إن تشخيص أي مرض وحالة مرضية تكاد تكون مرتكزة على ركنين أساسيين من أجل عرضها على الأطباء المختصين.
أما الركن الأول في التشخيص فيقوم على العديد من التحاليل الاختبارية والمختبرية، في معامل على درجة عالية من الدقة والكفاءة التشغيلية، التي يعمل عليها تقنيون مختصون أكفاء، وهم اللذين يقومون بتجهيز العينات التي تؤخذ من المريض، ثم يجتهدون في استقراء النتائج من الأجهزة عالية الكفاءة.
والركن الثاني الذي يقوم عليه التشخيص والذي غالبا ما ننساه ولا نعيره اهتماما يستحقه نحن هنا في العالم الثالث عشر وهو الذي يكمل الركن الأول، بل ويعتبره غالب الأطباء ركنا لا غنى عنه البتة، وهو تاريخ المرض!
إن الطبيب الحكيم والمخلص لمهنته لا يغفل مطلقا الغاية، والمقاصد في استقراء التاريخ المرضي في أسرة المريض وسلالته حتى يتمكن من تشخيص المرض وتوصيف الحالة المرضية التي أمامه!
وقبل ذا وذاك هل قد اعترف، فاقتنع المريض أمام نفسه أنه مريضا وبحاجة إلى ما ذكرناه آنفا؟
إذن فالقضية الأساسية في بداية رحلة الشفاء، تبدأ في قبول المريض نفسه أمام نفسه بأنه في حالة مرضية تستلزم زيارة الطبيب، والعلاج والاستشفاء، لأنه بغير ذلك، لن يستطيع ألف طبيب على علاجه والشفاء!
ونحن ما زلنا نسأل لماذا الذي يحدث في اليمن يحدث في اليمن؟
وتذهب بنا الأسئلة مذاهب جم بعيدة، وتطرحنا التساؤلات في مدارج التيه والضياعة والجهالة، والارتحال بعيدا عن موانئ السلامة وشواطئ الأمان!
وبعضنا ما فتئ يطرح الأسئلة العشرة أو الخمسين التي يرى في الإجابة عنها مشروعا سياسيا للخروج بنا من الأزمة، وعنق الزجاجة، ومن رحم المأساة مولودا جديدا... وكأنا كنا في كوكب آخر ووصلنا اليمن ليلة أمس!
وكأنا لا نعرف أن اليمن تدور في نفس الدائرة من ألف عام أو تزيد.. وما زلنا في نفس المربع!
أولا يجب أن نعترف أن في الجسد اليمني مرض، وإذا ما اعترفنا أن المرض يأكل من صحة البدن وعافية الجسد منذ ألف عام أو تزيد.. عندئذ سنبدأ بدراسة تاريخ المرض الذي أظهر عجزا مهينا وفظيعا في وظائف الجسد اليمني المنهار، وكيمياء عقله المتهاوية، ونفسيته التي تهالكت تحت مطارق الإجهاد، وأبواق الحروب عليه منذ ألف عام!
الأفق السياسي في اليمن بابه موصد يا صديقي منذ صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر والثلاثين من نوفمبر!! وحينها دخلنا نفقا مظلما بأوساخنا وخلافاتنا، فتقاتلنا، وأهدرنا كرامتنا بسخف وحقد غبيين! وخرجنا في كل مرة نتعاتب، ثم نهرول للمصالحات والأحضان بالأحضان تخفي وراء ظهورنا جراحاتنا مظهرين ضحكات من بين الأسنان، والقلوب بها ما بها من الألم والتظلم والقهر والنكات السوداء!
وسيظل الأفق السياسي موصد بابه إلى أن نجد مفتاحه الذهبي واليد الكريمة التي تحمله مع الفجر المثير بالبهاء! وكل الأسئلة المطروحة عشرة أو مئة سؤال داؤها واحد، وحلها واحد، ودواؤها واحد... وهو أن التوصيف الواضح للشفاء، والفاضح للداء، والطامح للدواء..
التوصيف الحقيقي لكل مشاكلنا وداءاتنا وجراحاتنا وحروبنا هو: يجب أن يعترف كرسي إمامة مدعي الزيدية في صعدة الذي ينتظر مهديه وكرسي رئاسة جناحي الإمامة في صنعاء وهو بحسب أدبيات مدعي الزيدية، حق ممنوح مؤقتا من كرسي الإمامة لأي زيدي بالرئاسة بانتظار إمام من البطنين..!
أقول: يجب أن يعترف كرسي الإمامة في صعدة، وكرسي رئاسة جناحي الإمامة في صنعاء أن هؤلاء الرعية الشوافع أصحاب منزل لهم الحق في تولي الحكم لإصلاحه أيضا، وأن يصبح منهم رئيساً يحكم البلاد.. وخلل المعادلة التاريخية يجب أن يعاد النظر في طرفيها!
فليس "زيدا إماما والشافعي محتسبا" قاعدة أزلية!
ويكفي ألف عام من الاحتساب يا "زيدا"!
تلك قاعدة فقهية زيدية عفى عليها الزمن وتبادلت الدود على عفنها!
وما تلك الحرب التي يشنها على ونظامه وزبانيته وتنابلته على أهلنا وأحبتنا في المحافظات الجنوبية والغربية والشرقية وهم شوافع بلا استثناء ليست حربا ضد الحراك، أو بعض أصوات الرفض هنا أو هناك!
أبدا!
هي حرب ضد الشافعي الذي يعلمه الحراك وقبائل مآرب أن يقول (لا)!
أما حان للإمام الشافعي أن يخلع عمامته وجبته ليخرج إلى الشارع ويعلن العصيان المدني السلمي على الكرسي والرئاسة وجناحي الإمامة، فيخرج إلى الشارع حتى يرضخوا للحقيقة أن المريض سيشفى!
*الشيخ عبدالكريم عبدالله عبدالوهاب نعمان - نجل الشاعر اليمني الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان رحمه الله