اشعر بالخجل الشديد لدرجة العار والخيانة عندما اسمع أن فلانا من الناس أو فلانة تسلم/ تسلمت جائزة مالية أو شهادة تقديرية أو إشادة معنوية من سفارة دولة أجنبية عاملة في اليمن، فماذا يعني أن تُعجَبْ هذه السفارة أو تلك بما قمت أو أقوم به داخل بلدي، هل هذه السفارة أو المنظمة يهمها مصلحة وطني إلى القدر الذي يجعلها تراني في نظرها بطلا استحق الإشادة والتكريم؟؟ ومن قبلها لا من قبل وطني الذي أدعي أن كل ما أقوم به من اجله !!
إذا كنت ما أقوم به لمصلحة وطني حقاً فإنني انتظر التكريم من وطني وشعبي لا سواهم، وإن لم يكرمني وطني بأي شيء، فيكفيني أن أرى أثر ما أقوم به في عيون أبناء وطني من إشادة ودعم معنوي وتأييد وتقدير واحترام وتبجيل، ذلك التقدير والاحترام والثناء الذي أراه في عيون أهلي ومعارفي وشعبي هو سندي وذخري وهو الوسام الحقيقي الذي يدفعني لبذل المزيد من اجل وطني ومستقبل أولادي ..
فإذا كان لصالح بلدي فلن ألتفت إلي أي جائزة أو شهادة تقديرية تأتي من أي سفارة أو منظمة أجنبية، لأنه من المعلوم بالضرورة أن ليس هناك احد على وجه الأرض أكثر حبا وغيرة وتضحية وبذلا للأوطان من أبنائها، وأبنائها فقط..
أما أن تكرّمني هذه السفارة أو تلك فمعنى هذا أن ما قمت به قد خدم ويخدم مصالح وأهداف ورغبات وسياسات هذه السفارة أو تلك التي ما وجدت هنا في وطني إلا لتمثيل مصالح بلدها وحدها ولجمع اكبر وأقصى قدر من المعلومات الحساسة عن وطني وبالذات المعلومات عن الوضع السياسي والاجتماعي ومشاكله وتعقيداته والنسيج السكاني والتنوع الثقافي المختلف والمتنافر وبقية الثغرات التي يمكن الدخول منها وهي ليست في مصلحة الوطن بكل تأكيد وربما تستخدم في يوما ما ضد وطني تشهيرا أو ابتزازا بشكل أو بآخر..وتحضرني هنا مقولة الخميني حين قال : (إذا رضيت عنك أمريكا فاتهم نفسك) ..
لقد كان أستاذ الجيل العظيم الأستاذ محمد حسنين هيكل قدوة حسنة لكل الصحفيين في أوطانهم، فهذا الرجل رفض استلام الوسام من شاه إيران ومن رئيس يوجوسلافيا السابقة (تيتو) رغم انه اعز أصدقاء الزعيم العظيم/ عبد الناصر واعتذر لهم بلطف قائلا ((أنا لا استلم أي وسام من أي دولة صديقة أو شقيقة ليس لعدم تقديري لهذا التكريم من هذا الطرف أو ذاك ولكن لقناعة مبدئية أن قبولي بالوسام من غير بلدي يعني أنني كنت أخدم بغير قصد أهداف ومصالح تلك الدولة التي منحتني الوسام وهذا شعور واتهام لا استطيع احتماله أمام نفسي وبلدي وشعبي)) وعندما وضعت حرب العام 1994م أوزارها بانتصار الوحدة على محاولة الانفصال البائسة، كان للأستاذ/ هيكل حفظه الله وأمّده بالصحة والعافية موقف قومي لا ينسى مع الوحدة ضد نظام بلده لا بلده بذاتها، وأثناء زيارة الرئيس علي عبد الله صالح إلى مصر لتنقية العلاقات مع الشقيقة مصر بعد موقفها غير الموفق في الحرب اليمنية في تلك الفترة، طلب زيارة الأستاذ/ هيكل وفعلا استجاب الأستاذ للزيارة والتقى بالأخ الرئيس..
