الأربعاء الماضي كنت في زيارة عمل خاطفة إلى عدن وبعد انتهاء مهمتي كنت مارا بالصدفة في منطقة (خور مكسر) حيث كان هناك حفل افتتاح معرض الكتاب الذي (نظمته الهيئة العامة للكتاب في اليمن ) فقادني الفضول إلى الدخول لمعرفة الجديد في هذا المعرض الذي يدل على عدم التخطيط وربما التعمد في التوقيت لإقامة هذا المعرض بالذات على أهميته..
حيث سيكون المعرض التالي في تعز بعد عدة أسابيع فقط والذي تقيمه "مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة" سنويا بالتوازي مع تسليم جائزة المرحوم / هائل سعيد انعم للعلوم والثقافة وبانتظام في 27 ابريل من كل عام منذ أكثر من سبع سنوات وبمشاركة كبريات دور النشر العربية، فلماذا هذا التصرف غير المفهوم من الهيئة رغم التواصل معها ومطالبتها بعدم إفساد مثل هذه المعارض الهامة وقتلها بسوء توقيت مواعيدها؟
حيث يفترض أن يكون الفاصل الزمني بين كل معرض وآخر لا يقل عن ثلاثة أشهر على مدار السنة في المدن الرئيسة الكبرى وهذا ما نتمنى تفاديه من قبل الهيئة مستقبلا وكان يفترض أن يكون معرض عدن في يناير الماضي أو في يوليو القادم..
لأن في هكذا وضع سيؤدي إلى تواضع الإقبال الجماهيري بسبب المواعيد المتقاربة، نرجو من الدكتور العزيز/ فارس السقاف لأنه أكثر حرصا على نجاح مثل هذه المعارض النوعية هكذا نحسبه إعادة النظر في التوقيت في المرات القادمة إن شاء الله..
على العموم المعرض كان جيداً في بساطته مع غياب واضح لدور النشر الكبيرة المعروفة، ولكن الجديد فيه كان وجود ندوة على هامش المعرض نظمتها (الهيئة الوطنية للتوعية) عن واحدية الثورة اليمنية للباحث والمحلل السياسي الدكتور/ كمال البعداني الذي اشتهر بحواراته الهادئة وحججه القوية في الفضائيات العربية مثل:المستقلة والعربية والفضائيات اليمنية وغيرها.. وبعد الاستماع للباحث تبين لي كم كانت الندوة متميزة عن ما سمعت من قبل باستثناء تلك المحاضرة الخالدة للشهيدين "علي عنتر وصالح مصلح" في عام81م في (عدن) التي طالعتنا القناة الأولى ببعض المقتطفات منها لكلا الرجلين وهما يتحدثان عن واحدية النضال والكفاح في الشطرين كمقدمة أولى للوحدة اليمنية في الستينات..
لذلك فقد كانت محاضرة الدكتور/ كمال البعداني من هذا النوع الذي لا ينسى بمجرد سماعه أو عند الخروج من المحاضرة في أحسن الحالات، هذه المحاضرة كانت عن واحدية المعاناة السياسية غير المسئولة منها والمسئولة، حيث تميز المحاضر في التقاط التواريخ المتشابهة في الشطرين فأوصلنا إلى نتيجة حتمية انه كان لا يحدث شيء في هذا الشطر إلا ويكون رجع الصدى له في الشطر الآخر، فبعد أن كانت ثورة أكتوبر63م في الجنوب صدى لثورة سبتمبر 62 م كان هناك تماثل شديد للأحداث في الشطرين بعد ذلك..
فمثلا اندلاع القتال بين رفاق السلاح في نوفمبر67م في الجنوب شابهه اندلاع القتال بين رفاق السلاح في أغسطس68م في الشمال، ثم إن الثورة أطاحت بأول رئيس جمهورية في الشمال عام 67م باسم التصحيح، تخلصوا في الجنوب من أول رئيس بعد الاستقلال بنفس المبرر في 22يونيو69م، وفي الجنوب تخلصوا من رئيس الوزراء (هيثم) عام 70 بمبرر انه كثير الاعتدال وفي الشمال تخلصوا من رئيس الحكومة (العيني) مطلع السبعينات بمبرر انه كثير التشدد..
وفي الشمال حدث اغتيال للشهيد الحمدي في أكتوبر77 م وفي الجنوب اغتالوا (سالمين) في يونيو 78 م وفي الشمال فان الذي قاد الانقلاب ضد الرئيس (السلال) عام 67م قدم استقالته وسافر إلى المنفى في يونيو 74م وفي الجنوب فان الذي قاد الانقلاب ضد الرئيس(سالمين) في يونيو 78م قدم استقالته وسافر إلى المنفى عام 80 م لكن يظل الأغرب والذي لا يوجد له مثيل هو أن أول من أيّد الانفصال لحظة إعلانه كان (بدر الدين الحوثي) في أقصى الشمال، وأول من رفض الانفصال لحظة إعلانه ومن قلب (عدن) هو الفقيد الوحدوي العظيم طيب الذكر الأستاذ/ عمر الجاوي يرحمه الله.. مما يؤكد أن الانفصال والوحدة لم يكن بين شمال وجنوب بل كان بين ثقافة وحدوية أصيلة صادقة ومخلصة لوطنها الكبير وشعبها الواحد وبين ثقافة استئثار واستعباد وتملك وعنصرية سلالية قذرة ولو على يهلك الوطن والشعب بأكمله..
وكان مسك الختام، استشهاد المحاضر بأبيات من قصيدة وحدوية قالها اللواء/ ثابت عَبِد حسين اليافعي، من فوق جبل (نُقُمْ) أثناء حصار السبعين وهو في متراسه يقاتل دفاعا عن صنعاء من السقوط حيث استدل بها المحاضر مؤكدا على واحدية الثورة ودفاع أبناء اليمن جميعا عن العاصمة ومنها هذه الأبيات الوحدوية الرائعة:
اقسم برشاشي واقسم بكل جندي استشهد ومات من أجل غدي...
اقسم بحاضرنا وماضي أجدادنا...
الموت دونك يا سعيدة لتسعدي...
وتحقق الوحدة أمل أجيالنا...
بها سعادة شعبنا فتوحدي...
لكن هذا البطل الوحدوي لم تكتب له الشهادة أثناء الحصار بل كتب له أن يرى النصر المؤزر واندحار الأعداء مهزومين مخذولين، ثم استشهد في مكتبه في عدن في أحداث 13 يناير المؤسفة وكان نائبا لرئيس جهاز امن الدولة بعد حصار دام أكثر من ستة أيام بعدها أزهقت روحه الطاهرة وفاضت إلى باريها، وكم كانت المفاجأة أن ابن الشهيد كان حاضرا في المحاضرة فما كان منه إلا أن ذرفت عيناه بالدمع وقام لمعانقة المحاضر بعد انتها المحاضرة مباشرة..
الجميل انه قدمت أسئلة واستفسارات للباحث في نهاية الندوة من قبل الحاضرين وكانت أخواتنا النساء أكثر تميزا وحضورا في مداخلاتهن من بعض إخواننا الذكور.. وقد تميز الدكتور/ البعداني في الردود على الأسئلة الموجهة إليه بأسلوب يجمع التاريخ والفكاهة ولا يبتعد عن الإجابة للسؤال مما أشاع جو من الارتياح والبهجة بين الحاضرين..
فتحية للهيئة الوطنية للتوعية لحسن اختيارها لسفرائها في معرض (عدن) الدولي للكتاب وفي ذلك فلتنافس المتنافسون.