(عندما دلفت من باب الطائرة التي أقلتني إلى صنعاء كنت أتوقع أن يكون أسامة بن لادن في استقبالي على أرضية المطار ليختطفني إلى جهة مجهولة ولكني اكتشفت وبعد أيام من وصولي إلى صنعاء
وتجولي في شوارعها النابضة بالحيوية والنشاط وبخاصة في مدينة صنعاء القديمة وجلوسي مع العديد من النخب اليمنية وممثلي منظمات المجتمع المدني وجدت أن الواقع في اليمن مُغايِّر لما كنت أحمله من صورة سلبية عنه ووجدت أن صنعاء غير كابول واليمن ليس أفغانستان)..
هكذا قال الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان بعد زيارته الأخيرة لليمن ونفس الانطباع ظل يترسخ لدى العديد من الزوار لليمن سواء كانوا من الرسميين أو المستثمرين أو السواح أو غيرهم وأخرهم وفد البرلمان العربي المكلف بمتابعة المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك بهدف الدفع بها لوضعها على جدول أعمال القمة العربية القادمة في مدينة سرت الليبية وحيث حرص مضيفهم الدكتور منصور الزنداني عضو مجلس النواب نائب رئيس البرلمان العربي على التجول بهم في العديد من أحياء العاصمة ومناطقها الشعبية سواء في النهار آو في أوقات متأخرة من الليل ليبرهن لهم كيف تنعم صنعاء بالأمن والأمان وكيف هم اليمنيون طيبون وبسطاء ومحبون لضيوفهم وهو ما جعلهم يعودون من تلك الجولات ومن زيارتهم لليمن عموماً وهم مبهورون بما شاهدوا ومخيلتهم تحمل انطباعاتهم الرائعة عن اليمن البلد العربي الجميل وأهله الطيبين المضيافين.
إذاً من المسئول عن تلك النظرة السوداوية القائمة والمغلوطة والمخيفة التي رسمتها الكثير من الوسائل الإعلامية العربية والغربية لليمن وإظهاره بأنه بلد مضطرب وغير أمن تمزقه الحروب والصراعات وتستوطنه العناصر الإرهابية وتجعل منه ملجئاً أمناً لها .. ويبدو اليمن مظلوماً بتلك الصورة السلبية والمشوهة عنه التي رسمتها له وسائل إعلام ظلت تستند فيما تتناوله عن اليمن أما إلى معلومات خاطئة ومضللة اعتمدت على مصادر محلية أو خارجية ظلت تتطوع متعمدة بتقديم مثل تلك المعلومات الزائفة ولأغراض شتى ومن اجل تحقيق أهداف سياسية وذاتية لها أو سعياً من تلك الوسائل نفسها إلى التضخيم والمبالغة بحثاً عن الإثارة والشهرة وعلى حساب الحيادية والمصداقية والمهنية الإعلامية المتعارف عليها.
كما أن العجز الواضح في عدم قدرة وكفاءة وسائلنا الإعلامية مقروءة أو مرئية أو مسموعة أو حتى عبر الشبكة العنكبوتية على توصيل الصورة الصحيحة عن اليمن وحقيقة الأوضاع والتطورات والتحولات الجارية فيه أما بسبب ضعف إمكانياتها وقلة خبرة وكفاءة ومهنية كادرها أو ركاكة المضمون الإعلامي المقدم منها أو ربما نتيجة تكبلها بقيود وحواجز واجتهادات تحول دون أدائها رسالتها بشكل فعال وقادر على الوصول للآخرين والتأثير فيهم..
بالإضافة إلى عجز سفاراتنا ودبلوماسينا في الخارج على القيام بدورهم بالشكل المطلوب خاصة في التواصل الفعال مع الوسائل الإعلامية في البلدان التي يمثلون فيها اليمن أو لدى الجهات المعنية بصناعة القرار أو الرأي العام وأسوة بما يقوم به أمثالهم من الدبلوماسيين الذين يحرصون على تمثيل بلدانهم خير تمثيل من خلال العمل الدبلوماسي النشط وإقامة جسور من التواصل المستمر والفعال مع الوسائل والجهات المؤثرة في صناعة القرار والرأي العام والعاملين فيها ويتجاوزون بعملهم ذلك النمط التقليدي للعمل الدبلوماسي الذي يكاد ينحصر في القيام بإعداد التقارير والإعمال المكتبية والأداء الوظيفي الروتيني الذي تجاوزته معطيات العصر بما شهده العالم من ثورة هائلة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات..
