفينة تابعة لأكرانيا كبيرة الحجم، وكانت تحمل أكثر 33 دبابة ثقيلة، وصواريخ وذخائر واسلحة ومعدات عسكرية أخرى غير معروفة الحجم والعدد، وسوف تفيدهم بلا شك في اعمال القرصنة المستقبلية، وينتمي القراصنة الصومالين إلى مختلف شرائح المجتمع الصومالي، بما فيهم قراصنة من عشيرة الرئيس الصومالي عبد الله يوسف احمد، والذين خطفوا اليخت الفرنسي واخذوا من عليه رهائن، وافرجوا عنهم بفدية مالية كبيرة، وطاردتهم القوات الفرنسية وامسكت بهم، وتبين أن 4 من 6 قراصنة من قبيلة الرئيس المذكور. ويقوم باعمال القرصنة الصومالية بدرجة اساسية تجار وصيادين وافراد من سلاح البحرية السابقين، ومن مقاتلي الحرب الاهلية، وأمراء حرب وغيرهم، ولا يستبعد وجود قراصنة من بلدان أخرى، أو في السر، ومنهم من يزودون القراصنة بالعلومات، وتصريف ما يتم نهبه من السفن، وتزويدهم بالاسلحة ومحتاجاتهم المختلفة الاخرى. بالنظر إلى الاوضاع الحالية يمكن القول أن القراصنة الصومالين، قد حققوا الكثير من النجاحات واصبحوا قادرين على قرصنة اكبر السفن في العالم، على الرغم من الحملة الدولية والاساطيل العسكرية البحرية، التي تجوب مناطق القرصنة ليل نهار، و إلى الآن ليس هناك ما يدل على انه قد تم اضعافهم بما فيه الكفاية.

اليمن ودورها في محاربة القرصنة

مما لا شك فيه أن اليمن حاولت منذ عقود طويلة ولا تزال تحاول اقناع دول الجوار بأهمية الحفاظ على أمن البحر الاحمر وخليج عدن وابعادهما عن الصراعات والتنافسات الدولية، ونصحت تلك الدول أن تشارك معها في حماية ذلك الممر، وقد تجنبت دائما حدوث أي صراعات فيه وعليه وحوله، وتحاشت حدوث صدامات عسكرية، رغم محاولة اريتريا تحويل البحر الاحمر إلى ساحة حرب، عنما اعتدت على جزيرة حنسش اليمنية، وتمكنت القيادة السياسية اليمنية بحكمة واقتدار من تفويت الفرصة على اريتريا حينها، كما نجحت في أوقات سابقة ولاحقة من القرن الماضي والحالي، في عقد اتفاقيات ومعاهدات بحرية وبرية وتفاهمات مع جميع دول الجوار، رغبة منها في الحفاظ على امن واستقرار ذلك الممر الدولى المهم، وايمانا منها في التعايش السلمي مع جيرانها، وحاولت دائما لم شمل الصوماليين، وتوحيد صفوفهم، من أجل اخراجهم من حالة التمزق التي يعيشونها، غير أن بعض الاطراف الصومالية، كانوا يوافقون، وبعد أن يعودوا إلى الصومال يحتكمون من جديد إلى غريزتهم القتالية، وكانوا ينقضون كل محاولة للصلح، واستمروا في مواصلة الحرب الاهلية، وزادت بعض الاطراف الدولية -ذات المصالح الخاصة- في تأجيج الحرب، التي دفعت -مع غيرها- بالصومال إلى عصر القرصنة، وفتحوا بها جبهة عالمية جديدة ادت إلى تدخل دولي غير محسوب العواقب.

لذلك كله نعتقد ان عدم الاستقرار في القرن الافريقي وحروب الخليج المستمرة من بداية ثمانينات القرن الماضي، والصراعات الدولية والحروب في افغانستان من سبعينات ذلك القرن، والصراع الهندي الباكستاني، والحرب الاهلية في سريلانكا، وعدم استقرار الاوضاع بما فيه الكفاية في الجزيرة العربية بنفس الفترة، والتدخلات الدولية في جميع هذه المناطق امباشرة وغير المباشرة، وتجاوزات بعض الانظمة لحدودها؛ هي التي اوصلت مع غيرها الاوضاع في هذا الممر إلى ما هي عليه الآن، وجعلت التدخل الدولي ضرورياً، وشكلت القرصنة السبب المباشر للتدخل الدولي، والآن أصبح من حق أي دوة في العالم ارسال اساطيلها العسكرية إلى هذه المنطقة، مستمدة شرعية وجودها من قرارات مجلس الامن الثلاثة الاخيرة. رقم 1814 ورقم 1816 ورقم 1838.

