مرات عديدة مررت بها من أمام رئاسة الوزراء فقد كنت دائماً ممن يحبون الظل ويستهويهم (الجدر) ولم يدر بخلدي يوماً أني سأتعدى أبواب هذا المركز الحكومي المهم وأنظر إلى ما تخفيه أسواره، ولكن جمال الأيام يكمن فيما تأتي به من مجهول .
فالمجهول الذي أصبح واقعاً هو توافقي مع زملاء لي في جامعة صنعاء اجتماعنا والتفافنا حول حب التخصص العلمي و النهل من منابعه بشكل يُشبع تعطشنا إليه فتقاسمنا عناء التفكير في إيجاد حل يسهل علينا ذلك الأمر عن طريق دق أبواب الدراسات العليا في اليمن كلاً في تخصصه. انطلقنا من مبدأ البساطة التي هي عاملنا المشترك -في وطن كل ما فيه بسيط- لنحقق حلماً بسيطاً باستكمال دراستنا العليا ولم يساورنا شك بأن تظهر عراقيل تثقل حركته، وتعقيد يشله، وتعنت قد يصل إلى وأده، ذلك الجاثوم الذي ربض على صدورنا المتمثل في لائحة الدراسات العليا الجديدة.
هل نتخلى عن حلمنا البسيط من جراء ذلك، هذا الأمر ما رفضه الجميع؛ فتجمع البسطاء من طلاب الدراسات العليا لإنقاذ حلمهم ولإيجاد حل لذلك ولإسماع صوتهم الذي لم يتنافى مع مبدأ المنطق والعقلانية اللذان قادانا إلى التوجه لساحة الحرية، التي أثبتنا فيها تقدمنا وتحضرنا باستخدام الحق في الاعتصام بالشكل الذي ينصه القانون وتوجبه علينا نظرتنا لأنفسنا كشباب جامعي مثقف وعلى عتبات تصنيف أكاديمي.
شعاراتنا بسيطة كبساطة مطالبنا، وجودنا منظم, تعاون كامل مع قوى الأمن، عدم الهتاف بشعارات لا معنى لها إلا الإساءة لمستخدميها، ولم تكتمل الصورة لدينا في التحضر والرقي إلا عندما تم التجاوب و الموافقة والسماح لمندوبي الطلاب بإيصال أصواتهم إلى أهل الحل والعقد داخل ذلك المبنى المهيب بشكل يدعم صحة نظرنا بأنا سلكنا الطريق الصحيح والقويم لعرض ما حاق بنا.
تم توجه المندوبين إلى داخل المبنى بعد السماح لهم و الموافقة على مقابلتهم فكان ذلك بالنسبة لي قمة في التفهم من قبل المسئول -أياً كان- الذي أمر بذلك.
تم مرافقتنا من قبل رجال الأمن ببزاتهم المختلفة ورأينا منهم مالم يكن متوقعاً من حفاوة استقبال، خفة ظل، روح مرحة، ابتسامة لا تفارق الشفاه وتضامن معنوي لما قدمنا من أجله؛ ذلك عزز في أنفسنا أشياء كثيرة كنا نرى خلافها في هؤلاء الأشخاص في مثل هذه الأماكن؛ الأمر الذي تعداه إلى ازدياد تفاؤلنا فيما نصبو إليه من إيصال أصوات إخواننا ممن بقوا في الخارج أو من أجبرتهم ظروفهم البقاء في كلياتهم.
تضاعف الأمر عندما تم استقبالنا في صالة كبار الضيوف -كما أعتقد- وانزاحت كل بقايا الشكوك في عدم نجاح ما نصبو إليه وتبددت كل غيوم الإحباط بعدم الحصول على نتيجة إيجابية عندما التقينا الشخصية التي ستستمع إلينا والتي كنا نهاب ونستصعب الوصول اليها , تلك الشخصية هي سيادة وزير التعليم العالي د/صالح باصرة. ظننا بأن لقاءنا مع وزيرنا المختص سيوفر علينا مراحل أخرى كنا في عداد التخطيط لها لاستعادة حقوقنا... حقوقاً كانت لمن قبلنا ولم نستحدثها نحن.
وخلال هذه الرحلة البسيطة بين باب المبنى وداخله وجدنا أشياء كثيرة كنا نبحث عنها ونتمنى ان تكون، ولكن ما فقدناه كان أكبر من كل ذلك فبلقائنا ذاك لم نفقد سوى التقدير لعقليتنا، والكثير من الاستخفاف لما نريده ولما ننوب به عن زملائنا.
كان وزيرنا كريماً عندما بدأ بطلب عرض ما جئنا من أجله، لكن لم يمضِ الكثير من الوقت بل لم يمضِ القليل منه أيضاً، ولم تنسل من أفواهنا لا الكثير و لا القليل من الكلمات حتى تحولنا من أصحاب رأي يراد إسماعه إلى مستمعين – قهريا- إلى رأي الوزير الذي كان مطابقاً لما نبحث عن خلافه، ولحظات حتى تحولت نبرة سيادته من نبرة تأكيد لرأيه إلى نبرة إقرار لما هو مقرر دون نقاش أو توضيح ،بل تعدت تلك النبرة هذا الأمر أيضاً إلى نبرة اتهام لنا بإضعافنا نحن للتعليم العالي ونسى أو تناسى أو أستثنى ذلك عن قلة كفاءة مسئول، رداءة منهج، تقصير جهات ذات اختصاص أو غياب ما يفترض وجوده ...... لينتهي به الأمر إلى ان يظهر لنا حقيقتنا في نظره بأنا لسنا أهلاً للدراسات العليا إنما بحثنا هذا يكمن رغبة في الشهادة وليس للعلم وإن كان الأمر كذلك فلديه الاستعداد لإصدار أوامر إلى رئيس جامعة صنعاء لاستخراج تلك الشهائد التي نبحث عنها بشرط ألا تكون ملزمة بالتوظيف.
