ما الذي يفعله بنيامين نتانياهو يوميا؟ الجواب انه يجس نبض الرئيس باراك أوباما كي يتأكد المرة تلو الأخرى أن في استطاعة الحكومة الإسرائيلية أن تتصرف بالطريقة التي تراها مناسبة كي تكرس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، ما في ذلك القدس الشرقية، لمنع قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" على حد تعبير الرئيس الأميركي نفسه.
لم تمض أيام على الزيارة التي قام بها بيبي نتانياهو لواشنطن حيث كان له لقاء "ممتاز" مع الرئيس الأميركي، حتى عاودت الجرافات الإسرائيلية نشاطها في أحياء القدس بهدف تهجير السكان العرب منها. يبدو واضحا أن هناك رغبة إسرائيلية في تشجيع التطرف في المنطقة والقضاء على منطق التعقل على نحو كامل. كل ما يريده بيبي نتانياهو هو متابعة استفزاز الشعب الفلسطيني كي يشعر كل من ينتمي إلى هذا الشعب بان لا فائدة من أي مفاوضات أكانت مباشرة أو غير مباشرة. ليس صدفة في أي شكل أن يأتي هدم بيوت الفلسطينيين في القدس والإعلان عن بناء وحدات سكنية جديدة في أراض عربية محتلة بعيد دعوة الرئيس أوباما إلى عودة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى المفاوضات المباشرة. هل كانت الحكومة الإسرائيلية، عبر تصرفاتها الأخيرة، تريد إحراج السلطة الوطنية الفلسطينية أم إنها تريد عمليا إحراج الرئيس الأميركي... أو الجانبين معا؟
في كل الأحوال، أثبتت الإدارة الأميركية الحالية مرة أخرى إنها لا تمتلك سياسة واضحة في الشرق الأوسط وإنها عاجزة عن الإقدام على أي خطوة في اتجاه تسهيل التوصل إلى تسوية تستند إلى حد أدنى من المنطق والعدالة. كل ما في الأمر، إن المواقف المائعة لهذه الإدارة، التي قد يعتقد المرء إنها تخفي شيئا ما، تصب في خدمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي يقوم على فكرة تشجيع التطرف في أي بقعة من بقاع الشرق الأوسط.
المؤسف ان الإدارة الأميركية تتجاهل أكثر فأكثر، على الرغم من التحذيرات التي وجهها قبل أشهر قليلة عسكريون كبار بينهم الجنرال بتريوس قائد القوات في أفغانستان، إن السياسة الإسرائيلية صارت أفضل حليف لكل من يرفع شعار "الموت لأميركا" في الشرق الأوسط الكبير. لم يعد سرّا إن السؤال الذي يطرحه كل من يسعى إلى الاعتدال والعقلانية وتغليب لغة المنطق على كلّ ما عداها : هل الإدارة الأميركية معنا أو ضدنا. هل تريد بالفعل حلفاء في الشرق الأوسط أم إنها تشجع التطرف والمتطرفين عن طريق التغاضي عن الاحتلال الإسرائيلي وهو تغاض تحول إلى تهديد مباشر للحلفاء ومصالحهم الحيوية؟
في غياب رئيس أميركي يستطيع ان يقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أي رئيس للوزراء، ان كفى تعني كفى، صارت الإدارة الحالية بمثابة مصيبة على حلفائها. يكفي فشلها في الدفع في اتجاه تشكيل حكومة عراقية بعد مضي أربعة أشهر ونصف شهر على الانتخابات العراقية للتأكد من ان كل ما فعلته واشنطن حتى الآن هو تسليم العراق على صحن فضة إلى إيران. والدليل على ذلك، ان طهران باتت تمتلك حق الفيتو تمارسه في وجه اي سياسي عراقي لديها ملاحظات عليه. من هذا المنطلق، أصبح ممنوعا على الدكتور إياد علاوي مثلا ان يكون رئيسا للوزراء على الرغم من ان ذلك حق طبيعي للرجل بعد فوز لائحته بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة. صارت الولايات المتحدة الطرف الأضعف في العراق، هي التي استخدمت جيشها لقلب النظام فيه. اذا كانت أميركا ضعيفة إلى هذا الحد في العراق في السنة 2010، ما الذي سيمكن قوله في السنة المقبلة عندما يفترض ان لايعود لديها جنود في العراق.
لنضع العراق جانبا. ماذا عن الاردن؟ كيف يمكن تفسير وضع واشنطن العراقيل في وجه المشروع النووي الاردني وهو مشروع سلمي يتمتع باكبر مقدار ممكن من الشفافية. لدى المملكة الاردنية الهاشمية، وهي بلد لديه موارد محدودة، قدرة على الاستفادة من مخزون من اليورانيوم في باطن الارض لانتاج الطاقة. هذا المخزون موجود في الارض الاردنية وليس في اي مكان آخر. بدل مساعدة بلد وظف في السلام والانسان واستثمر فيهما وعمل في الوقت ذاته على نشر الاعتدال والوسطية والقبول بالآخر في المنطقة، اذا بالادارة الاميركية تعرقل كل مشروع يصب في دعم الاردن ودوره المعروف على الصعيد الاقليمي وكأن العمل من اجل السلام ودعم الاستقرار بات شبهة.
غريب امر الادارة الاميركية التي قالت انها تريد ان تكون مختلفة عن سابقتها. هل تريد الانضمام إلى بيبي نتانياهو في دعم التطرف والمتطرفين والقضاء على كل عربي يفكر في السلام وفي امكان احقاقه في الشرق الاوسط؟
من يراقب عن كثب تصرفات ادارة اوباما لا يجد ما يقوله سوى ان عليه الرهان على اعدائها أو على العداء لها. ربما كان ذلك افضل من اي رهان على الاعتدال نظرا إلى ان واشنطن تبدو اكثر من اي وقت اسيرة حكومة اسرائيلية عداؤها المباشر لكل من ينادي بالسلام أو يفكر فيه... أو يُشتبه حتى بان هاجس الابتعاد عن التطرف خطر على باله.
تطرح التصرفات الأخيرة للادارة الاميركية سؤالا في غاية البساطة. من صاحب الكلمة الأولى والاخيرة في الشرق الاوسط، أميركا أم اسرائيل؟ في حال بقيت الأوضاع على حالها واستمرت حكومة بيبي نتانياهو في سياسة الاستيطان، لا تعود حتى حاجة إلى طرح مثل هذا السؤال. لن يعود مكان سوى للتطرف والمتطرفين والجبهة العريضة التي تضم كل هؤلاء من عرب وغير عرب وإسرائيليين. سيتبين ان أولئك الذين تتشكل منهم هذه الجبهة يمتلكون مصالح مشتركة وان الذين يرفعون شعارات التطرف في مواجهة إسرائيل هم افضل حلفائها. هؤلاء، لا خطر عليهم من قريب أو بعيد ما دامت القوة العظمى الوحيدة في العالم تحولت إلى مجرد متفرج على اسرائيل وهي تمارس ابشع انواع الارهاب المتمثل في ارهاب الدولة!