القرصنة

ظهرت القرصنة الصومالية كرد فعل على استباحة مياه ذلك البلد المتواصلة من قبل سفن صيد تابعة لدول اجنبية بينها سفن اسبانية وفرنسية، وتعمد دول اخرى تفريغ نفايات ذرية ومخلفات سامة في مياه الصومال مستغلة غرق شعبه في الحرب الاهلية وفقر سكان نتيجة لذلك، زاد انتشار القرصنة نتيجة لإمتلاك القراصنة لوسائل التكنولوجيا الحديثة واسلحة ومعدات بحرية سهلت من أعمال القرصنة.

في الوقت ذاته فان الاوضاع الداخلية قد جعلت بعض الصوماليين يمتهنون أعمال القرصنة، والمجتمع الدولي لم يجهد نفسه من اجل ايجاد حل سلمي لأوضاعهم، إلا عندما تضررت بعض الاطراف الدولية من اعمال القرصنة وخوفا من الارهاب قامت بردود افعالها الحالية.

في الوقت ذاته أدى رفض بعض الدول الكبرى الموافقة على مبدأ الحراسة المسلحة للسفن التجارية، وقناعتها بعدم ارتباط القرصنة بالارهاب، إلى صعوبة السيطرة على اعمال القرصنة على طول شواطئ الصومال البالغ 3300كم، مع مرور اكثر من 20 الف سفينة تجارية في خليج عدن سنويا، وساعد ذلك على نمو القرصنة الصومالية باضطراد. وبسبب عدم وجود سبل وقوانين لمقايضة القراصنة تتردد سفن الدول الكبرى في القبض عليهم، ولذلك يتم حاليا التشاور من اجل ايجاد هيكل قضائي دولي يقوم بالمهمة.

وهو يتحدث عن نتائيج أهمال الصومال؛ اعتبر وزير الدفاع البريطاني جون هوتون ان القرصنة مرتبطة بالدول الفاشلة، وأضاف اليها ظاهرة الارهاب والاتجار بالمخدرات والبشر، وقال انه لا يمكن السماح للدول الفاشلة ان تتدهور إلى مستوى الفوضى.

استمرار القرصنة قد يزيد من ضغوط القوى الكبرى ضد الدول المحيطة بميدان القرصنة، ويجبر البعض منها على منح تلك الدول قواعد بحرية فوق اراضيها، بدلا من استباحة سيادتها كما يحدث في الصومال والعراق وباكستان وافغانستان والسودان ولبنان وكوبا وسوريا غيرهم، وقد تتحول بعض الدول المجاورة للصومالي إلى ميدان مفتوح للارهاب مثل باكستان وافغانستان والهند والعراق.

نفذ القراصنة الصوماليون في شهر واحد اكثر من 30 عملية واحتجزوا اكثر من 12 سفينة اضافة إلى 4 سفن محجوزة لديهم من قبل، ويحتجز القراصنة اكثر من 100 بحار بالرغم من وجود اكثر من 20 قطعة بحرية عسكرية في خليج عدن والبحر الاحمر.

برنامج الغذاء العالمي طلب من دول حلف الناتو دعما عسكريا لحماية سفن الاغاثة المحملة بالمواد الغذائية، للصومال وقد تتكر هذه الحالة مع دول اخرى مجاورة للصوما. وقد حصل الحلف على تفويض من الامم المتحدة ومجلس الامن بالتدخل العسكري، وأعلن أن القرصنة الصومالية في البحر الاحمر وخليج عدن قد اصبحت في مقدمة أولويات وزرا دول الناتو كونه ممر دولي للتجارة العالمية والنفط.

وهكذا تدخل الاتحاد الاوروبي باسطول إلى جانب سفن حلف الاطلسي ودول اخرى من خارج الحلف ومنها السعودية والهند وماليزيا وروسيا وجنوب افريقيا والصين وايطاليا ودول كثيرة اخرى.

