[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

الثنائي القاتل: القات والسلاح!

"القات والسلاح" هذان هما التحديان الرئيسيان أو الثنائي القاتل اللذان ظل يواجهما اليمن على الدوام ويهددان وجوده ومستقبل أجياله ..

إن لم تبادر الجهات المعنية بصناعة القرار اليمني في التفكير فيهما بصوت مسموع وتنفيذ إستراتيجية طويلة المدى لاحتواء الآثار السلبية والتهديدات الحقيقية الناتجة عن هذين الثنائي اللذين يرتبط بوجودهما في الواقع اليمني الكثير من منغصات اليمن واليمنيين ..

فالقات الذي يتم توصيفه لدى العديد من اليمنيين بأنه مجرد عادة اجتماعية فحسب .. فانه في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون شراً مستطيراً وآفة مدمرة ونبته شيطانية يقترن بها وبآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية الكثير والكثير مما لا يتسع المجال هنا لشرحه أو الإسهاب فيه ..

ويكفي ان القات الذي بات يتناوله اليوم قطاع واسع من اليمنيين بمختلف فئاتهم وشرائحهم وأعمارهم وثقافتهم ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي يكاد يهيمن على الكثير من تفاصيل الحياة اليمنية والسلوك الاجتماعي العام والخاص في المجتمع اليمني ..

بدءاً من استنزافه للمياه وهيمنته وزحفه على الأراضي الزراعية الخصبة مروراً بما أصبح متلازماً معه من أمراض مهلكه للصحة ومنها أمراض الكبد والكلى والمتانة وارتفاع الضغط وألام الظهر والركبة والاكتئاب والتأزم النفسي بالإضافة إلى سرطانات الفم والمريء والبلعوم والمعدة والتي ازدادت في الآونة الأخيرة انتشاراً مع استخدام السموم والمبيدات القاتلة التي يتم رشها به من أجل تحقيق ربحية سريعة ناهيك عن تلك الآثار الاقتصادية التي تنهك كاهل المخزنين وحيث يأتي عادة توفير ثمن هذه النبتة الشيطانية على حساب أولويات كثيرة في موازنة الأسرة اليمنية وقيم المجتمع عموماً وأداء وظيفي جيد ونزيه وحيث تولد الحاجة إلى توفير (قيمة التخزينية) لدى بعض الموظفين وغيرهم إلى ممارسة لبعض الفساد الإداري والرشوة والتفريط في القانون والمصلحة العامة ..

ناهيك عن تأثيرات عادة مضغ القات وطقوسها على طبيعة العلاقات الاجتماعية والإنسانية القائمة على صعيد الأسرة اليمنية وتوفير متطلباتها وتربية الأولاد أو على المستوى الاجتماعي العام سواء من حيث إنتاجية العمل واستهلاك الوقت أو الآثار البيئية وهذا ما يمكن لباحثين في علم الاجتماع والاقتصاد والبيئة وغيرها الإجابة عليه وحيث أصبحت هناك العديد من المنظمات الدولية والجهات المانحة تدق ناقوس الخطر أمام تفشي ظاهرة تناول وزراعة القات ومن عدة أوجه خاصة ما يتعلق بنقص مخزون المياه وأصبحت مدناً رئيسية مثل العاصمة صنعاء وتعز وإب وصعدة مهددة بمثل هذه المشكلة الكارثية .

أما التحدي الأخر الذي يواجهه اليمن فهو يتمثل في وجود السلاح في اليمن والمتاجرة فيه وحيازته من قبل كل من هب ودب من المواطنين بما في ذلك المجانين والمعتوهين والقتلة والمجرمين وأصحاب الأمراض النفسية الأمر الذي يقتضي ضرورة وجود معالجات جادة لمواجهة هذه الظاهرة واحتوائها بإدراك وطني واع لمخاطرها وتهديداتها الكبيرة ليس للأمن والسلم الاجتماعي أو التنمية وإنما لأسس وجود الدولة وللثوابت الوطنية التي يرتكز عليها العقد الاجتماعي المعبر عنه في الدستور كثمرة للتضحيات الجسيمة والنضالات اليمنية من اجل واقع أفضل ..

