الأسبوع الماضي غادرت أسرة زميل لي مدينة عدن إلى إحدى دول الجوار، كتب لي هذا الزميل رسالة بالبريد الالكتروني تقول :" سنغادر عدن ياصاح.. الوضع لم يعد يبعث على الطمأنينة"، هززت رأسي وأنا أختم رسالته موافقا له بالرأي.
ثمة شيء لا يمكن إنكاره اليوم وهوان عجلة العنف في الجنوب قد بدأت في الدوران وان قطرات الدم تمضي في طريقها نحو شلال من الدماء سنراه عما قريب وكل ذلك ليس إلا نتاجا لغياب لغة العقل والمنطق ولجوء أطراف الصراع السياسي في الجنوب إلى لغة العنف والعنف المضاد.
لا خلاف أيضا على ان لغة العنف لن تنتج إلا لغة عنف مضادة لها في الاتجاه ومساوية لها أو يزيد في المقدار ولن يتمكن أيا من أطراف اللعبة السياسية في اليمن من التحكم بالأمور عبر لغة البندقية والبارود فقطرات الدماء المنسكبة لن تولد إلا مزيدا من البؤس والشقاء للجميع.
يخطئ النظام الحاكم في اليمن ان كان يظن انه بالإمكان ترويض الحركة الاحتجاجية في الجنوب عبر لغة القصف والقتل والتدمير بل ان العكس هو الصحيح فمع كل جريح وقتيل من نشطاء الحركة الجنوبية تزداد هذه الحركة قوة واشتعالا تغذيها حالة من التذمر العام وشعور طاغ بالظلم، لذا فعلى نظام الرئيس صالح الإدراك جيدا ان لغة القوة لن تكون مجدية كون ان الناس في الجنوب وصلت إلى مرحلة تساوت أمامها كل الأمور.
حينما ينتهج النظام في مواجهة الحركة الاحتجاجية في الجنوب أسلوب العنف والقمع والقتل فإنه بذلك يعزز قناعات تؤمن بأن للقضية الجنوبية جوانب عقائدية تتمثل في ان الطرف الآخر يريد له الفناء والموت ويمارس ضده شتى أنواع الإبادة لذا فان الاستمرار في مسلسل القتل لن يكون من نتائجه إلا إيمان مزيد من الناس بان المواجهة هي بين طرفين لا لقاء بينهما.
على الحكومة اليمنية الإدراك جيدا ان ليس من مصلحتها ان تراق المزيد من الدماء في الجنوب وليس من مصلحتها ان تسعى إلى زيادة أعداد المعتقلين والمطاردين لأنها بكل ذلك تخلق أنصارا بالمئات للحركة الاحتجاجية في الجنوب في اليوم الواحد، فمن يقتل أباه أو أخاه برصاص جندي آمن العقاب لن ننتظر منه ان يعلن انضمامه يوم غد إلى "المؤتمر الشعبي العام" بل على العكس من ذلك سنجده في الصفوف الأولى التي تطلب الانتقام أو الموت في سبيل ذلك.
على الجانب الأخر يخطئ من يظن من قادة الحراك الجنوبي ان العنف يمكن له ان يصل بالجميع إلى نتائج ايجابية أو ان " الحراك الجنوبي" يمكن له ان يحقق عبره أهدافه المتمثلة في فصل الجنوب كدولة مستقلة وتتعدد في ذلك الأسباب ومنها ان الحراك الجنوبي يواجه جيش هو خليط من الأفراد فيه الكثير من الجنوبيين والشماليين لذا فان عملية الاستهداف بحد ذاتها عملية صعبة ومقتل أشخاص من الجنوب على أيدي نشطاء في الحركة الاحتجاجية فيه أمر يمكن له ان يضر الحراك الجنوبي أكثر مما يفيده، إضافة إلى ان الخيار المسلح خيار صعب جدا.
ولان الوضع في الجنوب يتجه كل يوم نحو الاسوأ وتدهور الأوضاع يزداد يوم عن أخر لذا فان على الجميع الاحتكام إلى لغة العقل والحوار ورفض التعصب والعنف سواء من " الحراك الجنوبي " أو من "الحكومة اليمنية " التي هي مطالبة أكثر من أي وقت مضى بان تستمع لشكاوي الجنوبيين والجلوس معهم للتباحث حول هذه الشكاوي وكيفية إيجاد حلول لها.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو هل سيتحول الجنوب فيما هو قادم من الأيام إلى عراق أخر أو مقديشو أخرى ومعه يصبح خبر انفجار سيارة ملغومة بسوق الشيخ عثمان ومصرع 20 شخصا من الأخبار الاعتيادية جدا ؟ أقول هذا ليس لأنني أتمنى الشر ولكن المتابع لأعداد الضحايا سيجد انه يتزايد بشكل مهول، لدرجة تجعلنا نقول معها ان على الجميع ربط الأحزمة فنحن قادمون على مرحلة يبدو أنها عاصفة للغاية.
[email protected]
*كاتب وإعلامي - عدن