آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

رؤية اقتصادية وسياسية بين يدي مؤتمر الرياض

أولاً : الوضع السياسي الراهن

تقف اليمن اليوم على مفرق طريقين هامين أحدهما يقودها نحو التجزأة والتفتيت والحرب الأهلية، والآخر يقودها نحو المحافظة على مكتسبات اليمن الإستراتيجية (الثورة – الوحدة – الديمقراطية الشوروية – التنمية – الأمن والإستقرار).

وإن وضعاً بهذه الدقة والخطورة يحتاج إلى حسن تخطيط وإلى عدم الإندفاع الأعمى وراء شعارات وأطروحات دون تمحيصها لا سيما إذا كانت صادرة من قوى معادية لخط الثورة والوحدة وإلى حوار ونقاش موضوعي حتى لا نقدم على خطوات تدفع البلاد إلى الحرب الأهلية وإلى مفسدة أعظم من مفسدة الأزمة الاقتصادية الحالية في اليمن فننتقل إلى مرحلة الجوع والخوف معاً بدلاً من الجوع الذي يعاني منه الشعب اليمني ويشكل أرضية خصبة للقوى المعادية لليمن لدفع البلاد باتجاه حلول سياسية لا تعبر عن معاناة الشعب الاقتصادية الحالية وإنما عن طموحات حزبية أنانية لا تبالي إلا بمصالحها ولو كانت على حساب الوطن والشعب وثوابته ووحدته.

وفي هذا الصدد أقول أن الطريق الأول الذي يقود إلى تجزأة البلاد وإلغاء وحدة اليمن وإشعال الحرب الأهلية هو طريق من يرفعون شعار الإصلاحات السياسية معتبرين أن مشكلة اليمن الحالية ليست في الفساد المالي والإداري ولا في الأزمة الاقتصادية ولا في السياسات التنفيذية للحكومات المتعاقبة من بعد قيام الوحدة وإنما في طبيعة النظام الدستوري والقانوني لدولة الوحدة أي أن المشكلة في الوحدة نفسها، ولإشكالية الوحدة يطرحون مشروع سياسي فيدرالي لامركزي لتفتيت اليمن وتجزأتها إلى أربعة أقاليم رئيسية يتفرع عنها كيانات سياسية مستقلة على مستوى المحافظات والمديريات، من ضمن هذه الأقاليم إقليم شيعي يمتد من صعدة إلى ميدي (منفذ بحري) يشكل خطراً مباشراً على أمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج والأمن العالمي لأن هذه الدويلة الشيعية ستكون ورقة في يد إيران تهدد بها منابع النفط، ولم يعلن الحوثيون الموافقة على الشروط الستة لإيقاف الحرب إلا تمهيداً للدخول في حوار سياسي يأملون من خلاله تنفيذ المشروع الفيدرالي الشيعي ليتم الإعتراف بالإقليم الشيعي المذكور.

وعلى هذا الأساس ينبغي تجنب أي حوار سياسي يحمل مضامين إنفصالية لأنه سيفاقم الأزمة الحالية ويعجل إنهيار الوضع السياسي، والمطلوب هو بسط سيادة الدولة على محافظة صعدة عسكرياً وسياسياً وليس الإعتراف بإقليم شيعي كامل السيادة من صعدة إلى ميدي.

وهذا المشروع لن يحل أزمة الاقتصاد ولا علاقة له بهموم الشعب بل سيؤدي إلى إشعال الحرب الأهلية والمعاناة من الأزمة الاقتصادية (الجوع) والأزمة السياسية (الحرب الأهلية والخوف).

والطريق الأخرى المؤدي إلى المحافظة على مكتسبات اليمن الإستراتيجية هو الطريق الذي يعتبر أن الأوضاع بشكل عام سيئة ولم يتبق شيء إيجابي وحيد سوى الوحدة اليمنية وإننا إذا قمنا بالإجهاز على الوحدة اليمنية نحو التجزأة والتفتيت نكون قد أجهزنا على الجانب الإيجابي المتبقي وتركنا السلبيات ودفعنا البلاد إلى مفسدة أعظم وهي الحرب الأهلية، وبالتالي يجب المحافظة على الوحدة اليمنية كما حافظنا على الثورة اليمنية للخلاص من النظام الإمامي الشيعي الذي عانى منه اليمنيون طويلاً.

