انتظر اليمنيون، على غير العادة، خطاب الرئيس علي عبدالله صالح عشية العيد الوطني العشرين لقيام الجمهورية اليمنية بفارغ الصبر منتظرين المفاجأة التي قال الرئيس علي عبدالله صالح قبل أيام أنه سيعلن عنها في خطابه عشية العيد..
إعلان الرئيس المسبق ألهب الخيال في اليمن سواء على مستوى الشارع أو على مستوى النخب، وتكاد جميع التوقعات التقت عند نقطة تشكيل حكومة وحدة وطنية.. وبالفعل أعلن الرئيس عن استعداده لتشكيل حكومة وحدة وطنية وفقاً لما سيتمخض عنه حوار قادم مع الأحزاب الممثلة في البرلمان..
ومن خلال تأملنا في مفردات خطاب الرئيس وتأملنا في نوعية نتائجه، يمكننا بالتالي أن نطلق تساؤلاً وجيهاً: أهو خطاب تاريخي أم خطأ تاريخي؟، وذلك من عدة نواح:
أن الرئيس بنى ترحيبه بتشكيل وحدة وطنية مع الأحزاب بناء على كونها أحزاباً شريكة إما لسبب كونها شريكة في تحقيق الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني) أو شريكة في الحفاظ عليها (أي التجمع اليمني للإصلاح).. وهو وإن تحرز بقوله "الأحزاب الممثلة بالبرلمان" إلا إن إضفاء المشروعية التاريخية للشراكة سواء في تحقيق الوحدة أو الحفاظ عليها، كمبرر للشراكة في حكومة وحدة وطنية هو خطأ تاريخي.. ليس لأن هؤلاء ليسوا شركاء فيما ذكر الرئيس، ولكن لأن أطروحة الشراكة بحد ذاتها ليست اليوم مسوغاً قانونياً للاتفاق، بقدر ما هي بذرة متجددة للخلاف..
وكان الأحرى به أن يبني دعوته للأحزاب نفسها باعتبارها الأكثر تمثيلاً في البرلمان أو الأكثر وزناً في الشارع بعد حزب المؤتمر الحاكم. إذ تكتسب أطروحة الشراكة حساسيتها، بل ويعتبر ذكرها في خطاب رئاسي خطأ كبيراً بسبب أن مطالب الحراك لـ"فك الارتباط" قامت على أطروحة الشراكة أصلاً.. هذه نقطة..
أما النقطة الثانية، فلأن حكومة الوحدة الوطنية تظل بالوناً قابلاً للانفجار في أية لحظة، طالماً أنها متوقفة على نتائج حوار يفترض أن يبدأ بعد الخطاب الرئاسي.. ما سيجعل الباب مفتوحاً للمزايدات والمكايدات التي تحاول إفشال حوار يفضي إلى حكومة وحدة وطنية، سواء المكايدات المتوقعة من قبل كثير من قيادات المؤتمر الشعبي العام التي ستتضرر مصالحها الشخصية بسبب دخول الاشتراكي والإصلاح في الحكومة.. أو المكايدات المتوقعة من قبل أحزاب في المشترك ليست ممثلة في البرلمان وليست شريكة في شيء سوى في خلق البلابل والقلاقل.. ونعني بها التوائم النزق حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية..
أما من ناحية ثالثة، فإن الرئيس بهذا الإعلان المعلق في الهواء سيجر الكثير من كوادر حزبي الاشتراكي والإصلاح إلى ممارسة ضغوطها على أحزابها إما لكي يتم اختيار أشخاص بعينهم كوزراء في الحكومة أو الضغط ليتم غض النظر عن أشخاص آخرين تم اختيارهم.. أو الضغط من أجل الحصول على وزارات بعينها لم تكن في حصة هذا الحزب أو ذاك..
ومجمل هذا الحراك الحزبي القلق والمتوتر طيلة فترة الحوار سيصنع –وفق تقديرنا- مناخاً لا يشجع على نجاح الحوار بشكل سريع، بل قد يئده تماماً.. وإذاك سيسهل على الرئيس والمؤتمر بعد ذلك إلقاء مسؤولية فشل الحوار على المشترك، والمشترك يشعر أنه لم يكن السبب الحقيقي في الفشل ويدرك في نفس الوقت أن من الصعب عليه شرح ذلك للجماهير..
وكل هذه في الأخير هي مخاوف يجب أن تؤخذ في الحسبان بناء على سيرورة العمل السياسي في اليمن طيلة السنوات الماضية..
أي أن المفاجأة التي قال الرئيس علي عبدالله صالح أنه سيعلن عنها في خطابه اليوم، كانت ستكون مفاجأة حقيقية ومفرحة لو أن حوارا سرياً سبقها ونجم عنه اليوم إعلان الرئيس عن وصول ذلك الحوار (السري) إلى حكومة وحدة وطنية يعلن عنها بقرار جمهوري في نشرة التاسعة من نفس اليوم..
كل ما سبق يتعلق بملابسات حكومة الوحدة الوطنية وفقا لما أفصح عنه خطاب الرئيس الليلة، أما فيما يتعلق بالإفراج عن المعتقلين على ذمة فتنة صعدة وأحداث الجنوب فيكاد الإجماع في الشارع اليمني، وفقا لتقديري، يتوفر حول صوابية إطلاق معتقلي الحراك، وكذلك حول خطأ إطلاق معتقلي فتنة الحوثي.. إذ سرعان ما اندلعت التساؤلات: فمعظم من تم الإفراج على ذمة الحراك لم يعد للشغب مرة أخرى، بينما يكاد كل من تم الإفراج عنه سابقاً على ذمة تمرد الحوثي عاد إلى صفوف التمرد ومارس القتل..
وانداحت التساؤلات الخطيرة.. هل من بين هؤلاء (المعفي عنهم) تاجر السلاح فارس مناع؟، وهل سيشمل العفو الضباط العسكريين الذين ثبت تواطؤهم مع الحوثي؟
أياً تكن المخاوف اليوم، فإن الأيام وحدها هي من سيتكفل بالرد على التساؤل المعلق أعلاه!