أظهرت الحرب المحدودة التي اندلعت على حدودنا الجنوبية بسبب المتسللين من الأراضي اليمنية أهمية المدى الحيوي والاستراتيجي للأمن الوطني والقومي. فقد لا يكون كافيا امتلاك جيش قوي بعدته وعتاده لتأمين الأمن الداخلي . لأن الأمن الشامل أصبح ضرورة الآن بعد قيام عصابات إرهابية وعنفية بمشاغلة دول كبرى بالتحديات الأمنية.
ومن الحرب الكونية على الإرهاب مثلا يتضح اتساع مفهوم الأمن الأمريكي حيث تواجدت القوات المسلحة الأمريكية في دول تبعد عن حدودها آلاف الأميال. من أجل تأمين الأمن القومي. وما زالت هذه الاستراتيجية تعاني من تحديات رغم انتهاج الولايات المتحدة أسلوب الحرب الشاملة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعلى مستوى عالمي . فتراجعت المخاطر الأمنية وانحسرت كثيرا ولم تنقشع بالكلية.
وبالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية اتضحت مخاطر الوضع الصومالي على حدودنا الجنوبية حيث أصبح المرتزقة الصوماليون أدوات لإيذاء أمن الحدود. وبرز أثر تردي العلاقات الإرترية الإثيوبية على الأمن الإقليمي وبالتالي الأمن الوطني. فاستمر الوضع الصومالي بالتردي مما انعكس بالتالي على الأمن اليمني . ثم الأمن على الحدود السعودية.
وما جرى يؤكد أهمية العمق الاستراتيجي في مفهوم الأمن الوطني حيث يظل أمن الدولة جزءا من أمن جيرانها وإقليمها الجيوبوليتيكي. وفي موضوع المتسللين على الحدود الجنوبية، يتضح أهمية منطقة مثل القرن الإفريقي على أمن المملكة، أكثر من الأمن في وسط آسيا. واستقرار الصومال أهم من أفغانستان رغم أن الأخيرة – مع بعدها الجغرافي – تمثل تهديدا هي الأخرى. لذا فإن الأمن الإقليمي وما وراء الإقليمي يمثل أولوية كبرى في الأمن الاستراتيجي لأية دولة.
كما أن الأمن والاستقرار في اليمن غدا أمرا استراتيجيا هاما للأمن الوطني. لأن الجيران يؤثر أمنهم بأمن بعض . وشاهدنا في المنطقة – مثلا – القلق السوري من لبنان حتى ضمنت دمشق مصالحها الاستراتيجية والأمنية في لبنان. وكذا القلق المصري من الأزمات في السودان رغم أن القاهرة لم تفعل شيئا كبيرا لأمن نهر النيل في السودان وما وراء السودان. بسبب انشغالاتها السياسية – ربما – في عملية السلام والوضع الفلسطيني . كما رأينا القلق الباكستاني من اختلال موازين القوى في أفغانستان. ونرى بأم العين الآن الاختلالات السياسية في الوضع العراقي وأثرها على الأمن والاستقرار في الخليج العربي. وكيف استفادت بعض القوى المحلية والإقليمية غير العربية من اختلال موازين القوى في العراق.
لذا فإنه من المهم النظر في إعادة بلورة الأولويات السياسية والدبلوماسية وفق حاجات الأمن الوطني. وعدم القلق كثيرا بشأن ما يسمى الحساسيات الوطنية. لأن السكوت على أوضاع بلد شقيق أمر سيؤثر على الاستقرار والسلام في المنطقة.
وثبت بما لا يدع مجالا للشك أن إهمال الأوضاع في بلد ما بذريعة السيادة الوطنية أدى في بعض الأحيان إلى انهيار الدولة نفسها وزعزعة الأمن والاستقرار في إقليمها والعالم أجمع – كما هو الأمر في الصومال وأفغانستان – وفي النهاية يحصل التدخل الدولي الكامل بكل تبعاته السياسية وما يتركه من مشكلات. ولو أن تدخلا محدودا عن طريق الدبلوماسية أو أية وسيلة من وسائل القوة الناعمة حصل منذ البداية لما تدهور الأمر إلى مستوى الأزمة.