كنت قد كتبت سلسلة من المقالات بعد الوحدة أحذر فيها من خطر التنظيم الشيعي المجوسي في اليمن واتهمني بعض السياسيين بالمبالغة في ذلك..
وها هي مجريات الأحداث السياسية من بعد الوحدة تؤكد أن هذا التنظيم الخفي المعلن بجناحيه - (اتحاد القوى الشعبية – الجناح السياسي) و(حزب الحق – الجناح التعليمي العسكري) – هو السبب الرئيسي للأزمات السياسية والفتن التي عصفت باليمن طوال هذه المرحلة إبتداء من أزمة وحرب 94م وانتهاء بالأزمة الحالية بشقيها:
- حروب صعدة التي خرج فيها الإماميون شاهرين سيوفهم لإسقاط النظام الجمهوري السنّي بالقوة بحسب نظرية الخروج في المذهب الهادوي.
- وأزمة الجنوب والحراك الجنوبي.
والدليل على أنهم وراء كل هذه الأزمات هو بروز الأجندة والأهداف السياسية للتنظيم الشيعي في كل أزمة، ففي أزمة 94م برزت وثيقة العهد والإتفاق وهي وثيقة إمامية خالصة، وفي الأزمة السياسية الحالية برز الخطاب السياسي الإمامي مرة أخرى عبر المشترك (مبادرة الإصلاح السياسي) (ومبادرة الإنقاذ الوطني) وهي مبادرات تحمل نفس المضامين لوثيقة العهد والإتفاق وإن كانت أكثر صراحة.
ففي الفترة التي أعقبت الوحدة مرّر الإماميون مخططهم عبر الحزب الإشتراكي وعبر علي سالم البيض بصورة خاصة مستثيرين مشاعره العرقية، فهم الذين أشعلوا الفتنة بين المؤتمر والإشتراكي وسعوا لإسقاط النظام الجمهوري وإلغاء الوحدة عن طريقه.
والفترة التي أعقبت حرب 94م قام التنظيم الشيعي بتفعيل خلاياه النائمة داخل الإصلاح وهي في مواقع قيادية واستطاعوا إستمالة المرشد العام للحزب وبدأ يَعْبُر المخطط الشيعي عبر الإصلاح والدليل القطعي على ذلك هو مبادرة الإصلاح السياسي ومبادرة الإنقاذ الوطني بمضامينها الإمامية الشيعية الواضحة.
في هذا السياق أذّكر بهذا المقال الذي كتبته بعد الوحدة مباشرة في صحيفة الصحوة محذراً من خطرهم السياسي عبر ضرب الأحزاب الجمهورية بعضها ببعض، في عدد الصحوة رقم (282) وبتاريخ 26/سبتمبر/1991م تحت عنوان (في مواجهة الإنبعاث الإمامي دعوة لثورة ثقافية)
نص المقال:
((إن قيادات التغيير التي لا تعي تاريخها ولا تستوعب رصيد عبرته ودروسه لا يمكن لها أن تحافظ على مكتسبات الحاضر أو ترسم معالم المستقبل لأن التاريخ هو ذاكرة المجتمع وأيما شعب ينطلق في خطواته التغييرية وهو فاقد لذاكرته غير واع لتاريخه بعوامل بنائه وعوامل هدمة فمن المحتمل أن تنبعث له مجدداً قوى هدمه التاريخية لتأد تطلعاته وآماله حاضراً ومستقبلاً كما نخرت كيانه وقتلت أمانيه تاريخاً وماضياً، ذلك أن التغيير الصحيح لا يتأتى إلا إذا سبقه الوعي الشامل والإدراك لفلسفة التغيير وأبعاده ومراحله وهذا الوعي لا يتحقق إلا بإدراك وتفاعل أبعاد ثلاثة :-
1- المبادئ قيماً وأحكاماً
2- والواقع تحديات ومستجدات
3- والتاريخ دروساً وعبراً
