آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

دعوة الرئيس .. اللحظة التاريخية فمن يلتقطها؟

تضمن خطاب فخامة الرئيس علي عبد الله صالح -رئيس الجمهورية- عشية احتفالات العيد الوطني الـ20 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، الأسس والمنطلقات لمرحلة جديدة قوامها الشراكة الوطنية المبنية على الحوار والتسامح وتجاوز العثرات التي واجهتها دولة الوحدة خلال العقدين الماضيين بكل سلبياتها ومنغصاتها؛

باعتماد مبدأ الحوار والتفاهم من أجل التفرغ لبناء اليمن بعيداً عن خلق العراقيل، والإيمان بأن مبدأ لحوار لا غيره هو الكفيل بتجاوز أي تباين في الرؤى والمنطلقات، وهو وحده الخيار الثابت والراسخ والمجرب للخروج بالوطن من أزماته ومحنه.

ففي ظل إشاعة أجواء الحوار والتسامح استطاعت اليمن أن تتجاوز محن وفتنا كثيرة، وليس ببعيد على ابناء اليمن تلك المحن والفتن التي عاشتها البلاد قبل إعادة تحقيق الوحدة المباركة -وهي كثيرة-، وتم تجاوزها بالحوار والتسامح، وتحققت الوحدة المباركة بالحوار والتسامح، ولسنا اليوم بحاجة إلى سرد مآسي المحن والفتن لأن أبناء اليمن تصالحوا واتفقوا على إغلاق كل ملفات الماضي وأن الوحدة تجب ما قبلها. واذا كانت الوحدة قد تعرضت للعواصف العاتية في حرب صيف 94م فإن حكمة أبنائها وشجاعة الرئيس علي عبد الله صالح والتفاف كل الشرفاء والمخلصين للوحدة، قد جنبت اليمن الدخول في محنة وفتنة كادت تمزق البلاد إلى دويلات وكانتونات يصعب بعدها لم الشتات.

وإذا كانت قرون الشيطان قد أطلت من جديد منذ عام 2004م بفتنة صعدة وتلاحقت المحن والفتن هنا وهناك وبمسيات مختلفة أخذت اشكالا وطابع المطالبة بحقوق، فإن الشيطان ظل يلعب في التفاصيل وتطورت المحن والفتن إلى أبعد من المطالبة بالحقوق، وظهرت الدعوات إلى مشاريع صغيرة تقزم اليمن بعد أن كبر بوحدته وجرى زرع ثقافة الكراهية والتعصب والمناطقية والسلالية؛ فبرز دعاة التشطير والتمزيق ينادون بإعادة اليمن ليس إلى ما كانت عليه قبل الوحدة ولكن إلى ما كانت عليه قبل الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.

وفي مواجهة ذلك، ظل فخامة الأخ الرئيس ومعه كل المخلصين والشرفاء ينادي بالحوار وحل أية إشكاليات من خلال الحوار والتسامح وقدم المبادرة تلو الأخرى، ولا زال هذا هو ديدن الأخ الرئيس لأن الحوار والتسامح خيار راسخ في فلسفة حكمه للبلاد.. فبه ومن خلاله تم تجاوز الكثير من الفتن والمحن التي واجهتها اليمن في أكثر الظروف تعقيداً.

واليوم جاء خطاب فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح ينهل من نفس القناعة والنهج الراسخ بأن الحوار والتسامح هو المنهج الأصيل لتجاوز أزمات الواقع وإشكالياته مهما كانت معقدة، فكانت دعوة الأخ الرئيس إلى حوار وطني مسؤول بين أطراف العمل السياسي بكل اطيافة والوانه في ظل الدستور والقانون تؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الوطنية لبناء دولة النظام والقانون التي هي مطلب الجميع في السلطة والمعارضة.

ولإبداء حسن النية وصدق التوجه فقد أعلن فخامة الأخ الرئيس العفو عن جميع المحتجزين على خلفية فتنة صعدة وأحداث بعض المناطق الجنوبية، ووجه بالعفو عن كل الصحفيين المحكومين ومن لديهم قضايا امام المحاكم، وكان الترحيب بشراكة وطنية واضحاً لا لبس فيه بأنه دعوة إلى تشكيل حكومة ائتلافية تتكون من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة والشركاء في الدفاع عنها وذلك حرصاً من فخامة الرئيس على طي صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م بفتح صفحة جديدة مفرداتها الحوار والتسامح والصفاء بعيداً عن الخصومة والمماحكات والمكايدات السياسية التي تزج البلاد والعباد في محن وفتن متلاحقة تعيق عملية التنمية والبناء.

وبهذا فإن فخامة الأخ الرئيس بدعوته الواضحة يهيئ الأجواء أمام أطياف العمل السياسي بمختلف ألوانه لبدء حوار وطني مسؤول يفضي إلى تهدئة الإحتقانات والقضاء على المحن والفتن، وهو بذلك يضع الجميع -سلطة ومعارضة- أمام مسؤولياتهم الوطنية. والفرصة الآن ثمينة أمام اطياف العمل السياسي في البلاد، ومن المهم جداً عدم إضاعتها لأنها تتيح إقامة شراكة وطنية حقيقية وفاعلة مبنية على التوافق والقواسم المشتركة التي تقود لبناء دولة النظام والقانون التي هي مطلب الجميع والإنطلاق لبناء الحاضر الذي يؤسس للمستقبل الأفضل والمزدهر.

وأخيراً فإن خطاب فخامة الرئيس حمل منطلقات عديدة لكن أهمها إقامة الشراكة الوطنية المبنية على الحوار والتسامح، وكلنا أمل أن يلتقط مفرداتها قادة العمل السياسي.. وحقاً إنها لحظة تاريخية تعيشها اليمن وينطبق عليها ما قلناه في مقالة الأسبوع الماضي بأن العيد الوطني الـ20 "يوم من الدهر"، فهل يتمكن قادة العمل السياسي في البلاد من التقاط هذه اللحظة التاريخية والانطلاق صوب المستقبل؟ أم أن الشيطان سيظل كامناً في التفاصيل لتعود حليمة لعادتها القديمة.

زر الذهاب إلى الأعلى