ضرورة ان تبحث الدول المطلة على البحر الاحمر عن حلول للمشكلة الصومالية، وتقدم المساعدات اللازمة للسكان في جميع الاحوال، وان لا تقتصر اهتماماتها على البحث عن حلول للقرصنة وترك معالجة المسبب للمشكلة، واذا لم تقم بذلك فان القوى الكبرى ستقوم بالمهمة، ولكن دول الجوار سوف تدفع الثمن وتخسر الكثير من مصالحها وسيادتها ايضاً.

القرصنة الخفية

نشرت بعض الصحف أن القراصنة الصوماليون قد حصلوا عام 2008 على قوارب سريعة من جهات خارجية، مقابل حصولها على قسط من الفدية المالية والغنيمة العينية، ويوجد للقراصنة وكلاء يتولون تصريف البضاعة المنهوبة، وتزويد القراصنة بمحتاجاتهم. تلك الاعمال يمكن تسميتها بالقرصنة الخفية.

بعض الارء تقول ان تجاهل القرصنة لفترة طويلة قصد بها تدويل البحر الاحمر وخليج عدن، وهناك من يقول ان الاسطولين الأمريكي والبريطاني يساعدان في تزايد القرصنة، وبعض الدول متهمة بتزويد القراصنة بخطوط سير السفن التجارية، وهناك من يعتبر أن ضعف العرب في مواجهة القرصنة دليلا على عدم قدرتهم على اتخاذ أي مواقف تجاه إيران في المستقبل واخرون يذهبون إلى ابعد من كل هذه التصورات فيقولون ان مسلسل الكنز التلفزيوني الياباني الذي يعرض في الصومال من حوالي 20 عاما لعب دورا كبيراً في الهام الصومالين ودفعهم إلى احتراف القرصنة المعاصرة.

ثبت بما لايدع مجالا للشك أن السفينة السعودية العملاقة المخطوفة، هي اكبر ناقلة نفط في العالم، وأنها تحمل على ظهرها حوالي 25% من الانتاج اليومي السعودي، يصل قيمتة إلى 150 مليون دولار وقيمة السفينة ذاتها حوالي 200 مليون دولار.

ادعاء الدول المطلة على البحر الاحمر بانها قادرة على حماية شواطئها من القرصنة، يجب ان يثبت بالافعال لا بالاقوال فقط. و إلى هذا التاريخ ليس هناك ما يدل على أن تلك الدول قادرة على ذلك العمل. واما بالنسبة لمصر -قوى دولة عربية مطلة على البحر الاحمر، ومتضررة من القرصنة اكثر من غيرها بسبب تحول طريق التجارة الدولية إلى رأس الرجاء الصالح- فان الجهات المعنية لديها ترجع المسئولية إلى المجتمع الدولي وتطالب بسن تشريعات جديدة لمواجهة القرصنة.

المكتب البحري الدولي في ماليزيا، ذكر أن 94 سفينة تعرضت للقرصنة عام 2008 في المحيط الهندي وخليج عدن، ووصف الوضع في خليج عدن والبحر الاحمر بانه خارج عن السيطرة، أما البنتاجون الأمريكي فقد صرح ان مشكلة القرصنة الصومالية لن تحل حتى لو انتشرت جميع القوات البحرية هناك لأن الكثير من الهجمات تتم في اماكن بعيدة عن الشواطئ الصومالية.

وهنا اطراف اخرى مختلفة تماما، تنتقد المجتمع الدولي بوجه عام والدول المعنية بوجه خاص، بسبب تهاونها وتركها الصومال تصل إلى هذا الوضع الخطير، وتنتقد صمت تلك الدول على قيام اثيوبيا بغزو الصومال والقضاء على نظام المحاكم الاسلامية، التي كانت قد نجحت في توفير الامن والامان والنظام والقانون لها ولغيرها بحكم ايمانها بعقيدتها الاسلامية، ويقارن اصحاب هذا الرأي بين نظام المحاكم في الصومال واوضاع افغنستان منذ بداية التدخل العسكري الروسي، ودعم المجاهدين والقاعدة ثم طالبان، التي اوقفت الحرب الاهلية وقضت على تجارة المخدرات واتلفت مزارع الخشخاش المنتجة للمخدرات، وأخيرا المواجهة العسكرية بين اصدقاء الامس والمعسكر الغربي، ويذهب محللون بالقول ان القرصنة قد ردت الاعتبار إلى أهمية البحر الاحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن؛ ذلك الممر الذي يلعب دورا مهما عبر التاريخ وحاليا وتمر فيه اكثر من 20 الف ناقلة نفط وسفينة تجارية سنويا تقريبا، وحوالي 500 مليون طن من البضائع. ونسبة 20% من اجم إلى الشحنات التجارية العالمية، يضاف عليها شحنات النفط ومشتقاته التي تتدفق من الدول المصدرة عبر الانابيب إلى البحر الاحمر.