صُعق كل منا نحن مندوبي الطلاب لهذه النظرة التي يراها فينا وزيرنا . فإذا كان هذا هو رأي وزير التعليم العالي بطلاب الدراسات العليا فما هو رأي من هم خارج هذا الإطار . كما تولد لدينا سؤال أخر هل تلك الشهائد التي سيصدرها هي بدعة سيستحدثها لنا نحن فقط أم هي يا ترى أوامر معمول بها فعلاً !.
لم نعرف حينها هل تم إدخالنا للاستماع لسيادته ام ليستمع هو إلينا!!؟ لكن خلال ما تمكنا من انتزاعه من وقت محاضرته؛ تم الإشارة إلى ما يلاقيه طالب الدراسات العليا من تبعات مالية كبيرة تُرمى على عاتقه تجبره على إما الانسحاب من الدراسة كلياً أو ألا يقوم بواجباتها بالشكل الأكمل مما قد يؤثر سلباً على جودة بحثه أو رسالته، أتى رده أكثر إيلاماً مما كان في سابق كلامه بقوله : "لم نضرب أحد على يده ولم نجبر أحد على الالتحاق بالدراسة" . لكن من خلال هذا الرد هل يمكن أن يجيبنا على تساؤل يكمن في ما هي مسئولية وزارته في ذلك غير جني الغرامات ورسوم التسجيل والرسوم الجديدة للتوفل (المحلي) في كلية اللغات.
لم يكتفِ وزيرنا بذلك بل كان الأنكى والأكثر ألماً ما جاء عرضة في كلامه " اللي مش قادر ينسحب...." بمعنى (على قدر غطاك مد رجلك يا طالب) وبذلك يقتصر الالتحاق بالدراسات العليا على شريحة الأغطية الطويلة أو الأرجل القصيرة!!
انتهى لقاءنا بوزيرنا بعد ان اوضح رأيه النهائي فيما قدمنا من اجله والذي كان على مبدأ ((اللي عاجبه ...........)).
استعجب معظمنا إن لم يكن كلنا من كنا في الداخل ومن ظلوا في الخارج لما أسفر عنه ذلك اللقاء الذي أظهر بشكل قاطع أراء الوزير المختص لما جئنا من أجله، ولطريقته لإصلاح مخرجات الدراسات العليا عن طريق المبدأ الذي أقره في لائحته الجديدة، ولطريقة مقابلته تلك لنا والتي كانت -إذا أمكن القول- على أرض حيادية، فماذا كان سيحل بنا إن كنا قد إلتقيناه في وزارته!!.
كل ذلك أوجد رغبة أكبر لدى الطلاب في الاستمرار بالمطالبة لما نراه حقاً لنا وذلك بالسير على نفس النهج الذي بدأنا به في إطار إعتصاماتنا التي ستكون كسابقتها بكل تحضر ورقي وضمن ما يمنحه لنا القانون دون تجاوز.
وأختم هنا بما اردنا ايصاله وما رفض الوزير الاستماع إليه:
- بحضورنا واعتصامنا في ساحة الحرية ليس إرغاماً منا على الوزارة أو أن نفرض رؤيتنا الخاصة عليها، بل كان انطلاقا من مشكلة فاتتكم ولامسناها.
- إن كان هناك من يعرفهم الوزير ليسوا أهلاً للالتحاق بالدراسات العليا فذلك حجة عليه وليس شرطاً في أن يكون البقية على شاكلتهم بل معظمنا أهل لذلك إذا ما تسنت لنا الفرصة كاملة كما تسنت لمن هم من قبلنا دون زيادة نبتدعها.
- إجادة اللغة الإنجليزية ليست مشروطة بالنجاح بالتوفل، وذلك ليس اعتراضا من عليه ولكن كمرحلة أولى يتم الاكتفاء بدبلوم باللغة الإنجليزية تتحمل فيه الوزارة والجامعة جزءاً من التبعات المالية المرتبطة به كون الجامعة ستستفيد من جودة الأبحاث التي يعتقد بأن التوفل هو السبيل الوحيد لرفع جودتها.
- رفضنا لمبدأ (روحوا ادرسوا) الذي تكرر في مقابلة الوزير وإعادته إلى مبدأ (تعالوا أدرسوا) من خلال اهتمام الوزارة والجامعة بمسئوليتها من خلال استحداث قاعات، الاهتمام بمراكز للابحاث، تحديث المكتبات وتجديد المعامل.
- إعادة النظر في تمهيدي الدكتوراه كونها ازدياد و تعمق أكثر في التخصص فالدراسة والاختبار الشامل لا يتفق مع دقة التخصص.
- إعادة صياغة اللائحة عن طريق لجنة من ( ممثلي الدراسات العليا كإدارة مختصة، ممثلي عن نقابة هيئة التدريس بالجامعة كجهة وسيطة بين التنظير والتطبيق، مندوبي طلاب الدراسات العليا كجهة مستهدفة من تعديل اللائحة.
في الأخير، أحب أن أظهر لكل من خفي عنه الأمر أن طلاب الدراسات العليا هم جزء من الكيان الأكاديمي للجامعة وللوزارة وللبلد، وأن كنا اللبنة الأصغر أو الحلقة الأضعف فإنا مازلنا وسنظل جزءاً من هذا الكيان، وعليه يجب ألا يتم استثنائنا فيما يتعلق بهذا الكيان كتعديل أو إلغاء أو استحداث لأي قرارات متعلقة به.