[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مرحباً باليمن السعيد

في مثل هذه الأيام من كل عام يحيي الشعب اليمني ذكرى وحدته، وهي مناسبة تمثل علامة بارزة في مسيرة أمتنا العربية نحو الوحدة والتكامل والمناعة، فقبل عشرين عاما تمت الوحدة المباركة،

وفي ذلك اليوم كان فقيد الصحافة العربية الحاج أحمد الصالحين الهوني، عميد صحيفة "العرب" حاضرا وشاهدا، وكعادته في كل المناسبات، وثق الحدث بكلمته التي تنشرها الصحيفة بصفحتها الأولى، وهاهي "العرب" تعيد نشر هذه الكلمة في نفس المكان، إذ رغم مرور عشرين عاما على تلك الوحدة، ما زالت التحديات ماثلة أمامها، فأعداء هذه الوحدة من الداخل والخارج مازالوا يتربصون بها، ولكنها ستنتصر بإذن الله، ووفاء لهذه الذكرى الخالدة، وتيمنا بالصوت العروبي الصادق الذي كان يمثله الحاج أحمد الهوني، تعيد صحيفة "العرب" نشر الكلمة التي نشرت يوم 23/ 05/ 1990، وذلك صبيحة اليوم الموالي للوحدة، وفي ما يلي نص الكلمة:

احتفل الشعب العربي اليمني أمس "22/ 05/ 1990" باعلان وحدة شطري اليمن شماله وجنوبه، وقد شارك شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج إلى القرن الأفريقي، أفراح الأشقاء الذين هداهم الله واستطاعوا تحقيق هذا الأمل. وبذلك سجلت القيادات الشمالية والجنوبية بأحرف من نور هذه الخطوة العظيمة في مسيرة الوحدة العربية الشاملة غاية وهدف وأمل كل عربي مخلص. ومنذ أمس يعيش اليمن أفراحاً شاملة، يتبادل المواطنون التهاني، ويتعانق الأشقاء في الشوارع والميادين، وتنطلق الزغاريد لتملأ الأجواء فرحاً وسعادة، ومن كل بيت خرجت مواكب العرس مستبشرة بالحاضر متطلعة إلى مستقبل زاهر. ورُفع علم الوحدة شامخاً عالياً، والتحم الجيش في ثكنات واحدة.

وصدرت مراسيم العفو عن كل الزعماء والمسؤولين السابقين أحياء وأمواتاً الذين صدرت بحقهم أحكام، ابتهاجاً وطياً لصفحات الماضي بآثامه وأحزانه دون رجعة أو ردة. وقد تلقى الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية ".." التهاني من القادة العرب مباركين انبثاق فجر الوحدة على أرض الجذور التي تنتمي اليها أمة العرب والتي منها استمد انساننا اصالته ومنها انطلق ليصل إلى ما وصل اليه في يومنا هذا. اننا في دار "العرب" بشرنا بهذا الحدث القومي وقلوبنا متوجسة تخشى ان تتغلب الأصابع الخفية للامبريالية وأعداء العروبة على هذا التوجه الذي يمثل أملاً لنا طال انتظاره. ان أسرة "العرب" وهي يغمرها الفرح والسرور لتشد على أيدي الرجال والنساء الذين عملوا ليلاً ونهاراً بتجرد وتفان ومسؤولية في سبيل تحقيق هذا الانجاز التاريخي الذي أعاد الالتحام لليمن وحقق للشعب العربي كله قاعدة جديدة للبناء قوامها ثلاثة عشر مليون عربي جميعهم رافد للوحدة، معتزون بأمتهم متطلعون إلى توحدها من طنجة إلى مقديشيو. لقد حقق الشعب العربي اليمني عملاً جليلاً وانجازاً عظيماً بعد سنوات ساد فيها اليأس، وتعرض الوطن خلالها لأشد الامتحانات صعوبة، ولعبت الدول الغربية والشرقية ألاعيبها لترسيخ الفرقة وتقسيم الوطن الواحد.