كما أن حرب الخليج المستمر منذ ما يقرب من 30 عاما، والتوتر المتوصلة هناك، قد ضاعفت من اهمية ذلك الممر، الذي تعبره شهريا عشرات القطع البحرية العسكرية الحديثة، بما تحمله على ظهرها من معدات واسلحة كلاسيكية وذرية، وقد تعرض البعض منها لهجومات ارهابية مثل حادثة البارجة الأمريكية العملاقة في خليج عدن، وناقلة النفط الفرنسية في البحر العربي. ومن جانب أخر ذكر السيد احمد ولد عبد الله مبعوث الامم المتحدة إلى الصومال في المؤتمر الدولي الذي عقد مؤخراً في نيروبي لمواجهة القرصنة، أن المجتمع الدولي والساسة الصوماليين قد هملوا الصومال، طويلا وان القرصنة احد اهم وابرز نتائج ذلك الاهمال، وقال ان قد تم مهاجمة اكثر من 32 سفينة في شهر واحد، وان القراصنة قد نجحوا في خطف 20 من تلك السفن، وحتى تاريخ ذلك المؤتمر كانت 15 سفينة لا تزال في ايدي القراصنة واكثر من 300 فرد من اطقمها رهائن بين ايدي القراصنة، وقال ان القراصنة حصلوا على اكثر من 120 مليون دولار فدية مالية خلال عام 2008.

الخلاصة

انتقال الملاحة من البحر الاحمر إلى رأس الرجاء الصالح هو بمثابة كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية لدول البحر الاحمر عامة، ومصر التي يمثل قناة السويس المصدر الثاني لدخلها القومي خاصة، وسوف تتضرر جميع المواني على البحر الاحمر من الشقين، ولكن المواني اليمنية ستصاب اكثر من غيرها، لأنها ليست طرفا في نزاع القرن الافريقي، وليس لها علاقة بالقرصنة، لا من قريب ولا من بعيد، وسوف تؤثر القرصنة على اعمال الصيد اليمنية والتجارة والايدي العاملة، والسياحة، والاستيراد والتصدير، والمعونات الانسانية والبنية التحتية، وسوف ترتفع اقساط التامين على جميع السفن ذهابا واياباً والاجراءات الاضافية الاخرى. ونتيجة لذلك سوف ترتفع الاسعار بوجه عام، في الوقت ذاته يشكل هذا الممر اهمية كبيرة لدول الخليج والعراق، وتذكر الدراسات أن اكثر من 70 الف صياد يمني وصومالي سوف يتضررون بشكل مباشر، وسوف ترتفع اسعار السمك اكثر مما هي عليه الآن وتنعكس على اسعار اللحوم.

مما لا شك فيه أن محاربة القرصنة الصومالية سوف تؤدي إلى زيادة الوجود العسكري الاجنبي واستمراه لفترة طويلة، وقد تقود إلى تدويل المنطقة أو بعض اقليمها، وسيكون خليج عدن وباب المندب والبحر الاحمر في مقدمة مناطق التدويل طويل المى، وقد بدأت الخطوة الاولى بتدويل الصومال، وقد يؤدى ذلك إلى تدخل مباشر بغطاء دولي أو بدون ذلك، خاصة اذا توفر أي شرط ولو عن طريق الخطاء، أو الصدفه، أو تم قام به بعض المنظمات الارهابية، كما حدث في افغانستان، والعراق وحتى قصف مواقع في سوريا والتدخل الدولي في لبنان والسودان، وقد يستخدم ذلك كله في ترويض دول المنطقة والضغط عليها ودفعها إلى الاعتراف باسرائيل واقامة علاقات طبيعية معها، والاعتراف بها لاعبا وشريكا رئيسياً في جميع شؤن المنطة. وكونها تمثل القوة العسكرية الاعظم في المنطقة، وكما هو مرجح امتلاكها للسلاح الذري، فسوف يوكل اليها في المرحلة الثانية لعب دور الوسيط في حل النزاعات الاقليمية، وقد تمنح مقعدا دائما في مجلس الامن الدولى كونها دولة نووية وديمقراطية!!!

