آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

منفذ اغتيال الحجري تدرب في اليمن (3)

تدرب في اليمن، ومع ذلك لازلنا عند البريطانيين نبحث عنه وهو من أسال دمائنا باغتيال عبد الله الحجري " أمين اليمن" وهي تسمية أطلقها الكاتب الشهير عادل الأحمدي وما وجدت أبلغ منها صفة واسما..

لقد كان أمينا على اليمن ووزيرا وسفيرا وعضوا للمجلس الجمهوري ورئيسا للوزراء ونائبا لإبراهيم الحمدي في مجلس القضاء ورئيسا للجنة العلياء للانتخابات.. وتساؤل من المنفذ يغمر عقليات وأدمغة المحققين البريطانية بتوسع في مستوى غياب الوضوح، عقدة وغموض القضية هنا..

رحل الحجري وصحبه وخيمت الأسئلة تليها اسئلة، المحققون وخبراء الإرهاب ومحلليه استوحوا سياقا عاما لمنفذ الاغتيال في أحد 10 ابريل 1977، مما حازوا عليه من معلومات، وكافة المعلومات كما ذكرت عن اغتيال الحجري، جُمعت من لندن ومن بيروت ومن بغداد ومن صنعاء وعدن وحتى من تل ابيب، وتل أبيب لأن الموساد عرض خدماته للمحققين وهو لا يغيب في مثل هذه الحالات ليستفيد، لكن لم يكن له علاقة في قضيتنا.

وسار التحقيق إلى نتيجة لم يكن بإمكانهم إلا التوصل إليها لأن الطريق كان قد انسد أمامهم في غياب اعتقال الفاعل،وكما اتفقنا على أن عملية اغتيال الحجري كانت شديد التعقيد والإحكام والسيطرة، فإن هذا يدفعني خطوه إلى الخلف للتقدم إلى الأمام والخطوة، هي للعودة إلى بدايات السؤال الذي سعى به المحققون البريطانيون فك لغز من قتل الحجري في عاصمة ضبابهم لندن.

خبراء التحليل المعلوماتي للجرائم السياسية لفك اللغز صنفوا، قائمة اشتباه بنسختين أوروبية وعربية لمن يمكن ان يكون له علاقة تنفيذية أو لوجستية بعملية الاغتيال، لم يكن بالإمكان إخراج أحد من قائمة الاشتباه، و لايستنثى احد من القائمة عند عُتمة المعلومات، كان في قائمة المحققين، منظمات النشاط اليساري العنيف في اوروبا أو ماكان يطلق عليهم، المجموعات الأوروبية الثورية..

واكتشف البريطانيون أن كل من وضعوهم في القائمة مروا من عدن، وزاد نشاطهم بعد مرورهم، في عمليات اختطاف شخصيات أو طائرات وعمليات التصفية الجسدية للأهداف السياسية لصالح اليسار، من ألمانيا تضمنت القائمة الافتراضية لمنفذي الإغتيال أو الداعمين لوجستيا، جماعة (REF) الألوية الحمراء والتي تفرعت من مجموعة بادر ورفيقته الآنسة الثورية ماينهوف (بادر ماينهوف) ومن بريطانيا نفسها (IRA) أو الآي أر إي الجيش الجمهوري الإيرلندي وساورت المحققين لفترة أن هذه المنظمة الإيرلندية ربما تكون قد اغتالت الحجري لمصلحة نظام عربي افريقي عرف بدعمها، وخصوصا ان هذا الآي أر إي قام في عام اغتيال الحجري بـ12 عملية، وأين؟ في مكان واحد فقط هو أكسفورد سركت الشهير في لندن. ومن إيطاليا دخلت القائمة منظمة (BR) القوى أو الألوية الثورية الحمراء وكانت من اخطر المنظمات اليسارية الأوروبية ففي نفس العام قامت بـ2128 عملية عنيفة بموطنها وفي أوروبا، ومن إسبانيا (ETA) منظمة الباسك الإنفصالية ومن اليونان منظمة (17 November) الثورية اليسارية..

وألحقت بالقائمة جماعات يسارية فرنسية حيث كان ينشط (كارلوس) ويتحرك دوريا بينها وبين مدن اوروبية وعدن، ومن أرمينا الجيش الجمهوري السري بزعامة (مجاهد) أوآغوب أغوبيان، ومن اليابان الجيش الأحمر بزعامة اليسارية نوريكو شيغينو، وجماعة تركية يسارية وغالية عناصر هذه المنظمات الثورية الأوروبية وغيرهم تدربوا على العمليات الخاصة والاغتيالات في جعار بمحافظة ابين في سنوات اليسار، ولايمكن لأي تحقيق عن اغتيال الحجري ألا يمر على هؤلاء والتفكير في اسمائهم كمتهمين محتملين.

لكن الحدس الأمني الأكثر إثارة وحيوية كان يتجه أن الفاعل منظمة إرهابية عربية، ليس للقائمة الأوربية وغيرهم علاقة باغتيال قاضي اليمن، تخصص اليسار الأوروبي العنيف أشخاص وسياسيين أوروبيين، وكل واحد يحترم تخصصه والقاضي لايدخل في تخصصهم، ربما كان الأمر على هذا النحو..

