آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

السر المكنون في رفع الرسوم

فاجأتنا الحكومة في اليمن برفع الرسوم لـ71 سعلة أسمتها غير أساسية ومستوردة بين 5 إلى 15 بالمائة وتزامن ذلك مع هبوط الريال أمام الدولار بنسبة 15 بالمائة أيضا، وهي بذلك وضعت الغلابا ومحدودي الدخل أمام خيارين أحلاهما مر، كما يقال، إما أن "يتكعفوا" الزيادة مرتين الأولى برفع الرسوم والثانية بهبوط الريال أمام الدولار..

وإما يمتنعوا عن شراء تلك السلع لأجل خاطر الحكومة بأنها سلع لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد ساعدتهم الحكومة بعملية الإقناع بأن قالت أن تلك السلع غير أساسية ومستوردة ووصفتها بأنها سلع ترفيهية.. يا للعجب!! وبررت الحكومة أنها تريد حماية السلع المحلية والقضاء على فوضى الاستيراد بمنع الاستيراد من غير بلد المنشأ.

وبرغم أننا محدودي الدخل وغلابا لا نستطيع شراء السلع الأصلية ونبحث عن المقلدة والرخيصة، ونريد أن نعيش كيفما اتفق ولسان حالنا يقول: "مشي حالك"، لكننا مستعدون أن نقف مع الحكومة في الحد من فوضى الاستيراد ولن نشتري أية سلعة إلا إذا كانت قادمة من بلد المنشأ.. فقط كنا نريد أن تقنعنا الحكومة أن رفع الرسوم على الـ71 سلعة من أجلنا وحماية لمنتجاتنا الوطنية أو أنها تريد أن توفر علينا شراء تلك السلع ونحن مستعدون أن نطبخ طعامنا بالماء بدلاً عن الزيوت، وأن ننظف أجسامنا وملابسنا بالتراب بدلاً عن الصابون، وسنقول لنسائنا في البيوت لا داعي للبصل والثوم فروائحهما منفرة، أما الزبادي الذي هو وجبتنا نحن الفقراء والغلابا فسوف نستميت بإقناع نسائنا وأولادنا بأنه سلعة ترفيهية - كما قالت الحكومة.

لكن الحكومة قالت إن رفع الرسوم على السلع من أجل حماية المنتجات المحلية، وإن منع الاستيراد إلا من بلد المنشأ لتصحيح فوضى الاستيراد.. ولم تقل لنا الحقيقة. والحقيقة أنها – أي الحكومة – برفع الرسوم على السلع لا تحمي المنتجات الوطنية ولا تصحح فوضى الاستيراد وإنما بدأت في تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي واشتراطات الدول المانحة التي طالبت بتصحيح ميزان المدفوعات بينها وبين اليمن وربطت تقديم مساعداتها والإيفاء بتعهداتهم المالية ومواصلة الدعم بوضع حلول لبضائعها التي تتكدس في السوق اليمنية والتي لم يتم استيرادها من بلد المنشأ مباشرة، حيث ظهر ميزان المدفوعات في تلك الدول بالسالب لأن المستورد اليمني يشتري تلك السلع من بلد آخر والحكومة برفع الرسوم على السلع تبحث عن الدعم الخارجي وزيادة الإيرادات ولا يهمها ما سيتحمله الناس الغلابا؛ فهي تريد أن تأكل باليدين الدعم الخارجي والزيادة في الرسوم ووضعت محدودي الدخل والغلابا أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما أن يتحملوا الأعباء أو أنهم لا يفكرون بشراء تلك السلع، وهذه لعمري طامة كبرى حلت على محدودي الدخل والغلابا.. أما من يملك الثروة والقادر فسيشتريها مهما كان سعرها سواء كانت مستوردة أم مصنعة محلياً.

وتزامن رفع الرسوم على السلع مع انخفاض الريال مقابل الدولار، وهذه طامة كبرى أخرى كتمت أنفاس محدودي الدخل والغلابا؛ لأنها أدت إلى ارتفاع الأسعار بنفس نسبة هبوط الريال أمام الدولار، وهنا ارتفعت الأسعار مرتين الأولى برفع الرسوم والثانية بارتفاع سعر صرف الدولار مثلاً أي منتج كان سعره 3500 ريال وضريبته 5 بالمائة سابقا بمقدار 175 ريالا فبعد رفع الرسوم إلى 15 بالمائة تصبح الزيادة 700 ريال والمصاريف الإضافية والأرباح فيصبح سعره 4500 ريال، وبهبوط سعر الريال أمام الدولار من 200 ريال للدولار إلى 230 ريالا فإن الزيادة بمعدل 15 بالمائة وهي نسبة ارتفاع في الأسعار وبالتالي فإن سعر المنتج سيرتفع مرة أخرى من 4500 ريال إلى 5175 ريالا وهكذا بقية السلع.

ندعو الحكومة وجهابذتها من رجال الاقتصاد إلى الاستفادة من تجارب الحكومات الفقيرة المماثلة لنا مثل الأردن التي لجأت إلى تخفيض رواتب كبار المسؤولين الحكوميين، وشد الحزام بتخفيض الإنفاق في الجوانب غير الأساسية، ودول أخرى مثل عمان التي شنت حملة قوية على منابع الفساد وحاكمت عددا من كبار المسؤولين قبل فترة، ودول أخرى لجأت إلى ترشيد الإنفاق واتخذت إجراءات قاسية ضد البذخ وإهدار المال العام وقننت الهبات والمصروفات وفتحت نوافذ الاستثمار بتقديم تسهيلات مغرية ونوعت مصادر دخلها اعتماداً على ثرواتها فدولة مثل تونس وضعت كل ثقلها للاهتمام بالسياحة وتجاوب معها الشعب وأصبح دخلها من السياحة يفوق دولا كبرى في المنطقة..

فلماذا لا تضع حكومتنا كل ثقلها للاهتمام بالزراعة وتسويق المنتجات الزراعية إلى دول الجوار فقط بمواصفات تنافسية وبالثروة السمكية اصطيادا وصناعة وتسويقا بالسياحة ترويجاً وبنية تحتية، واليمن حباها الله بمميزات سياحية قل أن توجد مثلها في أية دولة في المنطقة بدلاً من اللجوء إلى رفع الرسوم على السلع والخدمات التي تثقل كاهل محدودي الدخل والغلابا وتزيد من نقمتهم عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى