ثمة مفاهيم مغلوطة ترتبط بطبيعة عمل طواقمنا التلفزيونية (في اليمن ) وغدت لصيقة بتنفيذ أعمالهم الميدانية..
ومن أبرز تلك المفاهيم ضرورة البحث عن غريم كما يسمى في أوساط طواقمنا يتكفل بدفع (ماكتب الله) مقابل قيامهم بتصوير مهمة معينة قد لاتُبث إن كانت تتبع قطاعاً خاصاً أو بمشاركة جهة معينة لأنها محسوبة "إعلان" وفق مفهوم أصحابنا، وكذلك تقاعس الطواقم عند التصوير لأي مادة برامجية من الشارع لأنها لاتضمن وجود "غريم" في الشارع، وكذلك سهولة تركهم العمل بحجة نفاد تجهيزات أدواتهم التي لاتنفد أبداً حال وُجد (غريم) في مهمتهم..
ومما ورد أيضاً إشتراطهم للتصوير عدم وضع أي منتجات أو معلبات معينة أمام كاميراتهم لأنها "على طول " محسوبة "إعلان" أو لابد من إزالة الملصقات التي توضح أسماء تلك المنتجات ولو كانت أمام أي مسؤول في الدولة فلابد من "ربشه" تماماً بإشاراتهم له بضرورة إنزال علب الماء والعصائر من امامه وكذلك إزالة الملصقات.. وهكذا..
وبالإضافة إلى كل ذلك يبدو"الغريم" على قدر كبير من الأهمية وهو يستقبل كشوفات"الأسماء المسلسلة" من طواقمنا التي تستزيد كلما كان غريماً سهل المنال يضيف كل إسم يريدونه إلى الكشوفات بدون إعتراض لأنه في الأخير حريص جداً على أن يبثوا ولو دقيقة من نشاط أو فعالية نصبته مسؤولاً عن الجانب الإعلامي لها وربما لآخر مرة يتولى هذا المنصب بسبب أصحابنا، فمما يُحسب لهم أنهم الوحيدون في عالم التلفزة في العالم يحيلون السائقين إلى محررين كبار وبالتالي يمكن بسهولة أن يجري السائق مقابلة متلفزة لأنه بإمكانه أن"يركز" المايكروفون ويتعاون هو والبقية في الإشارة إلى هذا المعني أو ذاك بضرورة الحديث عن أي شيئ حتى ولو خارج الفعالية أو حتى في أسوأ الحالات عن إنطباعاته بعد الفعالية أو إهداء سلامه وتحياته لمن أراد حتى من خلال نشراتنا الإخبارية..
وهكذا تُنتهك حرمة المهنة وتُلغى كل خصوصياتها بسبب عدم تقدير التلفزيون والمؤسسة العامة للتلفزة لموظفيها فهي تتركهم يبحثون عن غرماء بهذه الطرق في حين أنه هي الغريم الأوحد لأنها لاتعتمد أي مبالغ مالية للنزول الميداني لطواقم العمل أو ربما هي معتمدة ضمن الميزانية لكنها مصادرة حتى إشعار آخر ولكن الأهم في الأمر من يتحمل مسؤولية هذا التراجع المهني والقيمي لإعلامنا وطواقمنا وموظفينا؟؟
غدت طواقمنا مبعث مضايقة وخوف في ذات الوقت لكثير من الجهات التي تتبنى فعاليات معينة والمشكلة الكبرى أن كثيراً من تلك الطواقم مازالت تظن أننا التلفزيون الوحيد في العالم وأن هذه الفعالية أو تلك لن تجد سبيلاً للذيوع والإنتشار إلا عبر فضائياتنا في حين أن كثيراً من المحطات تتسابق اليوم على بث مجاني وأحياناً تدفع لتلك الجهات مقابل البث ومن منطلق تلك النظرة الأحادية يتصرف أصحابنا من مبعث قوة ربما، ولكنها قوة وهنت منذ فترة مضت لدى تخلي الناس عن مشاهدتنا، وبالطبع سيكون الأمر متغيراً كثيراً عما قريب لدى إقرار مشروع الإعلام السمعي والمرئي الذي بموجبه سيزدحم واقعنا اليمني بمزيد من محطات التلفزة والإذاعات وسيخسر أصحابنا كل الغرماء وستتوقف الإساءة للمهنة وسيكون الأبقى هو عدم تداخل الإختصاصات فسيظل المذيع في وظيفته ولكن السائق قد لايجد فرصاً لإنتحال شخصيات المحرر أو المذيع لأنه لاغريم حينئذ يندهش بما يمكن أن نتكرم بالتصوير لنشاطه أو فعاليته، فمن يفقه ذلك؟؟؟
بالمناسبة أنا لست هنا بصدد لوم الزملاء بقدر لوم المعنيين ولكن أن تتحول الوظيفة الإعلامية إلى سبيل إسترزاق فهذا غير صحيح أبداً، تخيلوا أن حالة إستنفار كبرى تشهدها ساعات الصباح الأولى في محطتنا لدى توزيع المهام والفعاليات، فمن سيكون حظه غريماً دسماً؟ ومن سيتم تعويضه غداً لأن غريمه اليوم ليس كما يجب، وتخيلوا أن كثيرين جاءوا بأولادهم "ليطلبوا الله" وليس لعمل إبداعي ثم لكم أن تتخيلوا أن كثيرين لدى تكليفه بفعالية يبادرك بسؤال قبل كل شيئ "كم يدفعوا؟" و" أمورنا سابرة" وكأننا في سوق بيع لحوم، وامام هذا الوضع أؤكد مجدداً على ضرورة وضع معالجات سريعة وعاجلة وجذرية بإعتماد لائحة حقوق تُنهي هذه المهزلة ولابد أن نضع هذه المسألة بين يدي المعنيين ولعل معالي وزير الإعلام خير من يتفهم أوضاعنا دوماً، ، وبعد الإشارة إلى أن ذلك الوضع سائد منذ عقود طويلة يبدو من غير المنطقي التساؤل عن عدم تطور أداء جهازنا الإعلامي الأهم في البلد..
*إعلامي بارز في الفضائية اليمنية