وما من شك فان الاستهداف السياسي سواء لقوى داخلية أو إقليمية أو دولية ظل يلعب دوره في إيجاد مثل تلك الصورة السوداوية التي تحاول وعن سبق إصرار وترصد إقران اليمن بمفهوم الدولة الفاشلة أو أنها في طريقها للفشل رغم أن لا أساس صحيح يمكن الاستناد إليه للقبول بهذا المفهوم وحيث أن معايير الفشل لا يمكن ان تنطبق على دولة قائمة على المؤسسات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني النشطة ويستند نظامها المتماسك على الديمقراطية التعددية وحرية الرأي والصحافة وعلى التداول السلمي للسلطة على أساس ما تفرزه إرادة الناخبين في صناديق الاقتراع..
سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية أو منظمات المجتمع المدني ويوجد بها مؤسسة عسكرية وأمنية قوية نسبياً قياساً بإمكاناتها ولديها الخبرة وظلت قادرة على أداء دورها في حماية الاستقرار السياسي وفرض الأمن والنظام والقانون وخوض مواجهات متعددة في عدة جبهات رغم تواضع الموارد والإمكانيات الاقتصادية المتوفرة لليمن وتعدد التحديات والتهديدات التي ظلت تواجهه بشكل متزامن في أكثر من جبهة نتيجة تآمرات واستهدافات داخلية وخارجية تحركها بعض المطامع المتصلة بالصراع على السلطة بالنسبة للقوى الداخلية أو بالموقع الجغرافي (الجيوبولتيك) الحيّوي والفريد لليمن والرغبة في التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية لحسابات وأهداف وأجندات متعددة ومتباينة بالنسبة للقوى الخارجية إقليمية أو دولية مما جعل الأراضي اليمنية ساحة للصراع ولتصفية الحسابات بين تلك القوى وأجنداتها ودفع اليمن واليمنيون ثمناً فادحاً لذلك من الأرواح والممتلكات وعرقلة جهود البناء والتنمية والإضرار بالاقتصاد الوطني والاستثمارات وسمعة اليمن لدى الآخرين..
والآن ما هو المطلوب أو الذي ينبغي القيام به لتصحيح تلك الصورة المغلوطة عن اليمن التي يغايَّرها الواقع حتى وان وجدت بعض المنغصات أو الممارسات والظواهر السلبية فانه يجرى تضخيمها والتهويل منها رغم أن كثيراً منها يجري في بلدان أخرى ويتم التعاطي معه من قبل وسائل الإعلام أو مراكز الدراسات والأبحاث بصورة اعتيادية وكاستثناءات وظواهر طبيعية كما هو الحال مع ظاهرة الإرهاب والأنشطة الإرهابية التي ترتكبها عناصر من تنظيم القاعدة أو غيره..
فالإرهاب هو اليوم ظاهرة دولية لا دين ولا وطن لها وتعاني منها كثير من البلدان المتقدمة أو النامية على حد سواء ووجود بعض العناصر الإرهابية في اليمن من اليمنيين أو غيرهم من المتسللين لا يمكن أن يكون مؤشراً على وجود انفلات أمني أو عدم قدرة على مواجهة تلك العناصر فاليمن مثل غيرها من البلدان التي تعاني من تلك الظاهرة بذلت الكثير من الجهود في محاربة وضبط تلك العناصر وتقديمها للعدالة ونفذت العديد من العمليات الاستباقية ضدها ومازالت تلك الجهود متواصلة رغم حاجة اليمن الشديدة إلى العون الدولي في هذا المجال وباعتبار أن الإرهاب يهدد أمن وسلامة الجميع في المنطقة والعالم.
أن ثمة حاجة لإعادة التقيَّيم في الأداء وبذل الجهود المكثفة لإزالة التشوهات التي لحقت بصورة اليمن وسمعتها لدى الآخرين ومن مختلف الجهات والمستويات الرسمية والشعبية وفي المقدمة الدبلوماسية اليمنية ووسائل الإعلام والثقافة والانفتاح على الآخرين بمزيد من الشفافية والتفاعلية الإيجابية وقبل ذلك التخلي عن تلك الأنانية لدى البعض الذي ظل لا يشعر بمسؤوليته الوطنية إزاء كل ماله صلة بالوطن والولاء له وصدق الانتماء إليه والحفاظ على مصالحه وسمعته أو جعل اليمن أولا فوق كل الاعتبارات الذاتية والحزبية وفوق كل المطامع والطموحات والأهواء !.