والمعالجات والحلول يجب أن تنصب على جذور الأزمة الحالية التي يمكن إيجازها في:

أ‌- الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الفساد المالي والإداري والسياسات والبرامج للحكومات المتعاقبة من بعد الوحدة وعن الصراع السياسي الحزبي الذي جعل من الاقتصاد أيضاً أداة من أدوات الصراع السياسي.

ب‌- الصراع السياسي الحزبي بين القوى الجمهورية في الإنتخابات على مراكز النفوذ والسلطة الذي تغذيه عناصر التنظيم الشيعي الإمامي وتمرر من خلاله مخططاتها التآمرية على يمن الثورة والوحدة.

وفي هذا السياق أود تذكير القوى السياسية الجمهورية برصيد العبرة من التجارب الإنسانية المعاصرة والقريبة، فأمامنا تجربتان يمكن القياس عليهما قياساً جلياً.

فتجربة الإتحاد السوفيتي وعوامل إنهياره وسقوطه ماثلة للعيان حيث كان قطباً دولياً عالمياً إلى جوار الولايات المتحدة طوال مرحلة الحرب الباردة وكانت أهم أسباب سقوطه وتفككه وإنهياره متمثلة في الخطوات التي أقدم عليها رئيسه ميخائيل قورباتشوف عندما رفع شعار الإصلاح السياسي والعديد من الشعارات البراقة (البروستريكا) (إعادة البناء) (الغلاسنوست) مع أن عمق الأزمة السوفيتية كان اقتصادياً بسبب سباق التسلح وحرب النجوم مع الولايات المتحدة وبسبب الإنفاقات الاقتصادية أيضاً على السياسة الخارجية السوفيتية وإغفال حاجيات الشعوب السوفيتية الاقتصادية الضرورية.

ولما جاء قورباتشوف ورفع شعار الإصلاحات السياسية عبر حملة دعائية ضخمة هللت شعوب الإتحاد السوفيتي لهذه الشعارات لأن الناس في أوقات الأزمات يتفاعلون لأي شعارات تطرح لحل أزماتهم دون تمحيص لمضامينها.

فكانت نتيجة تلك الشعارات البراقة وزخرف القول التي رفعها الرئيس قورباتشوف (البروستريكا) (الغلاسنوست) والتي ركزت على الإصلاحات السياسية أكثر من الاقتصادية هو إنهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه وأصبحت معظم دوله كدول العالم الثالث.

وبالمقابل نجد التجربة الصينية تجربة إتسمت بالحكمة بخلاف بقية دول المنظومة الإشتراكية التي تهاوت الواحدة بعد الأخرى حيث حافظت القيادة الصينية على وحدة البلاد السياسية ولم تستجب لأي ضغوط باتجاه الإصلاح السياسي على الطريقة السوفيتية ورفعت شعار الإصلاحات الاقتصادية.

فعندما توفي الرئيس ماوتسي تونج عام 1976م وصعد إلى رئاسة الدولة الرئيس دنج سياو بنج أعلن هذا الرئيس رؤية جديدة للإصلاحات في الصين بخلاف الرؤى السابقة حيث دعا إلى رؤية للإصلاحات الاقتصادية لتحقيق مستوى من العيش أفضل للمواطن الصيني وصولاً إلى رفاهيته، وبدأت هذه التجربة بقيادة هذا الرئيس منذ عام 1978م واستمر على نهجه من جاء بعده حتى حققت الصين نجاحاً اقتصادياً منقطع النظير بل اعتبرت هذه التجربة على المستوى العالمي تجربة فريدة وأصبحت محل إهتمام ودراسة من قبل العديد من الدول وليس من المبالغة في شيء إذا قلنا أن تجربة الإصلاحات الاقتصادية الصينية تعد أهم حدث في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين حيث تحولت الصين إلى قطب اقتصادي دولي يحسب له ألف حساب.

