توقف مسار التحول في تاريخ اليمن المعاصر في 17 يوليو 1978 م اليوم الذي وصل فيه الرئيس علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم في ظروف متقاطعة وخطيرة جعلت الكثيرين يحجمون عن التفكير بالجلوس على كرسي الحكم بعد اغتيال رئيسين في شمال اليمن خلال اقل من 9 اشهر.
وبالرغم من أن فترة حكم الرئيس صالح تعد هي واحدة من اهم الفترات التي مرت بها اليمن نظرا لتنوع وتعدد الاحداث والتحولات التي مرت بها اليمن والمنطقة ، الرجل الذي تسلم حكم شمال اليمن في ظروف صعبه يفضل الاحتفال بتوليه المنصب في دولة الجمهورية العربية اليمنية بدلا من الاحتفاء بيوم اختياره من قبل مجلسي الشعب والشورى في الشطرين عشية قيام دولة الوحدة أو ذكرى انتخابة رئيسا في 27 سبتمبر 1999م في اول انتخابات رئاسية تنافسية والرئيس صالح بات اليوم يحكم اليمن الموحد ويحتفل اليوم ببقائه رئيسا لفترة تزيد عن الفترة التي عاشها من حياته قبل تسلمه الحكم.
الاحتفاء بتلك المناسبة هو أشبه بمحاولة الرئيس اختزال فترة حكمه في ذلك اليوم الذي وصل فيه إلى كرسي الموت ، الذي استطاع الرئيس صالح سد الثغرات المفضية لاعتباره كذلك ، مستخدما ثنائية المال والعسكر ، وشراء الولاءات وعدم التصادم مع القوى السياسية واجتماعية الموجودة ، حيث يفضل التفكيك لاي تحالفات قد تنشأ بين أي قوى واطراف.
الرجل بارع جدا في اسلوب الادارة بالازمات ، وهو اسلوب خطر محفوف بالمخاطر ، ولاينجم عنه سوى الحفاظ على بقائه على سدة الحكم وابقاء جميع الاطراف المحلية والاقليمية والدولية تحتاج لبقائه في حكم اليمن .
لم يبن دولة لكنه حافظ على بقائه سالما وسط مربعات النار التي يستمتع باشعالها والتحكم بدرجة اشتعالها ، بعد 32 عاما من التربع على كرسي الحكم الذي قال عنه الرئيس نفسه انه كرسي من نار وانه يرقص على رؤؤس الثعابين هاهو اليوم يرقص البرع في طريق مليئة بالحفر والمخاطر، وتتشابه الصورة اليوم مع الصورة بالامس عند بداياته كانت هناك مشاكل عنيفة تهدد الاستقرار السياسي وصراعات بين الشطرين اليوم هناك حرب في شمال الشمال وحراك مسلح في جنوب اليمن وتنظيم القاعدة ظهر كعدو يمتلك القدرة على التأثير بالاضافة إلى الصعوبات الاقتصادية الجمة التي تواجه اليمن وارتفاع معدلات الفقر والبطالة ن كل هذه الامور ليست غريبة على الرجل الذي يجيد التنقل بمهارة في وسط الازمات اكثرمن الظروف الهادئة والاعتيادية، لعل مرد الامر إلى ان نفقات ادارة الازمات اقل كلفة من الانفاق على البناء والتنمية فوجود ازمات في البلد تخرج مناطق كبيرة كما هو حاصل في محافظات صعدة والجوف والضالع ولحج ومأرب وابين ، من حسابات التنمية وتجعل الانفاق مركزا على المجهود الحربي والعسكري الذي يستطيع الرئيس ايجاد مصادر تمويل له بشكل اكثر سهولة من ايجاد وتسخير موارد للانفاق على عملية التنمية.
الرئيس مثل أمريكا تماما ويفهم اسلوبها في ادارة العالم والناخب الأمريكي عن طريق اثارة المخاوف وخلق الاعداء من اجل تبرير تصرفاتها ، لذلك يتحرك الرجل وفق المؤشر الأمريكي خلال جميع مراحل حكمه عرف الرجل بكونه يريد لعب دور حارس البوابه، لكن وجوده جوار حلفاء اكثر اهمية لأمريكا حرمه من لعب هذا الدور،لكنه مع ذلك يفهم الاجندة الأمريكية ويرقص معها بتناغم فهناك عدوين لأمريكا هما في نفس الوقت عدوين للرئيس صالح إيران والقاعدة ، عدوين وهمين لأمريكا وللرئيس صالح ، ارتماء الرئيس صالح في اعلان حرب على القاعدة وإيران جعله يستقطب اهتماما متزايدا من الادارة الأمريكية وتحول السخط إلى رضا وصار الرجل هو من يمكن الاعتماد عليه في بعض نقلات حرب الادارة الأمريكية ضد القاعدة في اليمن، ولوتطلب الامر خلق قاعدة وتهويل وجودها ، وبات واضحا ان الرئيس وأمريكا يعرفان تماما اوراق اللعبة المكشوفة لكنهنا يواصلان لعبها طالما وهي تحقق اهداف كلا الطرفين.
الرئيس صالح وان كان هو الشخص الوحيد في اليمن الذي يمتلك مفاتيح اللعبة السياسية يبدو مؤخرا انه بدأ يعاني من حالة من الملل وقلة من المرونة التي عرف بها .. وبات اكثر ميلا للانفراد باتخاذ القرار واقصاء معارضيه وحتى رجالاته المقربين ومستشاريه ووصل به إلى حد مهاجمتهم الذين بدورهم انكروا ان يكون يستشيرهم في أي من الامور.
في 17 يوليو استطاع الرئيس احضار امناء عموم الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان إلى دار الرئاسة لرؤية جموع المهنئين له في ذكرى الجلوس بحجة التوقيع على وثيقة للمضي قدما في تنفيذ اتفاق فبراير ، كانت فرصة جيدة ليشعر الرجل بانه مازال مسيطرا على الوضع ، بعد التهدئة في صعدة وزيارة امير قطر لليمن وعودة الوساطة القطرية وتحصله على وعود دولية واقليمية بتهدئة الاوضاع في الجنوب والسيطرة على اندفاعات القيادات الجنوبية المعارضة في الخارج والحد من قدرتها على التحرك، شريطة السير قدما في اجراء جوار سياسي ، يرى الرئيس صالح ومعارضيه انه سيسمح باجراء تعديلات دستورية وتعديل قانون الانتخاب قد تؤدي لتصفير عداد الرئاسة وتمنح الرئيس فترتين انتخابيتن قادمتين مدة كل منهما خمس سنوات.
اصبح الرئيس صالح اليوم اكثر تشبثا بكرسي الحكم فمن عاش اكثر من نصف حياته رئيسا لا يمكن له التفكير بسهوله بترك ذلك الكرسي بسهولة خاصة في ظل انعدام امكانية وجود معارضة حقيقية وفاعلة تشكل خطرا على الرئيس يدرك الرئيس صالح اكثر من غيره ان استمرار اي شخص قادم على راس هرم السلطة لن يكون الا عبر المؤسسة العسكرية وبالتالي اصبح يولي المؤسسة الامنية والعسكرية اهتماما يفوق اهتمامه بالمؤسسات المدنية، كما ان المؤسسات العسكرية هي الوحيدة القادرة على تأمين انتقال السلطة وتسليم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والامنية لابنه أحمد ولاقاربه من الدرجة الاولى.