أقامت حافة الحوطة بسيئون (شرقي اليمن ) في المركز الثقافي للحافة بحي الحوطة، وضمن احتفالاتها بمطلعها السنوي وتزامنا مع تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م وبالاشتراك مع اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين ندوة عن تأثير واحتفائيات الحضارم في المهجر وذلك مساء يوم الخميس 16ربيع الآخر 1431ه الموافق 1إبريل 2010م.
كان موعد الندوة الساعة الثامنة لكنها بدأت حوالي الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة. وغاب بعض المتحدثين الرئيسين معتذرين بوجودهم خارج مدينة سيئون، وكان حديث آخرين ليس عن صلب الموضوع وإنما عن الجمعيات الحضرمية في شرق أفريقيا وبالأخص في عاصمتي كينيا وتنزانيا، وإن كان العمل الخيري جزء من احتفائيات الحضارم، لكنه ليس كل الاحتفاء.
وكان حديث الأستاذ القدير علي بن أحمد بارجاء الذي على ما يبدو كأنه هو الذي اختار عنوان المحاضرة، إلا أنه رغم ذلك قرأ علينا جزء من أطروحته للماجستير تحدث فيها عن عادات بعض الحضارم في المهجر (اندونيسيا وسنغافورة) وفي احتفائياتهم ب: (موالدهم ومآتمهم وزيارتهم للأضرحة) تحديدا.
ولا اعتقد أن ما طرحه يحقق شيئا من الهدف الذي أبرز في عنوان الندوة على الأقل حسب تقديري، لو كان عنوان الندوة: تأثير واحتفائيات الحضارم على بعضهم البعض في المهجر لربما خدمت الهدف تلك الأمثلة من القصائد وفرص اللقاء والوصل في المآتم والموالد لكون الناس في المهجر منهمكين في أشغالهم.
أما أن تأثر على بيئات المواطنين الأصليين وتشكل ثقافتهم وتعيد ترتيب أولوياتهم فلا أحسبها!؟ قولوا لي بربكم: هل انتشر الإسلام في البيئات في جنوب شرق آسيا بمجالس يلقي فيها الشعراء قصائدهم بلغة لا يعرفها السكان الأصليين؟ أم انتشر الإسلام وحدثت تلك التحولات بسبب خدمة تلك المجتمعات اجتماعيا في المجالات التعليمية والصحية؟ وحمل مشاعل الفكر والثقافة الإسلامية بيد أُناس جاؤا يحملون قيما يمثلون هم القدوة في تطبيقها، وتعميق قيم:
• التنافس في فعل الخير والتسابق إلى ذلك شعارهم: ( فاستبقوا الخيرات )
• والمساواة وعدم التفاضل إلا بالتقوى شعارهم: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
• إلى جانب توحيد الرب الواحد الخالق البارئ المصور، ونبذ الشريك والند والنظير. وصرف كل أنواع العبادات له وحده لا شريك له: ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)
• تلك التي حددها ربعي بن عامر رضي الله عنه في خطبته التاريخية أمام رستم قائد جيوش الفرس حين قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. أو: إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
لقد حضرت أحمل في رأسي أفكارا وتساؤلات حسبتُ أن الندوة سوف تجيب عنها مثل: لماذا نجح الحضارم ثقافيا في اندونيسيا فأقاموا مجتمعا إسلاميا وفرطوا مثلا في الهند فضاعت حضارة الإسلام هناك إن لم أقل كما قال الشيخ محمد الغزالي غفر الله له: انتحرت حضارة الإسلام هناك، التي قامت في الهند منذ العهد الراشدي زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه، حين فتحها المسلمون بقيادة القاسم بن محمد الثقفي غفر الله له، وتناوب إدارتها المسلمون المغول بعد ذلك وأقاموا على أرضها حضارات إسلامية في غاية الروعة حتى العصور الحديثة؟ واليوم تتناهش الهند الخرافات والمعتقدات حتى بين أوساط بعض مسلميه للأسف كما ينهش الجهل والتخلف خاصة المسلمين هناك ما هذا؟
لماذا فشل الحضرمي هنا بينما نجح في جنوب شرق آسيا؟طبعا لم يعرِّج أحد من المتحدثين عن المهجر الحضرمي في الهند وقد نبههم إلى ذلك زميلي الأستاذ عبد الرحمن محمد السقاف والأستاذ جعفر بن محمد السقاف.