وحتى في إنفتاح الصين الاقتصادي على العالم إمتازت تجربتها بالخصوصية الصينية المستمدة حكمتها من تراثها الحضاري العميق فلم تنتقل إلى اقتصاد السوق الرأسمالي بل زاوجت بين اقتصاد السوق والاقتصاد الإشتراكي بطريقة تمكنت من خلالها من الإستفادة من مزايا اقتصاد السوق مع بقاء سيطرة الدولة على الاقتصاد في تجربة اقتصادية جديدة يمكن تسميتها (اقتصاد السوق الإشتراكي).

وهكذا إستطاعت الصين الحفاظ على وحدة البلاد السياسية من المصير الذي حل بالإتحاد السوفيتي ولم تعمل على هذا فحسب بل قفزت اقتصادياً بحيث تحولت إلى قطب اقتصادي دولي، في حين عانت الصين طوال المرحلة من 1949 – 1978 من الفقر حيث كان دخل الفرد متدنياً وكذلك مجمل ناتجها القومي ومعدل نموها الاقتصادي.

وما أود قوله في هذا الصدد أن هاتين التجربتين فيهما عبرة لليمن وغيرها رغم الفارق من زاوية حجم هاتين الدولتين السياسي والاقتصادي لأن مغزى هذه التجربة لا علاقة له بشكل الدولة وقوتها وإنما بجوهر القرارات السياسية الهامة التي أتخذت في لحظات تاريخية هامة تعلّق بهذه القرارات مستقبل هاتين الدولتين الكبيرتين – الإتحاد السوفيتي والصين -.

ومن هذا المنطلق أقول إن مشروع الإصلاحات السياسية الذي تتبناه أحزاب المشترك لن يحل مشكلة البلاد الاقتصادية ولا السياسية بل هو في حقيقة الأمر مؤامرة تستهدف وحدة البلاد السياسية والوطنية لأن المخططين لهذا المشروع هم العناصر القيادية في التنظيم الإمامي الشيعي (إتحاد القوى الشعبية) وبقية الأحزاب المنضوية في المشترك (الإصلاح – الإشتراكي – الناصري – البعث) ليسوا أكثر من حاملين لهذا المشروع الإمامي ومنفذين له بسبب براعة الإماميين في إقناع قيادات هذه الأحزاب بمشروعهم وقيام قيادات هذه الأحزاب بفرض هذا المشروع على قواعدهم دون مناقشته نقاشاً كافياً لسبر أغواره.

وهذا المشروع الإمامي الشيعي التآمري قد طرحه القيادي في إتحاد القوى الشعبية زيد بن علي الوزير في كتاب (نحو وحدة يمنية لامركزية) طرح فيه فكرة (اللامركزية والفيدرالية) وفكرة (القائمة النسبية) بهدف إلغاء الوحدة اليمنية وتجزأة البلاد إلى دويلات وولايات وسلطنات بإعتبار أن القيادات الإمامية لم تحكم اليمن عبر التاريخ إلا عبر سياسة فرق تسد وعبر إلغاء دولة اليمنيين المركزية وتفتيتها وإشعال الحرب الأهلية فيها والدليل على صحة كلامي هي شهادة زيد الوزير في كتابه نفسه بأن هدفه من المشروع اللامركزي الفيدرالي هو تجزأة البلاد وتقسيمها حيث يقول في (ص14) من مقدمة الطبعة الثانية للكتاب: (وقد حظي الكتاب بترحيب فاق تصوري له حتى يمكن القول بأنني لم أجد اعتراضاً على مطلبه على أن البعض قد أشفق على هذه اللامركزية من جهة التطبيق وقدم حججه في أمرين:

الأول: صغر حجم القطر اليمني وعجزه عن استيعاب هذا النظام المتطور.

الثاني: عدم التأهل اليمني المتخلف لهذا الدور الحضاري المتطور لأنه سابق لأوانه.

وكلا الرأيين لا يرفضان اللامركزية من حيث المبدأ ولا يعترضان عليها لكنهما يشفقان من عدم القدرة عند تطبيقها..