وصعدت منظمات اليسار العربي إلى درجة المتهمين الملوك، المتهمين الأساسيين، وفي هذه الدرجة قائمة الاتهام تضيق واسماء الجهات ومن يقف خلف الاغتيال بدأت تلمع، التحقيق يتوجه نحو منظمات العنف الفلسطيني وفي الحالة هذه، كان الطبيعي لروافد التحقيق أن يذهب في اغتيال الحجري باتجاه جماعة طبيب الأسنان وديع حداد مؤسس منظمة (المجال الخارجي ) المتفرعة من الجبهة الشعبية، ثم جماعة ابونضال (صبري البنا )وايلول الأسود والألوية الثورية اللبنانية جماعة جورج إبراهيم عبد الله واستخبارت جهاز أمن الدولة الاشتراكية اليمنية في عدن حينها، وصبت المعلومات التي تم إحرازها في النهاية نحو شخص سيعرف لاحقا بزهير يوسف عكاشة من عناصر المجال الخارجي وهذا المجال هو صاحب عمليات اختطاف وزراء أوبك في النمسا 1975 وقد خطط لهذه العملية تحديدا في عدن وهي واحدة من عمليات اختطاف الطائرات في الأردن وتلك الفرنسية التي اقتيدت إلى مطار عنتيبي باوغندا والطائرة الألمانية إلى الصومال و سبقها طائرة المانية اخرى اختطفت من الهند إلى عدن، وعشرات العمليات الأخرى، فمن هو زهير يوسف عكاشة الذي أهدانا الحزن في أوقات الفرح بالحمدي وسالمين (بالمناسبة لم يعلن البريطانيين اسم أي منفذ أو من يقف خلف اغتيال الحجري حتى الآن) ولكن تقارير فلسطينة عدة واخرى نقلا عن والدة زهير عكاشة وثقت أنه هو الذي نفذ عملية الاغتيال، فضلا عن تأكيد فيلم وثائقي بثته البي بي سي الشهيرة ذات المهنية الأعلى في العالم العالم أن عكاشة هو من اغتال الحجري، ومرة ثانية من هو عكاشة؟

يقول تقرير بريطاني أن عكاشة درس في كلية تشيلسي البريطانية للهندسة وحصل في 1975علي شهادة هندسة الطيران، وسبق لشرطة أسكوتلانديارد أن احتكت به في ديسمبر 1974، عندما هاجم رجال الشرطة في مظاهرات قادها يساريون بريطانيون تأييدا للفلسطينيين في ساحة الطرف الأغر، ولم يتم اعقاله، وبعد ذلك بعام، قام هو نفسه بقذف عناصر الشرطة والاشتباك معهم وفي هذه المظاهرة ألقي القبض عليه وانتهى بها المطاف في سجن بينتونفيل، وبعد أن اضرب عن الطعام تم إطلاق سراحه وأبعد إلى بيروت.

وفي بداية عام 1977، ظهر مجددا في لندن تحت اسم مستعار هو علي الحيدري وبجواز إيراني وسكن في مبنى قريب من فندق رويال لانكستر، حيث نزل الحجري، واختفى في يوم الاغتيال وتبين للشرطة أنه غادر لندن بعد ساعات من اغتيال الحجري على متن طائر الخطوط الجوية العراقية متوجها إلى بغداد، ولا يعرف أحد لماذا لم ترسل شرطة اسكوتلانديارد تفاصيله الشخصية إلى مطار هيثرو رغم انها وضعته حسب المعلومات تحت المراقبة..

وبعد ستة أشهر من اغتيال الحجري ظهر عكاشة مجددا في 13 أكتوبر 1977 بجزيرة بالما دي مايوركا الإسبانية قائدا للمجموعة التي اختطفت من هناك الطائرة الألمانية لوفتهانزا إلى الصومال وهذه المرة تحت اسم الكابتن محمود ولقى مصرعه مع الخاطفين نبيل حرب ونادية دعيبس ودفنوا في مقديشوا، ورغم أن سهيلة أندوراس السايح أو ثريا الأنصاري وهي واحدة من الخاطفين أصيبت بجروح خطيرة إلا انها عاشت واعتقلت في النرويج ورحلت إلى ألمانيا وسجنت واعيدت إلى النرويج واطلق سراحها في عام 2000..

ولابد من ذكر أمر غريب وهو أن قادة يمنيين من عدن اقنعوا الرئيس محمد سياد بري سياد بري باستقبال الطائرة المخطوفة في مقديشو والبقاء حتى تنفيذ ألمانيا شروط الاختطاف وهي إطلاق سراح يساريين أوروبيين وغيرهم من سجون أوروبا ووافق بري، لكنه سمح بعد اربعة ايام للقوات الخاصة الألمانية باقتحام الطائرة، وقال بعدها "إنهم ابنائي لقد بعتهم في صفقة لصالح الصومال"،، لقد ذكرت هذه الأسماء لسبب بسيط، هوأن خريجي أكاديمية أو ثكنة جعار، شاركوا في غالبية علميات عنف اليسار التي حدثت في أوروبا واليابان والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية واستمر هذا المعسكر مفتوحا للتدريب لأكثر من 15 عاما، وعكاشة الذي صار بحكم تسيير التحقيقات المنفذ الميداني لاغتيال الحجري، كان من خريجي جعار، والآن اسمعوا ساختصر عليكم وعلي الكلام، لقد اغتيل الحجري لصالح حراس الشيوعية في اليمن وربما آخرين في تقاطع السياسة.

إعلامي يماني

زر الذهاب إلى الأعلى