والمستقرئ لتاريخ اليمن في ظل الحكم الإمامي منذ أن حلّ في هذه الأرض الطيبة وفي أوساط هذا الشعب الكريم خصائصاً وخصالاً ايماناً وحكمة الضارب بعمقه الحضاري وأدواره الفاعلة في أعماق التاريخ وكلما واتته فرصة من فرص النهوض، إن المستقرئ لتلك الحقبة الإمامية سيدرك ان شعبنا دخل في ظلها في نفق مظلم ظل يخبط في مجاهله ويتوه في دروبه ومسالكه عبر عدة قرون لم يجد خلالها سوى التقسيم الطبقي البشع وحياة الرق والذل والفقر والجهل والمرض، ولقد صور هذا الوضع المأساوي قلب اليمن النابض الشهيد الزبيري بقوله :
ما لليمانيين في لحظاتهم
بؤس وفي كلماتهم آلام
جهل وأمراض وظلم فادح
ومخافة ومجاعة وإمام
والناس بين مكبل في رجله
قيد وفي فمه البليغ لجام
أو خائف لم يدر ما ينتابه
منهم أسجن الدهر أم إعدام
نثروا بأنحاء البلاد ودمروا
عمرانها فكأنهم ألغام
درس الماضي:
وما كان لهذا الشعب الأبي أن يخضع أو يركع وأرضه مقبرة الطغاة والغزاة ورجال اليمن كجبالها شموخاً وإباءً ورفضاً للضيم لولا أن الإمامة جاءته باسم الدين ترفعه شعاراً وترتديه دثاراً كذباً ومكراً وخداعاً ولولا أن قلوب اليمانيين محاضن للعقائد والأفكار وليست الإمامة في الحقيقة سوى حركة عنصرية نفعية ميكافيلية تطوف حول ذاتها وتعبد مصالحها ومطامعها حركة استخدمت الدين ولم تخدمه وسيست الإسلام ولم تأسلم السياسية حركة هدفها العلو ووسيلتها الفساد {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً} هذا هو رصيد العبرة التاريخية ودرس الماضي.
واليوم وبعد مرور تسع وعشرين عاماً من عمر الثورة السبتمبريه الظافرة هذه الثورة التي جاءت محصلة لجهود المصلحين ولمداد العلماء ودماء الشهداء واستطاعت ان تدك معاقل النظام الامامى الكهنوتي الذي ذاق منه الشعب صنوف المعاناة والقهر والظلم في أعنف أشكالها وصورها ذلك أن الاستبداد الذي يلبس لبوس الدين هو أبشع ألوان الظلم وأشدها فتكاً
اليوم وبعد مرور هذه الأعوام من عمر الثورة تنبعث قوى الهدم التاريخية من جديد تنبعث الإمامة بتلك النفسية وبتلك الخصائص وبتلك النزعة التي تُغلّب الدم على القيم وأواصر الطين على أواصر الدين في شكل أحزاب متعددة الوجوه موحدة الوجهة والهدف وفي شكل نشاط علمي يكرس الفكر الإمامي ويعمق التعصب المذهبي والتقليد الأعمى باعتبار أن عودة النظام الإمامي لن تكون إلا بإيجاد أرضيته المناسبة المتمثلة في الفكر الإمامى.
- وفي شكل التغلغل في جهاز الدولة المالي والإداري والوصول إلى مراكز حساسة والتحالفات السياسية الداخلية والاتصالات الخارجية مع القوى المشابهة والتغلغل داخل الأحزاب ومحاولة توجيهها وتأجيج الصراع فيما بينها وضرب بعضها ببعض.
- وفي شكل التآمر على المناهج الدراسية التي كرست الخط السنّي البعيد عن التعصب.
- وفي شكل التشكيك في التيار الإسلامي الذي هو امتداد للخط التجديدي لعلماء اليمن من أمثال المقبلي والوزير والأمير والشوكاني. وهكذا يطلقون الإشاعات على كل توجه سنّي تجديدي كما وصموا من قبل أولئك العلماء وثوار اليمن عبر مراحل الثورة المتعاقبة باعتبار أن هذا التيار هو القوة الوحيدة القادرة على فضحهم والوقوف أمامهم.