إلى أن يقول في نفس الصفحة: (لكننا بالعكس من ذلك لا نرى ذلك التخوف والإشفاق يحول دون تطبيقها بل إنهما يدعوان إلى الإسراع في العمل من أجلها، إن حجة صغر القطر تنقضها الحقائق التالية: إن اصغر ولاية في أميركا هي «رودايلاند» وهي أول جمهورية أميركية هذه الجمهورية لا تتجاوز مساحتها «1212» ميلاً مربعاً وعدد سكانها «22364» وعلى هذه الرقعة الصغيرة قامت خمسة كانتونات أي خمس محافظات، معنى ذلك أن كل محافظة قامت على مساحة قدرها «242» ميلاً مربعاً فإذا كانت مساحة الجمهورية اليمنية حوالي «207.286» ميلاً مربعاً ثم قسمناها على «1212» ميلاً وهي مساحة جمهورية «رودايلاند» يكون عندنا «171» ولاية مستقلة أي «171» جمهورية مستقلة. في حجم ولاية «رودايلاند» وعلى أساس أن كل ولاية بها خمس محافظات فسيكون عندنا «855» محافظة لا مركزية مستقلة وبالتالي «855» رئيسا منتخباً وأظن أن في ذلك إشباعا لنهم السياسيين وإذا ما قمنا بعملية توزيع على حسب السكان وقسمنا الثلاث عشرة مليون نفس في اليمن على «855» محافظة، يكون الحاصل «15.204» نفساً لكل محافظة، وأظن أن ذلك الحجم مناسب وكافي، وتوجد إمارات في أوروبا مستقلة اقل من هذا العدد، إن الكم لم يعد ذا أهمية بالنسبة للكيف..

وهنا قد يستهول من لا يعرف هذا النوع من الحكم هذا العدد الهائل من الحكام، وسوف يضعون أيديهم على قلوبهم خشية إشفاق مما سيلاقون من شقاء وعذاب نتيجة تجاربهم المريرة في التعامل مع فرد واحد فكيف بهم مع مئات الأفراد؟!!. إنهم سوف يجعلون من شقائهم بالفرد الواحد مقياساً للتعاسة وسوف يتصورن بفزع ما سيلاقونه من العذاب على أيدي هؤلاء «855» حاكماً إذا كانوا قد نالوا على يد حاكم فرد واحد ما نالوه من العذاب، ولكن علينا أن لا نستهول هذا الرقم ولا نخاف من تلك النتيجة ففي الولايات المتحدة «83» حكومة محلية مستقلة...الخ)

فزيد الوزير هنا يعترف صراحة بأنه يريد بمشروعه الفيدرالي اللامركزي تفتيت البلاد إلى (171) جمهورية مستقلة وإلى (855) ولاية مستقلة ولكل ولاية رئيس منتخب ومع ذلك نجد قيادات الأحزاب الجمهورية في المشترك يدافعون عن هذا المشروع مع أنهم لا ناقة لهم ولا جمل فيه فنقول لهم أليس صاحب الفكرة أدرى بأهداف فكرته وهذه الإشكالية تؤكد أن القيادات الحزبية الجمهورية في المشترك مقصرة في أداء مهامها القيادية إذ يفترض بها أن تضع خطط سياسية نابعة من منطلقات أحزابها الفكرية والسياسية وأدبيات كل هذه الأحزاب (الإصلاح – والإشتراكي – والتيار القومي) وحدوية لا إنفصالية.

فأهم عوامل نجاح العمل السياسي هو وضوح الرؤية السياسية والتخطيط السياسي الإستراتيجي في إتجاهين:

أ‌- تحديد الأهداف السياسية لكل حزب بناء على منطلقاته ورؤاه والعمل على تحقيقها.

ب‌- تحديد أهداف القوى المعادية ليمن الثورة والوحدة والعمل على تفويتها.

ويؤكد علماء السياسة أن قيادات الأحزاب إذا لم تقم بمهامها التخطيطية وعانت من عدم وضوح الرؤية فإن هذه القيادات وأحزابها يمكن أن تتحول إلى أدوات لتنفيذ مخططات أعدائها، وهذا ما حصل لقيادات الأحزاب الجمهورية فبدلاً من التصدي لأخطر مؤامرة تستهدف الوحدة اليمنية من قبل التنظيم الشيعي الإمامي عامل الهدم التاريخي للشعب اليمني إذا بالقيادات الجمهورية تحمل هذه المؤامرة كمبادرة وتضغط على الأخ الرئيس باتجاه هذه المؤامرة لتنفيذها ولن يدركوا مغبة ما يفعلون إلا عندما يتم تفتيت الدولة اليمنية المركزية إلى دويلات وتشتعل الحرب الأهلية، وفي الحقيقة أنني حذرت من خطر التنظيم الشيعي الإمامي بعد الوحدة مباشرة وأتهمني البعض بالمبالغة في ذلك ولكن الواقع اليوم يشهد بصحة ما ذهبت إليه، فهانحن نرى إنجازات هذا التنظيم الشيعي الخفي الظاهر في إتجاهين متوازيين:

- إتجاه تعليمي عسكري (حزب الحق) بدأت ثورته المضادة لثورة سبتمبر في صعدة بشكل واضح كما فعلوا عبر التاريخ.

- وإتجاه سياسي في العاصمة (إتحاد القوى الشعبية) المتغلغل في مراكز النفوذ والمال والمعلومات في أجهزة الدولة وداخل الأحزاب الجمهورية وأهم إنجازاته مشروعه السياسي الفيدرالي التآمري على الوحدة اليمنية وأكبر دليل على خطورة تأثيره أن كافة قيادات الأحزاب الجمهورية قد أصبحوا يتبنون مؤامرة هذا التنظيم التخريبية لليمن الجمهوري واليمن الموحد كمبادرات لإصلاح الجمهورية والوحدة، ووثيقة العهد والإتفاق ومبادرة الإصلاح السياسي ووثيقة الإنقاذ الوطني التي وقّع عليها المشترك كلها وثائق إمامية شيعية تؤكد هيمنة الخطاب السياسي الإمامي على الأحزاب الجمهورية.

ثانياً: الحلول المقترحة:-

وإزاء هذا الفراغ في الرؤية السياسية لدى القيادات الجمهورية في أحزاب المشترك أتقدم بهذه المبادرة السياسية الاقتصادية لحل الأزمة الحالية في البلاد التي تركز على الإصلاحات الاقتصادية وهموم الشعب وعلى حل مشكلة الصراع السياسي الحزبي بين الأحزاب الجمهورية أوجزها في نقاط كالتالي:

1- إن عمق الأزمة في البلد هو إقتصادي لا سياسي وأن سبب هذا التدهور الإقتصادي هو الفساد المالي والإداري والصراع السياسي الحزبي الحاد الذي نشب من بعد الوحدة، حيث أصبح التخطيط من قبل الأحزاب لإنهيار الوضع الإقتصادي عن طريق عناصرهم في الدولة هو جزء من اللعبة السياسية بحيث يمكننا القول بأن مؤسسات الدولة إذا كانت تعاني قبل الوحدة من لوبي الفساد فإنها من بعد الوحدة قد أصبحت تعاني من لوبي الفساد ولوبي التآمر، واللوبي الإمامي الإنفصالي الموجود داخل الدولة اليوم يعمل بشكل جماعي وضمن خطط إستراتيجية لإنهيار الوضع إقتصادياً وليس هناك أي فريق يقابله بنفس المستوى، والمثل يقول (مخرّب غلب ألف عمّار) فكيف الحال عندما يكون هناك شبكة من المخربين، وصدق الشاعر الذي عبّر عن مخططات التنظيم الشيعي لإفساد أوضاع الدولة من داخلها بقوله بلسان حالهم:.

