إلى الآن لا زلت أعتبر الحراك الشعبي في المحافظات الجنوبية والشرقية دعوة ملحة لبناء الدولة في اليمن وإعلاناً قوياً بقدرة الشعب على صنع المفاجأة..
شعارات التشطير، أعلام الانفصال، أحجار التقطع، مشاعر الاصطفاف المناطقي.. كل هذه أشياء تذوب وتعالج بمجرد تصحيح الأخطاء وتطييب النفوس..
الحراك ظاهرة منعشة لأناس وجدوا أنفسهم سنوات بلا عمل.. كما مثل كذلك فرصة للتصالح والتسامح بين أهلنا في الجنوب. ولاشك أن تجربة التصالح ستكون هي الأرضية التي تزال وفقها، لاحقاً، مشاعر الاحتقان تجاه ما هو شمالي.
الحراك قام بتعرية الحزب الحاكم والمعارضة، وأغرى ساسة القرفصاء على النهوض وركوب الموجة، وكذلك أشعل جملة من التصاميم الرائعة على شبكة النت، سواء تلك التي تدعو للانفصال، أو تلك التي تذب عن الوحدة.
إلى ذلك ثمة أشعار وأسمار وزيارات ونجوم بزغوا وأغان رددت.. وهذا كله (بصرف النظر عن وجهته) دليل انتعاش وحياة، وبرهان ساطع على أن الشعب قادر على ملء الفراغ الذي خلفته السلطة.
من جهة رابعة.. الحراك بنظر خبراء الاجتماع هو دليل على أن أبناء المحافظات السبع صاروا يتأكدون من قدرتهم على الرفض دون أن يلحقهم عقاب..
جماهير الرفض في جنوب الفؤاد يقرأون كل ما يقع في أيديهم، ويتواصون بعدم التأثر، ويتفننون في إدهاش الجميع وإغاضة الجميع، وإمتاع الجميع..
إنهم عارمون، وعازمون على تغيير مزاج اليمن، وعلينا أن نساعدهم في ذلك، وأن نتفهم أوجاعهم، وأن نثني على كفاءتهم في التماسك وإلهاب الحماس.
بسببهم عاد الكثيرون إلى بطون الكتب ومغاور التاريخ منقبين عن كل ما يحفظ اليمن من الزوال في مهج القادمين الجدد، شعباً واحداً، ماكان له أن يلتئم وينشطر ويتوحد ثم يدعو للانفصال، لو لم يكن في الأساس، شعبا واحدا!
أقول: لقد أحدث الحراك انتعاشة في نفوس جماهيره من الصعب عليهم الاستغناء عنها حتى وإن تم تلبية جميع المطالب.. لذا لابد من ثورة حقيقة تلمس شغاف كل فرد.. ثورة يتغير معها حاله المعيشي، وتزدهر جوانحه بغناء جديد وأشواق زاهرة..