وعندما عرض عليه الأمر أن هناك مطالبة وطنية في اليمن بتكريمك للموقف القومي الذي أبديته دفاعا عن الوحدة اليمنية، فكان رده أن ذلك يسعده جدا من حيث المبدأ فالوحدة اليمنية هي الشمعة الوحيدة المضيئة في هذا الليل العربي الدامس وهي حلم صديقه ورفيق دربه الساكن في رحاب الله الآن/ جمال عبد الناصر ووقوفه مع هذه الوحدة ضد الانفصال..
إنما هو وفاء للدماء المصرية الزكية التي سالت على ارض اليمن دفاعا عن ثورته وكانت النواة الأولى والمقدمة الطبيعية لوحدته فيما بعد وانه بموقفه ذلك أرضى ضميره وشعوره القومي الأصيل من ناحية ثم هو وفاء منه للمبادئ التي ناضل من اجلها مع الزعيم العربي الذي لم يتكرر حتى الآن/ جمال عبد الناصر وان انتصار الوحدة اليمنية كان هو الوسام الحقيقي الذي يعتز به وهو الذي كان ينتظره ولا شيء غير ذلك ..
ترى متى سيتعلم هؤلاء المغرمين بالتواصل مع السفارات الأجنبية لكشف عورات وطنهم على أمل أن توجه إليهم هذه السفارات دعوة لزيارة بلدانها والإقامة فيها مع ضمان مصروف الجيب لمدة شهر لغسل دماغهم بشكل (أنظف) من أي بقايا للروح الوطنية وليتحول بعد ذلك مجرد عميل يتتبع عورات وطنه أو حتى يختلقها مقابل أن يرسل بتقرير شهري منتظم ليضمن استمرار المخصص الشهري أو المكافأة على قدر قذارة التقرير في التشنيع والتشهير بوطنه، يا هؤلاء اخجلوا من أنفسكم قليلا ومن دينكم ووطنكم وشعبكم وانتم تمدون أيديكم لاستلام تلك اللفافات القذرة المسمى شهادات تقدير، ألم تسألوا أنفسكم لماذا تكرمكم هذه السفارات أو الهيئات والمنظمات؟؟
الم تراجعوا أنفسكم فيما تقومون به بعد هذا التكريم المشبوه والمريب هل هو من اجل الوطن أم من اجل أوطان هذه السفارات، قفوا مع أنفسكم وقفات خلوة ومراجعة صادقة مع الذات هل ما تقومون به من أجل أن تكرمكم هذه السفارات أم من اجل أن يكرمكم وطنكم وشعبكم، إذا كان من اجل وطنكم وانتم صادقين مع أنفسكم فلماذا تقبلون على أنفسكم هذا الاتهام الخطير أنكم تخدمون غير بلادكم..
وإذا كنتم تخدمون وطنكم كما تعتقدون لن تلفت إليكم مطلقا مثل هذه السفارات المعروفة بعدائها الشديد ودسائسها لكل أوطان الدنيا بلا استثناء اللهم الكيان الإسرائيلي وهذا شرف كبير لكم وبراءة لضمائركم أمام أنفسكم أولاً ووطنكم وشعبكم ثانيا وثالثا من الارتهان لهذه السفارات، لأن ذلك ليس من شأنها تكريمكم ولا وجدت من اجل أن تتواصل معكم، انتم الآن في قفص الاتهام الوطني كما قال الأستاذ/ هيكل وهل احد منا يستطيع المزايدة على أستاذ الجيل العربي/ هيكل في إخلاصه لوطنه وقوميته العربية والإسلامية وحتى في صدق وصفاء ونقاء مشاعره الإنسانية العالمية؟؟ أتمنى مخلصا أن لا اسمع في قادم الأيام إن شاء الله أن هناك من تم تكريمه من قبل أي سفارة أجنبية فذلك هو العار وتلك هي الخيانة الوطنية في أبشع صورها ووسائلها.