عندما قرأت التقرير الشجاع الذي قدمته لمجلس النواب اللجنة الخاصة بتقصي الحقائق حول الأراضي في محافظة الحديدة (غربي اليمن) تفاجأت عندما عرفت ماذا تعني بعض المصطلحات التي لم أكن ألم بحسابها..
وعندما رأيت البعض يضع يده على "عشرين الف معاد" اعتقدت أن المعاد شيء يقارب المتر في الحساب.. ولكن عندما نبهني بعض الأخوان في مقيل ببيت العزيز/ نصر طه بأن المعاد هو 98 لبنة واللبنة تساوي 44 متراً مربع قمنا بعملية ضرب في حاسبة تلفوني لنعرف كم تساوي العشرين ألف معاد فعجزت حاسبة تلفوني عن الوصول إلى نتيجة. لأن الرقم أكبر من قدرتها الاستيعابية..
فحاول الصديق يحيى الثلايا مساعدتي بحاسبة تلفونه (لأنها أكبر) إلا أنها أيضاً عجزت عن العد، فلجأنا للحساب يدوياَ لنكتشف بأن هواتفنا ربما صدمت من حجم الرقم إن لم تعجز!! فقد أتضح بأن أحدهم، كما ذكر التقرير، يملك بحوزته (2000000) اثنان مليون لبنة في الحديدة، ومثله ثان ولثالث.. كما ذكر التقرير!!
وبالصدفة كان معنا مهندس في الأشغال العامة أفادنا بأن مساحة العاصمة صنعاء تساوي أربعة مليون ونصف المليون لبنة (4500000)، أي أن شخصان اثنان في يسيطرون في الحديدة على مساحة تساوي مساحة العاصمة كاملة.. وقد أبلغني أحد أعضاء اللجنة البرلمانية بأنه قام بتصفير عداد سيارته أثناء الإطلاع على أرض من المنهوبات "فلف عليها لفة واحدة ليكتشف أنها ستين كيلو متر".
الآن بدت لي بعض أسباب تحفظ الدول الخليجية على دخول في مجلس التعاون الخليجي.. فكثير من هذه الدول لا تمتلك أراضي تضع سيادتها عليها بحجم ما يضع عليه يده بعض ناهبو أراضي الدولة والمواطنيين في الحديدة.. حيث أن حجم بعض هذه الدول يعد أصغر حجماً من تلك المساحات.. وأمراء هذه الدول لن يجازفوا بدولهم التي بالكاد قد تشبع رغبة الجشع لدى بعض ناهبو الأراضي اليمانيون.. وأعتقد أن التقرير قد يكون ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِخطوة في اتجاه انضمام اليمن اليهم..
والأعظم من هذا انه بموجب اتفاقية البحار الدولية فان خمسة من النهابين الكبار لأراضي تهامة سيكون لديهم اكثر من نصف المياه الإقليمية للجمهورية اليمنية بالبحرالاحمر وقد يدخلون اليمن في ازمة دولية مع جيرانه المائيين.. ناهيك عن أنهم قد يبطلون حكم المحكمة الدولية الخاص بالنزاع على جزيرة حنيش بين اليمن واريتريا..
بل ان مضيق باب المندب الذي يعتبر من أهم الممرات الدولية قد يقع جزء منه في المياه الاقليمية للاراضي المنهوبة من قبل قراصنة "البر".. ولحيوية البحر الأحمر وحساسية موقع باب المندب فقد تتدخل الدول الكبرى لحماية مصالحها في المنطقة بل ان "قراصنة البر" في اليمن قد يبرمون اتفاقاً مع "قراصنة البحر" الصوماليين لحماية منهوبات بعضهم البعض، وتصبح السيادة في جنوب البحر الاحمر وخليج عدن خاصة بقراصنة البحر والبر..
وباعتقادي أيضا، أن هؤلاء الذين أصيبوا بمرض نهب الأراضي اللعين في كل مكان، قد استباحوا الدنيا: فنجد أنها نفس الأسماء في عدن وفي لحج وفي الحديدة وفي كل مكان وبعد أن أكملوا البسط على أراضي الدنيا أعتقد بأنهم يفكرون بالبسط على أراضي "الآخرة".. وهم يستعدون لذلك اليوم ليستحوذوا على أكبر قدر ممكن من المساحة..
ورغم ما يقال عن المساحات الهائلة التي تعطى للمؤمنين في الجنة، إلا أنها قد لا تكفي بعضهم، فيما لو شمله العفو عن ما بسط عليه في الدنيا ودخل الجنة.. كما أن هؤلاء الذين يتسابقون على وضع أيديهم على مساحات هائلة نسو أن المساحات التي نهبوها في الدنيا، ستكون نفسها، سبب تأخرهم.. إذا أنهم حتى لو تم العفو الإلهي عنهم سوف يتأخرون كثيراً بعد جميع البشر فوق الصراط حتى تكمل الملائكة حصر تلك الأراضي التي نهبوها وبالطبع سيحتاجون وقتاَ طويلاَ ويكون بقية البشر قد سبقوهم إلى المساحات الأوسع في الجنة أو في النار.
إنني عندما أتأمل في كل هذا وأتذكر أيضاَ أولئك المشائخ من العصيمات الذين وجدتهم قبل عامين في فندق عدن وسألتهم ماذا تفعلون هنا قالوا لي بلهجة فيها الحزن! (نتشارع إحنا وأصحاب جهم على أراضي في الحسوة)!..
أقول: أن لم يكن هؤلاء يخافون الله، أفلا يعتبرون ويحسون بأدنى خجل أو واجب أمام النظام الذي أعطاهم كل شي ويفترض بهم أن يكونوا عوناَ له ويخففوا عليه ضغط الوضع في البلد والمشاكل التي تتنامى كل يوم هنا وهناك؟!
أليس حرياً بهؤلاء الذين نهبوا تهامة وعدن ولحج أن يقتنعوا بما قد اكتسبوه في صنعاء ودبي وباريس ولندن والقاهرة وغيرها من مدن العالم؟!.
(ثكلتهم أمهاتهم وثكلت من تحملهم بعد اليوم سواءً من السلطة أو أصحاب الحقوق المنهوبة).
*عضو مجلس النواب اليمني