نصائح

يقال أن المعرفة هي مفتاح التقدم لأي شعب، ومن يملك المعرفة والمعلومات ويستطيع الاستفادة منها في أي وقت، سيكون قادرا اكثر من غيره على حماية نفسة ومن حوله وتطوير اداءه وتقدم مستواه وتحاشي الاخطار قبل وقوعها.

لا بد من صياغة قوانين بحار يمنية لا تتعارض مع القوانين والاتفاقات الدولية.

لا بد من تدريب ايجاد قوة خاصة مجهزة ومدربة لحراسة الشواطئ والجزر اليمنية، وتوزيعها على مراكز الحراسة.

يجب الاسراع في انشاء مراكز بحوث متطورة تعني بالقرصنة ودراسة القرن الافريق والجزيرة العربية، واسناد ادرارتها والعمل فيها إلى ذوي الخبرة والمختصين الاكاديميين من الجيل الجديد، وعدم الركنة دائما إلى نفس الوجوه، التي م يعد لديها ما تقدمه، وانها التوارث الاسري طويل المدي لبعض الوظائف في تلك الجهات وجعل العلم هو المقياس. وفي الاخير ننصح الخارجية اليمنية بعمل تحديث جذري لأدارتها، وطاقمها غير المتخصص، وابعاد غير القادرين ومن عفى عليهم الزمن، والحد من توريث الوظائف في اسر معينة، واستبدالهم المبعدين بطاقم جديد من الخبراء والمختصين واساتذة الجامعات والباحثين المدربين. وقبل كل شيئ تاسيس مركز ابحاث عام تابع لوزارة الخارجية، تتفرع مراكز داخلية تتخصص بدراسة كل اقليم على حدة.

اسئلة للنقاش.

تسعى اليمن إلى تأسيس مركز اقليمي بحري يعنى بمكافحة القرصنة تحت ادارة وزارة الطرقات: هل سيكون ذلك المركز مشابها للمركز البحري الدولي في ماليزيا IMO ومركز شاتام هاوس للدراسات البريطاني؟ هل تلك الوزارة مؤهلة لمثل ذلك العمل؟ مركز كهذا يجب ان يتبع رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، وأن يعمل فيه فقط كبار الخبراء والمختصين في التاريح والسياسة والاقتصاد والقانون وليس في الطرقات. ولماذا تتحاشى مصلحة الطرقات اليمنية مساعدة الخبراء والمختصين اليمنيين؟

هل تملك تلك الجهات ما يكفيها من المعرفة والخبرة والمعلومات والمتخصصين والباحثين لتشغيل ذلك المركز؟

في حالة نعم أين أعمالهم حتى الآن. هل اطلعت الجهات المعنية على تقارير لخبراء ومختصين صادرت قبل عام وتنبأت وحذرت مسبقاً من احتمال حدوث مثل هذه الأخطار؟ هل شملت القوانين اليمنية بنوداً وفقرات خاصة بالقرصنة لا تتعارض مع القوانين والاتفاقيات الدولية؟

ما هي اسباب القرصة الصومالية؟

من هي الدول الأكثر تضرراً من القرصنة؟

أين موقع اليمن من خطر القرصنة؟

ما هي الحلول الناجعة للقضاء على القرصنة؟

ما هي عوائق مكافحة القرصنة؟

ما سر انتشار القرصنة بهذا الوقت بالذات؟

ماذا دور دول الجوار في مواجهتها؟

من الكاسب ومن الخاسر من القرصنة؟

ما هي الاخطار المترتبة على استمرار القرصنة؟

إلى أي حد يمكن القول ان الشواطئ والجزر اليمنة مؤمنة ضد القراصنة؟

هل سيخدم التدخل الدولي اسرائيل في ايجاد موضع قدم عسكري لها في البحر الاحمر والقرن الافريقي؟

ماهي الاجراءات الوقائية لدول الجوار لمنع اسرائيل من الحصول على أي نفوذ في المنطقة؟

توصيات ومقترحات خاصة باليمن

بالاضافة إلى الملاحظات التي ذكرت في اكثر من مكان من هذه الدراسة فان على اليمن التنبه إلى ما يلي:

- على الجهات المعنية في الدولة أن تطلب المشورة دائما من اصحاب الخبرة والاختصاص وان لا تكتفي بنفسها وبما لديها من كوادر وان تتحرر من حاجز الخجل والغرور أحيانا من انها تعرف كل شيء وقادرة على كل شيء. ويجب الاستعانة بالدراسات والبحوث المتميزة عند اتخاذ القرارت وادخال دماء جديدة إلى مصادر اتخاذ القرا وعدم الاكتفاء فقط بخبرة نفس الوجوه والاشخاص المتكررة والذين ادوا دورهم وقل الجديد لديهم.

- القرصنة الصومالية سوف تضر كثيرا باليمن على المدى القريب والبعيد، اذا لم يتم مواجهتها بحسم وحكمة وعقل وبقاء الصومال في وضعه الحالي سوف يضر كثيرا بكل الدول المجاورة له، وخاصة اليمن. وقد يحاول القراصنة استعمال الجزر اليمنية لتنفيذ بعض عملياتهم. وقد ترد عليهم القوى الاجنبية بالنزول فوق جزر يمنية، بحجة وجود قراصنة عليها.

- استمرار الحرب في الصومال والعراق وفلسطين سينتج عنها تدفق الاجانب إلى اليمن وحرمان اليمنيين من الكثير من فرص عمل كثيرة وينتج عن ذلك اضرار لا يحمد عقباها.

- اخذ الحيطة من عدوى الحرب الاهلية المنتشرة في العراق والصومال والصراع في فلسطين وغيرهم

- تأثير الوافدين بوجه عام والصوماليين بوجه خاص على الامن والسلم الداخلي

- عدمترك الاقليات الاجنبية كثيرة العدد [ صومالية عراقية فلسطينية] خارج السيطرة، كما حدث في عدن ضد القنصلية المصرية.

- احتمال نقل الكثير من الامراض المعدية والفساد الاخلاقي والجريمة المنظمة بانواعها وتمركزها في اليمن

- احتمال التأثر بالنعرات الطائفية والعرقية والمذهبية وانخراط يمنيين في صفوف الحركات المتطرفة والارهابية وغيرها تحت امرة الوافدين من تلك البلدان، واذا لم تنظم الجهات المعنية اعمال واقامة ودخول وخروج الوافدين، فعليها ان تتصور نتائج ذلك.

- احتمال تجنيد بعض الوفدين للعمل الاستخباراتي لصالح قوى دولية مختلفة.

- باسم القومية والدين وغيرهما قد تنظم اعداد كبيرة من ابناء اليمن إلى منظمات سرية يقودها اجانب، وقد تجد اليمن نفسها في وضع مماثل لأفغانستان وباكستان حالياً ولبنان والاردن في السبعينات، وقد تتم عمليت ارهابية ضد اهداف اجنبية في البحر والبر والجو من اتباع تلك الاقليات، وقد يغرر بيمنيين للعمل معهم.

- انتشار القرصنة وتدفق اللاجئين إلى اليمن قد يجلب معه الاسلحة المهربة والمخدرات والمتاجرة بها سريا داخل البلاد، وقد تتشكل وتتعاون منظمات سرية للوافدين في الداخل مع مثيلاتها في الخارج وبلدان اخرى لخدمة الارهاب والقرصنة وغيرها من اعمال الجريمة وقد يستخدم فيها من ابنا اليمن.

- اذا تاخر الوقت قد تصبح الجهات المعنية عاجزة عن التصدي للكثير من تلك الاخطار، وفي حالة العجز سوف تجد القوى الاجنبية كل المبررات في التدخل المباشر وغير المباشر، والمساس بسيادة البلاد.

* استاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة صنعاء

زر الذهاب إلى الأعلى