نجحت خطتنا و اكتملت
فاطمئنوا فإمام العصر قادم

وإماميون لا زلنا ولا
احد في حقنا اليوم يزاحم

حربنا معلنة قد فشلت
بعد أعوام طوال في الهزائم

فاستجبنا لسلام بارد
وبهذا أصبح المهزوم هازم

تفسد الحبة من داخلها
وشديد السم في لين الأراقم

إننا والمكر من قوتنا
همنا تحطيم محكوم وحاكم

وعلى هذا الأساس نقول أنه حتى تتهيأ اليمن لإستقبال المساعدات الدولية لا بد من قيام الأجهزة الأمنية وجهاز الرقابة والمحاسبة برصد لوبي الفساد ولوبي التآمر داخل الدولة والعمل على إقصائهم حتى لا تذهب المساعدات الخارجية إلى قربة مخزوقة، يصحب ذلك إجراء تعديل وزاري لإبعاد بعض الوزراء الحوثيون الذين يسيطرون على عدة حقائب وزارية فضلاً عن العناصر الإمامية المتغلغلة في مراكز النفوذ والمال والمعلومات، فلابد من التنبه إلى أن إستراتيجية التنظيم الشيعي بعد حرب 94 قد إرتكزت على آليات أخرى لإسقاط الأوضاع الحالية بعد فشلهم في إسقاط النظام الجمهوري عبر القوة العسكرية للحزب الإشتراكي لا سيما بعد نجاح إتحاد القوى الشعبية في إستقطاب علي سالم البيض وحيدر العطاس لصالح المشروع الشيعي بدغدغة أصولهم العرقية الهاشمية، قوام هذه الإستراتيجية الجديدة هو إسقاط النظام عبر الثورة الشعبية من خلال الإنهيار الإقتصادي إذ لا سبيل لتثوير الشارع إلا عبر المعاناة الإقتصادية، والآلية الأخرى هي إخراج حزب الإصلاح إلى المعارضة واستخدام قواعده لإحداث الثورة الشعبية بعصيان مدني يبدأ في شكل حراك جنوبي لأن وقع المعاناة الإقتصادية هناك سيكون أشد وينتهي بحراك شمالي وجنوبي.

وقد إستطاع اللوبي المخترق للمؤتمر من بعد الحرب تمرير سياسات الجرعات الإقتصادية التي أدت إلى إفقار الطبقة الوسطى وسحق الطبقة الفقيرة بحيث شكلت الأزمة الإقتصادية الناتجة عن الجرعات الأرضية الحقيقية للأزمة السياسية الحالية، ويبدوا أن حكومة المؤتمر الحالية لم تستوعب الدرس بعد بدليل مواصلتها لنفس السياسة، ولذلك لابد من تدخل الرئيس شخصياً وبتوجيهات مباشرة للحكومة لحسم هذا الأمر وإتخاذ سياسات عكسية بحيث توجه المساعدات الخارجية لسد حاجات الناس من المواد الغذائية الضرورية، مالم فإن ثورة الجياع قادمة لا محالة مهما كانت النفقات على البنية التحتية والمثل الغربي يقول (الجوع لا يقبل الإنتظار).

2- على القوى الإقليمية والدولية أن تعي أن اليمن يمر بظروف إستثنائية تستوجب تسخير المساعدات الإقتصادية بهدف تثبيت الوضع السياسي وبهدف إيجاد إستقرار سياسي ولن يكون للمساعدات الإقتصادية أي قيمة لخدمة الوضع السياسي مالم تحل مشكلة الجوع والأمن الغذائي وبالتالي فاليمن لا يحتاج إلى وصفات صندوق النقد الدولي المعروفة التي تركز على رفع الدعم عن المشتقات النفطية والمواد الغذائية لأن هذه السياسات نفسها هي التي أدت إلى الأزمة الحالية.

وأنا أعلم أن صندوق النقد الدولي لم يفرض علينا سياساته فرضاً وإنما هناك عناصر متآمرة من الداخل مررت مخططها السابق تحت لافتة صندوق النقد الدولي وبالتالي يجب أن يدرك الجانب الدولي والإقليمي خطورة إنهيار الوضع السياسي على الأمن الإقليمي والدولي وبالتالي إلى حاجته إلى سياسات إقتصادية إستثنائية لسدّ حاجات الناس من الحاجيات الأساسية لمنع ثورة الجياع حتى لو أدى الأمر إلى إيقاف كافة مشاريع البنية التحتية لأنه لا فائدة من مشاريع البنية التحتية في ضل غلاء لأسعار المواد الغذائية يؤدي إلى ثورة جياع تطيح بالنظام السياسي بأكمله.

