عزيزي المعلم.. وأنت تقوم بتدريس التلاميذ وتقديم المعلومات التي تضمنها الكتاب المدرسي لهم يصادفك كم هائل من المعلومات والمفاهيم والحقائق التي ترى ألا ضرورة ملحة لتعليمها للتلاميذ لكونها متقدمة ولا تتناسب مع سنهم وتطورهم العقلي والوجداني في كثير من الأحيان.. معلومات لا تدري لماذا وضعت في الكتاب المدرسي ولماذا يجب أن تدرس للتلاميذ..
وهنا فإنك تقف حائراً وتنتهي من حيرتك بأن تقوم بتنفيذ ما هو مطلوب في الكتاب وتقيمه للتلاميذ، وأنت مقتنع ألا جدوى حقيقية من حفظ التلاميذ لكثير من تلك المفاهيم والحقائق والمعلومات.
ويلاحظ ولي الأمر المتابع لابنه والمطلع لما هو موجود في الكتاب المدرسي نفس ما قد لاحظه المعلم سابقاً.. ويتساءل لماذا يدرس ابني كل هذه المعلومات؟ وما فائدة حفظه لها؟.. وتحت ضغوط الامتحانات يكلف المعلم، ويحث ولي الأمر التلميذ على حفظ ما هو موجود في الكتاب.. ويتجرع التلميذ حفظ الكثير من المفاهيم والحقائق والمعلومات وهو في حقيقة أمره لا يعي منها وعياً حقيقياً إلا القليل وخير مثال على تلك المعلومات كتب العلوم والاجتماعيات.
إن التدريس بهذه الطريقة يقوم على المعرفة وضرورة أن يحفظها التلميذ وأساس نجاحه في المادة الدراسية هو الحفظ فقط بصرف النظر عما إذا كانت تلك المعرفة قد تركت أثراً في سلوكه أم لا. ويلاحظ على هذه الطريقة عدم النظر إلى التلميذ وعدم الاهتمام بميوله واهتماماته ومشاكله ولا تهتم بتفاعله ونشاطه في العملية التعليمية.
وبالرغم من أن المناهج في بلادنا قد حاولت الابتعاد عن هذه الطريقة وقامت بتضمين المقررات الدراسية لبعض الأنشطة من أجل الاهتمام بنشاط التلميذ وإشراكه في العملية التعليمية، إلا أن تلك المحاولة قد ولدت ميتة، فالمادة العلمية التي تضمنتها المقررات الدراسية فقد جاءت وفق ميول واتجاهات واضعي تلك المناهج، ونرى كم هي بعيدة عن تطور ونمو التلاميذ وغير متناسبة في كثير من المواضيع التي تطرقت إليها إلى مراحل التلاميذ العمرية، وغير متناسبة أو ملبية لحاجات البيئة المحلية، وإن كانت قد تضمنت مجموعة من الأنشطة والفعاليات من المفترض أن يمارسها التلميذ ولكنها غير قابلة للتنفيذ في كثير من الأحيان لعدم توفرها ولكثافة المقررات الدراسية ولعدم توضيح الفائدة المرجوة منها للمعلم، لذا فهي قد وجدت في الكتاب المدرسي للديكور فقط.
إن العملية التعليمية اليوم ومن أجل أن تؤتي ثمارها وتحقيق المقصود منها وهو مساعدة التلاميذ على تحقيق النمو الشامل وتعديل سلوكياتهم بالاتجاه المرغوب فيه لن يكون بمجرد حفظ المعلومات والمفاهيم والحقائق فقط وإنما في استيعابهم واقتناعهم بها وتمثيلها سلوكاً لهم في الحياة.
ولعلنا هنا ندرك سبب انتشار المخالفات الشرعية التي يرتكبها التلاميذ من كذب وسرقة وغش وعقوق وتهاون في أداء الصلاة... الخ، بالرغم من أنهم يتعلمون هذه المفاهيم تقريباً كل سنة دراسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويحفظون آيات وأحاديث متعلقة بحرمة هذه الأمور.. ولذا فإن المعلم يقع عليه عبء كبير يتمثل في :
• فهم دوره الحقيقي في العملية التربوية والتعليمية، وهو أنه ليس مجرد ناقل للمعلومة للتلاميذ فقط، وأن نجاحه في أداء رسالته ليس مرهوناً بنجاح التلاميذ في حفظ مادته. وإنما دوره الحقيقي الذي يفتخر به هو في مدى مساعدته في تعديل سلوك تلاميذه وتنمية قدراتهم العقلية وإثبات شخصياتهم واكتشاف مواهبهم.
• عليه أن يطلع على المقرر بعين الفاحص الخبير ليختار منه ما يتناسب مع بيئة التلاميذ وما هو مناسب لتحقيق الأهداف المراد منه.
• ألا يثقل على تلاميذ بالحفظ النصي للمعلومات، بل يكفيه أن يرى مقدار ما فهمه التلميذ ليحكم على مستواه، فما يحفظ دون فهم يوشك أن ينسى.
• أن يكون همه ليس في أن يحفظ التلاميذ مواضيع المادة التي يدرسها، بل في تحقيق أثر تلك المواضيع في سلوكهم وشخصياتهم.
• أن يكون على علم ودراية أن قدرات التلاميذ على اكتساب المعرفة تختلف من تلميذ إلى آخر، بالبعض يكتسب المعرفة بالسمع فقط، والبعض بالسمع والرؤية، والبعض يحتاج أيضاً إلى الممارسة ليستوعب المعلومات.
• أن يراجع المقرر ليكشف مواطن القوة فيه ليستفيد منها ويعززها، ومواطن الضعف أو النقص ليتواصل مع الجهات ذات العلاقة حول ذلك، وهو ما يسمى بنقد المنهج.
• أن يحاول قدر استطاعته أن ينفذ الأنشطة الموجودة في الكتاب المدرسي لضمان مشاركة وفعالية التلاميذ في العملية التربوية والتعليمية ولما فيها من إبعاد للملل وتجديد للنشاط.