وفي ظل وجود السلاح بمختلف أنواعه ومصادره والمتاجرة فيه وحمله وحيازته من قبل كل من توفر لديه مال أو رغبه لحيازته للوجاهة أو الأذى دون وجود ضوابط صارمة تحول دون استخدامه في ارتكاب الجرائم أو إعلان التمرد والعصيان أو ممارسه العنف والإرهاب والعبث بالأمن والسكينة العامة أو الخروج على النظام والقانون وكسر هيبة الدولة وأجهزتها الأمنية قد أدى إلى خلق إشكاليات كبيرة دفع اليمن لها وما يزال ثمناً باهضاً من أمنه واستقراره وسمعته وجهوده في مجالات التنمية والبناء والاستثمار وترسيخ قواعد الدولة الحديثة .. دولة الأمن والنظام والقانون والتطور والرخاء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ..

وأياً كانت المبررات الشوفينية التي لا يقبلها العقل والمنطق والتي ظل يقدمها بعض من لهم مصلحة في الفوضى وعدم الاستقرار وتطبيق سيادة القانون لموضوع حيازة وحمل الأسلحة من قبل المواطنين أو إعاقة أي تشريعات قانونية جادة لضبط هذه الظاهرة التي أرتبط بوجودها تهديدات ومخاطر جدية على اليمن وأمنه واستقراره ووحدته الوطنية وسلمه الاجتماعي..

ولولاها لما كان التمرد المسلح في صعدة أو الاضطرابات الأمنية في بعض المدن في بعض المحافظات الجنوبية مع ما صاحب ذلك من بروز النزعات الانفصالية لدى البعض واللجوء إلى العنف والقوة وارتكاب أعمال إجرامية على أسس جهوية وتشطيرية بالإضافة إلى الثارات والحروب القبلية والتقطعات في الطرق ونهب المسافرين وإعاقة تنفيذ بعض المشاريع الحيوية في بعض المناطق نتيجة الاعتداءات بالأسلحة المتوفرة في الأيدي ناهيك عن توفير بعض القبائل المدججة بالأسلحة من كل صنف الملاجئ الآمنة للمتطرفين والإرهابيين من تنظيم القاعدة أو بعض القتلة أو العناصر الإجرامية المطلوبة أمنياً والفارة من وجه العدالة بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة من قبل بعض............ على الأراضي أو ممتلكات بعض المستثمرين والقيام بنهبها وتحت التهديد بالسلاح ..

كل ذلك لم يكن ليتم لو لم يكن السلاح متوفراً على ذلك النحو المخيف والمزعج والمقلق وذلك نتيجة لتعادل موازين القوة بين ماهو متوفر في أيدي المواطنين والقبائل والأسلحة وبين ماهو موجود لدى عناصر الضبط في الأجهزة الأمنية وأجهزة العدالة بل أن كثيراً ما كان الطرف الخاسر هم أفراد هذه الأجهزة عند حدوث المواجهات مع أي عناصر مطلوبة آو مخلة بالأمن نتيجة التعصبات القبلية وعدم توفر الغطاء القانوني الكافي الذي يحمي أفراد الجيش والأمن من المساءلة عند حدوث أي خسائر أو إصابات في الأرواح والممتلكات أثناء أدائهم لواجباتهم الامنية وما لم يتم التفكير الجاد والعميق في إيجاد حلول ناجعة وجدية من قبل الدولة لمشكلة السلاح وبعيداً عن التأثر بأي ضغوط من أي نوع آو حسابات اجتماعية خاطئة والعمل بما هو سائد في دول العالم التي لا تقبل أن يكون السلاح موجود في أيدي مواطنيها أو يكون منفلتاً على تلك الصورة الفوضوية والمأساوية التي نراها في يمننا الحبيب.

إن هروبنا أو تغاضينا أو تقاعسنا عن التفكير بصوت مسموع وعقل يقظ ومستوعب لهذين التحديين الرئيسيين الذين يواجهما اليمن فإننا لن نكون إلا كمن يدفن رأسه في الرمل هرباً من مواجهة واقعة ولن يستطيع اليمن التقدم بالصورة المنشودة نحو ما يطمح إليه أبناؤه من الاستقرار والازدهار والرقي وبناء دولتهم الحضارية الحديثة وحيث ستزداد الإشكاليات والمخاطر تفاقماً وتعقيداً وسيظل كل اليمنيين رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً يدفعون ثمناُ باهضاً لعدم المواجهة الصادقة والجادة لثنائي الشر والتخلف في المجتمع اليمني وسيكون المستقبل محفوف بما هو أفدح وأخطر من المشاكل والتهديدات ..! وحان الوقت لنفعل شيئاً من اجل اليمن وأجياله.

زر الذهاب إلى الأعلى