3- على القوى السياسية الجمهورية في السلطة والمعارضة إقامة تكتل جمهوري لمواجهة المخططات الإمامية الشيعية المستهدفة للثورة اليمنية ووحدة اليمن السياسية والوطنية، وعلى الأخوة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج أن يدركوا أنه على الرغم من الخلاف الشكلي في النظام الجمهوري اليمني والنظام الملكي السعودي إلا أن الجامع بين النظامين هو المحتوى والمضمون السنّي، وأن النظام الملكي الشيعي الإمامي الذي حكم اليمن قبل ثورة سبتمبر هو أقرب لجمهورية إيران الشيعية على الرغم من الإختلاف في شكل الأنظمة (ملكي – جمهوري) لأن المضمون الجوهري لكلا النظامين هو المضمون الشيعي بدليل الدعم الجمهوري الإيراني لممثلي النظام الملكي الشيعي اليمني من عناصر التنظيم الشيعي في صعدة (الجناح العسكري) والجناح السياسي في العاصمة صنعاء المتوغل في مراكز المال والنفوذ والمعلومات في الدولة وفي داخل الأحزاب الجمهورية ويحيك أخطر الخطط السياسية والتآمرية على الاقتصاد اليمني لتقويض النظام من داخله، وبالتالي يتوجب على الأخوة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج دعم النظام الجمهوري السنّي ووحدة اليمن اقتصادياً وسياسياً باعتبار اليمن عمق إستراتيجي لهم.

4- يجب حل إشكالية صراع الأحزاب الجمهورية في الإنتخابات والوصول إلى صيغة مرضية لحل هذه المشكلة لتفويت الفرصة على التنظيم الشيعي الذي يستغل عامل الإختلاف هذا ويؤجج الصراع بين الأحزاب الجمهورية ويمرر مخططاته الإستراتيجية من خلال هذا الصراع.

بالوصول إلى صيغة مرضية لحل إشكالية صراع القوى الجمهورية تؤدي إلى رفد التجربة الديمقراطية في اليمن ورعايتها بحيث يتم تمثيل كافة الأحزاب الجمهورية بشكل معقول ومرضي لا سيما الحزب الإشتراكي باعتباره الشريك الرئيسي في تحقيق الوحدة اليمنية.

وهذا يحتم على المؤتمر عدم إستخدام الإنتخابات كسيف مُصلت على بقية الأحزاب عبر فكرة الأغلبية المطلقة، وتفاصيل هذه الفكرة يمكن مناقشتها لاحقاً بعيداً عن الأطروحات الإمامية الشيعية (اللامركزية – القائمة النسبية – التعديلات الدستورية).

5- يتم تشكيل حكومة وفاق وطني من المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والإشتراكي والتيار القومي (البعثي والناصري) على قاعدة حماية الثوابت الوطنية (الثورة – الوحدة اليمنية – التنمية – الأمن والإستقرار) ويتم عزل التنظيم الشيعي في المعارضة.

6- تكون مهمة حكومة الوفاق الوطني عبر هذا التكتل الجمهوري مهمة اقتصادية باعتبار أن جوهر الأزمة التي تعاني منها البلاد هي الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الجرعات الاقتصادية التي منعت الضروريات عن الشعب المتمثلة في المواد الغذائية الأساسية وحولت تلك المبالغ إلى نفقات كمالية ليست بأهمية الأمن الغذائي للمواطن.

ولحل الأزمة الاقتصادية تضطلع هذه الحكومة بوضع برنامج اقتصادي يكون هدفه الرئيسي هو تخفيف معاناة الشعب عبر تلبية حاجياتهم الأساسية من المواد الغذائية لا تعديلات دستورية لإلغاء الوحدة اليمنية عبر الفيدرالية لأن الشعب الجائع لن يأكل تعديلات دستورية بل إن التعديلات الدستورية ستصومل اليمن عبر تجزأتها إلى دويلات فتشتعل الحرب الأهلية فينتقل الناس من مرحلة الجوع إلى مرحلة الجوع والخوف كما هو الحاصل الآن في العراق.

{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112.

وأعظم نعمة في المنظور القرآني هي نعمة الوحدة لأنها توحد الدولة والمجتمع والطاقات البشرية والإمكانات المادية والكفر بها عبر الفيدرالية واللامركزية السياسية سيجعل البلاد على شفا حفرة من نار وينقلها من مرحلة الجوع إلى مرحلة الجوع والخوف {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103.