كما أن أثيوبيا أو الحبشة بشكل عام (والتي تعني: الصومال وجبوتي وإرتريا وأثيوبيا حاليا) والتي يطلق عليها اليوم شمال شرق أفريقيا أو كما يحلو للبعض تسميتها بالقرن الأفريقي أحق بالحديث عنها كما نبه بعض المعقبين. كون هذا الإقليم بموقعه الإستراتيجي في غاية الأهمية فهو: همزة الوصل بين المحيط الهندي وقلب أفريقيا، وبؤرة صراع عنيف بين شعوبه بل وقبائله وحكوماته، وهو اليوم لقمة سائغة للأطماع الاستعمارية الغربية. والإسلام توغل فيه منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. وفي القرن الثالث عشر الميلادي اتسع انتشار الإسلام فيه، وظهرت ممالك إسلامية أعرقها مملكة (شوا) ذات الأصول العربية. وبرزت في زيلع ومقديشو وجما وبالي مراكز إسلامية.. ومع ذلك فهي اليوم من أكثر دول العالم تخلفا ثقافيا رغم أن تأثير الحضارم عليها واضحا فقد كانت الهجرات تتم إلى ميناء زيلع حيث العاصمة الدولة الحبشية ولا شك أنها تمر من حضرموت أو عدن، وهي تعتنق المذهب الشافعي والطرق الصوفية؟؟
على سبيل المثال: أثيوبيا أغلبية سكانها مسلمون 40 مليون من 67 مليون نسمة أي أن نسبة المسلمين 75% والناظر إلى جموع المصلين الذين يرتادون المساجد في العاصمة أديس أبابا يوم الجمعة يحسب أن سكانها جميعا مسلمين. غير أن الحضور الإسلامي والثقافة الإسلامية متنحية هناك ولا زالت خافتة وضئيلة، والكثير من الكتاب يعدها دولة نصرانية مسيحية للسيطرة المسيحية القوية على الحكم والثروة والسلطة؟؟ ألا ترون أنه وضع بحاجة إلى تصحيح؟ أين دور الحضارم المقيمين هناك منذ مئات السنين؟ وإذا ما علمت بأن نسبة المسلمين المتعلمين لا تتجاوز 13% وفي جامعة أديس أبابا نسبتهم 4% فقط من 40ألف طالب زاد عجبك؟ وتعد مجلة (بلال) كبرى المجلات الإسلامية هناك إلا أن قراءها قليل؟.
فإذا ما جئنا إلى إرتريا لوجدنا أن نسبة المسلمين 60% من إجمالي السكان وهم سنيون شافعيون ومع ذلك ليس لهم تأثير ثقافي يذكر لأن نسبة المتعلمين منهم لا تتجاوز 10% ما هذا أين المهاجرون الحضارم الذين عاشوا ويعيشون هناك؟
فإذا ما انتقلنا إلى شرق أفريقيا ففي تنزانيا نسبة المسلمين 66% وفي كينيا ما بين 45 55% ومع ذلك فالدور الثقافي الإسلامي لا زال ضعيفا فأين نحن ألا ترون أيها المنظمون والمحاضرون هذه المفارقات العجيبة بين الجهد الحضرمي في جنوب شرق آسيا (اندونيسيا) وبين هذه المهاجر؟ ألا ترون هذا يستحق الوقوف عنده؟ إذن فالسؤال الذي لا زال يحيرني: لماذا نجح الحضرمي في إعادة بناء المجتمع في جنوب شرق آسيا وبالأخص في اندونيسيا ثقافيا في حين فشل فشلا إلى حد ما على الأقل في الهاجر الأخرى في شبه القارة الهندية وشرق أفريقيا وشمال شرقها؟ من يتبرع بحل هذا اللغز الذي يحيرني؟