لقد حظيت بزيارة اليمن يوم افتتاح الحدود بين الشطرين وهي البداية التي اكتملت ".." بازالة كل اثر للحدود المصطنعة، وشاهدت يومها كيف التقت أسر مضى على فراقها خمسة عشر عاماً. وبصعوبة أخفيت دموعاً احتفلت بلقاء شاب بوالدته التي لم تره مدة عشرين سنة. امس انتهى كل ذلك والتحم الشمال مع الجنوب في قوافل تواصلت مسيرتها لتغطي انحاء الجمهورية في أعراس هي الفرح بعينه. وفي بغداد كان مجلس وزراء الخارجية العرب مجتمعاً عندما اعلنت الوحدة فنقل التليفزيون العراقي عناق وفد الشمال والجنوب اليمنيين اللذين التحما في وفد واحد برئاسة وزير خارجية الشمال، انه الحدث الأهم والأروع الذي انهى الانقسام وقضى على ما خلفه الاستعمار من عوامل فرقة وتمزيق. هكذا تحدث المعجزات عندما ترتفع القيادات السياسية في اقطارنا إلى مستوى المسؤولية القومية متجاوزة للاقليمية البغيضة متنازلة عن كل طموحات شخصية تحقيقاً لأهداف الشعب وإرادته. وستسير دولة اليمن الكبرى في كنف الديموقراطية الحقيقية حيث التزم القادة بالحرية والعدالة أساساً للحكم. وفي غمرة الأفراح ننبه إلى أن هنالك فئات في كل شعب تتطلع إلى مطامحها ومطامعها الشخصية التي تتعارض وآمال الشعب ولا تسعدها وحدته. أولئك المرضى لم ينسهم قادة اليمن بل وضعوا استراتيجيتهم على أساس الحذر والفطنة من الخونة والعملاء وضعاف النفوس الذين التحم أمثالهم أمس مع الاستعمار البريطاني وساهموا في الانفصال وتقسيم الوطن الواحد. اليوم غير الأمس فالايمان مدعوم بالوعي وأصبح واضحاً لكل مدرك ان الوحدة لم تعد مطلباً عاطفياً، بل هي ضرورة ملحة، وما يدور من حولنا يؤكد ذلك. فها هي أوروبا تتحد رغم اختلاف الجنس والدين واللغة".." وقبل اوروبا كانت وحدة أمريكا والاتحاد السوفياتي هي العامل الذي مكنهما من التفوق والتقدم والسيطرة على مقدرات العالم.

ان الوحدة العربية ليست عملاً طارئاً أو توجهاً نقلد به الغير، فأمتنا كانت موحدة، وضع أسس دولتها الواحدة القوية الخلفاء الراشدون الذين أقاموا أعظم دولة اسلامية تمتد من بغداد أو دمشق إلى أوروبا وقلب آسيا، وقد انهارت بفعل انحلال حكامنا وبعض الخلفاء. ومنذ ذلك الزمن تنازعتنا الأمم وتجرأت على استعمارنا حتى الحثالات. وقد أسس المستعمر قواعد الانفصال وأسند إلى النفوس المريضة منا مهمة تفتيت الجهد وعرقلة كل عمل وحدوي ومحاربة أي توجه قومي. لأن وحدتنا هي الرد الحاسم على اعدائنا. فهل تستيقظ ضمائر حكامنا إلى ذلك ويجعلون من لقائهم المنتظر في عاصمة الرشيد بداية جديدة لمسيرة كبرى نحو وحدة اقتصادية وعلمية، وليحتفظ كل منهم بذلك الكرسي وذلك اضعف الايمان لأن أمتنا تتطلع إلى وحدة حقيقية ستتم يوماً ما، رغم أنف الجميع فتلك ارادة الشعب. ان المؤامرات تحاصرنا والمخططات تستنزفنا والاستراتيجيات تستهدف وجودنا ولا يمكن مواجهة هذه الهجمة الشرسة إلا بالوحدة.

نكرر التهنئة لمواطنينا باليمن مع تقديرنا وشكرنا وتأييدنا للقيادات اليمنية على موقفها التاريخي بتحقيقها هذا العمل العظيم. وختاماً فإننا لا زلنا نحذر القيادة الموحدة مما سيدبر في الخفاء، ولكن بالصدق والوعي القومي لن يستطيع الحاقدون والعملاء الانتصار على إرادة الشعب.

زر الذهاب إلى الأعلى