وهذه الخطة الاقتصادية ترتكز على المحاور التالية:

1. تشخيص الموازنة العامة للدولة وإعادة النظر في أرقامها على قاعدة تقديم الضروريات وتأخير الكماليات.
2. معايير إعادة النظر في أرقام الموازنة على قاعدة تقديم الضروريات وتأخير الكماليات تتم على النحو التالي:

أ‌- الأولوية للمواد الغذائية وإطعام الناس من جوع .
ب‌- مشاريع البنية التحتية.
ج‌- النفقات الحكومية.

3. يتم إحلال مبالغ الدعم الخارجي التي أقرت في بريطانيا محل المبالغ المعتمدة في موازنتنا لمشاريع البنية التحتية ويتم سحب المبالغ من الموازنة لدعم المواد الأساسية.
4. تتولى الدول الشقيقة (دول مجلس التعاون) مساعدة اليمن لحل مشكلة غلاء الأسعار والجوع الذي قد يسبب إنهيار الوضع السياسي في إتجاهين رئيسيين:

أ‌- تزويد اليمن بمساعدة عينية بتغطية حاجة اليمن المحلية من البترول والديزل.
ب‌- إعتماد مبلغ مليار دولار سنوياً لدعم المواد الأساسية.

5. وضع خطة للحفاظ على العملة الصعبة وميزان المدفوعات عبر ضبط عملية الإستيراد العشوائي للسلع الكمالية لأن هناك هدر كبير للعملة الصعبة على نفقات كمالية لا حاجة إليها في بلد يحتضر إقتصادياً.

7- وضع خطة إصلاح إداري لحل مشكلة الفساد يكون هدفها زيادة إيرادات الدولة وحماية النفقات العامة من الإبتزاز والهدر والعبث.

8- تفعيل الرقابة الإدارية على العناصر الفاسدة عبر تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإعمال مبدأ الثواب والعقاب لا مبدأ مكافأة المسيء ومعاقبة المحسن.

9- إذا لم تستجب أحزاب المشترك للحوار بمضامين جمهورية وطنية ورفضت التخلي عن الأطروحات السياسية الإمامية الشيعية لاتحاد القوى الشعبية (التعديلات الدستورية باتجاه الفيدرالية تحت شعار اللامركزية الإدارية بعد الفشل في تمرير الشعار نفسه – النظام البرلماني – القائمة النسبية)، فأنصح الأخ الرئيس بعدم الإلتفات إليهم والمضي في إصلاح الأوضاع الاقتصادية باتجاه تخفيف معاناة الشعب في حاجاته الأساسية من المواد الغذائية في ظل دعم وتعاون إقليمي ودولي.

وكتأكيد على أهمية إطعام الجياع لتجنب ثورتهم سأورد نصوصاً من الكتب السماوية الثلاثة على النحو التالي.

أولاً: القرآن الكريم:-

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7}) الماعون

ثانياً: الإنجيل:-

(طوباكم أيها المساكين لأن لكم ملكوت الله* 21 طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون*) [لوقا 6/21]

ثالثاً: التوراة:-

* (هوذا بالعدل يملك ملك و رؤساء بالحق يترأسون* 2 و يكون إنسان كمخبأ من الريح و ستارة من السيل كسواقي ماء في مكان يابس كظل صخرة عظيمة في أرض معيية* 3 عندئذ تنفتح عيون الناظرين و تصغي آذان السامعين (لإحتياجات شعبهم)* 4 و قلوب المتسرعين تفهم علما و السنة العييين تبادر إلى التكلم فصيحا* 5 و لا يدعى اللئيم بعد كريما و لا الماكر يقال له نبيل* 6 لان اللئيم يتكلم باللؤم و قلبه يعمل إثما ليصنع نفاقا و يتكلم على الرب بافتراء و يفرغ نفس الجائع و يقطع شرب العطشان* 7 و الماكر آلاته رديئة هو يتآمر بالخبائث ليهلك البائسين بأقوال الكذب حتى في تكلم المسكين بالحق* 8 و أما الكريم فبالكرائم يتآمر و هو بالكرائم يقوم) [أشعيا 32/1-8]
* (الملك الحاكم بالحق للفقراء يثبت كرسيه إلى الأبد) [الأمثال 29/14

زر الذهاب إلى الأعلى