- وفي شكل دغدغة المشاعر العرقية لدى بعض القيادات الحزبية آملين من خلالها أن يسقطوا النظام الجمهوري ويقيموا النظام الإمامي وإن كنا نعتقد أن تلك القيادات بثقافتها المعاصرة ووعيها بخطورة النزعة العنصرية على مستقبل اليمن لن تستجيب لأهواء المصابين بجنون العظمة.
- وأخيراً في شكل الحملات الإعلامية الواسعة التي تتحدث عن الفساد ومدى تدهور الأوضاع وتعقد المقارنات بالنظام الإمامي وأنه كان أرحم وأخف، وأنا هنا لا أدافع عن الفساد ولا أحاول تزيين وجه قبيح فهو واقع ويجب أن ننقده ونطالب بتحسين الأوضاع ولكنى أرفض الأطروحات التي تحاول استغلال سوء الأوضاع للتبشير بالإمامة ومحاولة تهيئة النفوس لقبولها وأرفض العودة إلى عهود الرق التي داست على كرامة هذا الشعب قبل أن تدوس على قوته والتي زيفت وعيه وأفسدت عقيدته قبل أي شئ آخر.
والإماميون بارعون في إطلاق الإشاعات وتوظيف الغير لصالحهم من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.
الخطر المستمر:
وهكذا تحققت الرؤية الاستشرافية للشهيد الزبيري من أن الإمامة ستظل خطرا مستقبلياً على اليمن والسر في ذلك أن الثورة هدمت الإمامة كنظام ولم تهدمها كفكر وكعقيدة.
إن الإمامة مذهب عقدي تتتبع المتشابه من الآيات والأحاديث على طريقة أهل الزيغ وتُفسّر الدين تفسيراً عنصرياً غيّب مفهوم الأمة وأحل محله مفهوم الطبقة والطائفة والعنصر وجعل العلم والسلطة حكراً لهم وغيّب مفهوم الشورى وحق الشعب في اختيار قياداته وممثليه تحت ستار (الوصية – والبطنين – وظل الله في الأرض).
وحتى تكتمل حلقات هذا التتبع للمتشابه تم الطعن في السنّة الغراء والثلم في شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم وأكل لحمهم وتكفيرهم ورفع بعض البشر عن مستوى بشريتهم بإدعاء العصمة لهم.
وليتم تمرير هذا كله هَدَمَ الأخلاق والقيم التي هي أساس العلاقات الإنسانية وأباح الكذب والخداع والتآمر وكل ذلك تحت ستار (التقية) إن هذا الفكر الإمامي فكر منحرف في أصوله وفروعه، فكر أعد وفصل لأهداف ومقاسات محددة مسبقاً.
خرافات باطلة:
الله سبحانه وتع إلى في التصور الإمامي يفاضل بين الناس بحسب أحسابهم وأنسابهم ودمائهم التي لم يكن لهم رأي في إختيارها ولم يفاضل بينهم بحسب تقواهم وأعمالهم الصالحة عكس التصور الإسلامي النقي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
الرسول صلى الله عليه وسلم في التصور الإمامي ليس نبيا أرسل رحمة للعالمين إنما هو ملك جاء يورث أهله وذريته الملك والسلطة.
والنبي بحسب أطروحات الإمامه نبي فاشل وحاشاه أن يكون كذلك لأنه لم يستطع أن يربى أصحابه فبمجرد أن مات انقلبوا عليه جميعاً إلا أربعة منهم كما يزعمون رغم تزكية القرآن للصحابة رضوان الله عليهم وتلك النماذج العظيمة التي قدموها للبشرية وكل هذا الحقد من الإمامة على الصحابة لأنهم اجتمعوا في السقيفة في أول مؤتمر شوروي يعرفه العالم لإختيار خليفة المسلمين (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).
ولا مجال في هذا المقام لتفصيل الفكر الإمامي والرد عليه وسنفرغ له إن شاء الله في فرص قادمة ولا يسعني في نهاية المطاف إلا أن أقول إن ثورة سبتمبر التي هدمت الإمامة نظاماً تحتاج إلى ثورة ثقافية لهدم الإمامة. فكرة وعقيدة محرفة، مالم فان مستقبل اليمن سيكون مجهولا)) انتهى.