انفرجت الأزمة السياسية في اليمن، أو هكذا يمكن القول بعد توقيع السلطة والمعارضة الأسبوع الماضي على محضر تنفيذ الاتفاق الذي سبق ووقع عليه الطرفان في فبراير 2009م، والمتعلق بتشكيل لجنة للإعداد للحوار الوطني الشامل، وإجراء تعديلات دستورية خاصة بالنظامين السياسي والانتخابي في اليمن.
وبعد أن كان البلد على موعد مع صيف سياسي ساخن، جراء تصاعد حدة الخلافات بين الحزب الحاكم وتكتل اللقاء المشترك المعارض، والتي وصلت الذروة مؤخراً بإعلان الأول السير منفرداً في الانتخابات البرلمانية المقبلة وتحذير الثاني من فراغ دستوري قد يجر البلد إلى منزلق خطير - كانت الابتسامات المتبادلة هي الحاضرة مطلع الأسبوع الفائت بين قيادات أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم، التي التقت لأول مرة منذ قرابة عام ونصف على طاولة واحدة بحضور الرئيس علي عبدالله صالح الذي استضاف الطرفان في دار الرئاسة ورعى توقيع محضر اتفاقهما.
المشهد السياسي في اليمن، وان بدا خلال الأسبوعين الماضيين متناقضا ويشوبه الغموض، إلا أن خضوع السلطة والمعارضة لتوقيع محضر الاتفاق كان الحل الوحيد والممكن لإخراج اليمن من عنق الزجاجة. فلو لم يتم الإعلان عن هذا الاتفاق، فانه كان على اللجنة العليا للانتخابات أن تدعو المواطنين في أغسطس المقبل لتسجيل أسماءهم في سجلات الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية المحددة دستورياً في ابريل المقبل. وهي الانتخابات التي أعلنت المعارضة مقاطعتها وعدم الاعتراف بشريعة ما ستفرزه من نتائج، وحجتها في ذلك أن الشرعية الوحيدة هي لاتفاق فبراير الذي وقعته مع الحزب الحاكم في 2009 والذي بموجبه تم تأجيل الانتخابات والتمديد للبرلمان عامين كاملين ، فجاء الاتفاق الأخير لينقذ البلد من أزمة خانقة كانت تنتظره بعد أيام قليلة، وهو ربما ما أدركه الرئيس صالح الذي يدرك أيضا انه لم يعد بمقدوره إدارة البلد منفرداً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية المتردية التي يعيشها اليمن في الوقت الراهن والتي لم تعد تحتمل استمرار التأزيم السياسي.
ضغوط خارجية
عدا ذلك فان ضغوط إقليمية ودولية كان لها دوراً واضح في توقيع محضر الاتفاق الذي وان تفاجأ الجميع به من مواطنين عاديين وساسة إلا انه منح الجميع أيضا دفعة كبيرة من التفاؤل بمستقبل أفضل للبلد الذي لم يعرف الاستقرار خلال السنوات الماضية.
ولان البديل عن التوافق السياسي والحوار والوطني هي الفوضى التي قد تجر البلد إلى أتون حرب أهلية، فان المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يكن ليسمح بانهيار البلد المجاور لأهم ممر مائي يتم عبره نقل ثلث احتياطات العالم من الطاقة.
وما يعزز مثل هذا الطرح أن الاتفاق جاء بعد يومين على اتصال الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرئيس صالح، وبعد أيام قليلة على لقاء جمع قيادات أحزاب اللقاء المشترك برئيس وفد الاتحاد الأوروبي ، كما أن هذا الأخير ربط في لقاء سابق برئيس الجمهورية مواصلة دعمه المالي لإجراء الانتخابات المقبلة بتحقيق التقارب السياسي بين السلطة والمعارضة، وهو ما ركز عليه أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني الذي قام بزيارة خاطفة الأسبوع قبل الماضي إلى اليمن استمرت لساعات فقط التقى خلالها بالرئيس صالح وأعلن عن إضافة مبلغ خمسين مليون دولار إلى المنحة المالية التي سبق وتعهدت بها قطر والبالغة نصف مليار دولار وذلك لإعادة الإعمار وإحلال السلام في صعدة، غير أن الأمير القطري شدد أيضا على أهمية التوافق الداخلي.
الجميع إذا يدرك أهمية التقارب السياسي بين السلطة والمعارضة ودوره في تحقيق الاستقرار لليمن وضرورة الحوار كسبيل وحيد للخروج باليمن من أزماته المتلاحقة والمتراكمة.
وبعيداً عن ذلك فان الرئيس علي عبدالله صالح سيجني مكاسب خاصة من وراء هذا الاتفاق. فإلى جانب تعطيل الديمقراطية لفترة قادمة حتى يتم الاتفاق على ملامح المرحلة المقبلة، فان التعديلات الدستورية التي سيتم إجراؤها خلال الشهور القليلة القادمة ستعطي الحق للرئيس صالح في الترشح لفترتين رئاسيتين جديدتين بعد أن كانت فترته الحالية هي الأخيرة.
مخاوف
توقيع محضر الاتفاق بين السلطة والمعارضة لا يعني انتهاء الأزمة السياسية في اليمن خاصة إذا ما علمنا انه ليس أكثر من إعادة تفعيل لمحضر اتفاق فبراير الذي سبق ووقع عليه الطرفان في فبراير 2009 وتم تعطيله لمدة 17 شهراً.
وما لم يتم البدء بالتنفيذ الفعلي لمضامين هذا الاتفاق وفق مدد زمنية مجدولة فانه سيتحول إلى أزمة جديدة تضاف إلى رصيد الأزمات المتلاحقة في البلد. وفي حال غابت النوايا الصادقة من كلا الطرفين لترجمة بنود الاتفاق على ارض الواقع خاصة من قبل السلطة فانه سيتحول إلى أداة للتهدئة واستهلاك مزيدا من الوقت.
الاتفاق أيضا لم يتطرق بشكل واضح إلى الانتخابات النيابية القادمة وما إذا كانت ستجري في موعدها الدستوري المحدد في ابريل 2011م أم أن تمديد ثالث للبرلمان سيكون هو المخرج لتلافي أزمة الفراغ الدستوري المنتظرة خاصة وان الفترة المقبلة لم تعد كافية للإعداد والتحضير لإجراء الانتخابات في موعدها.
وأمام كل ذلك يبقى التفاؤل ممكنا بعد توقيع الاتفاق الأخير بين السلطة والمعارضة ولكنه تفاؤل حذر يشوبه الخوف من أن يغرق طرفي الاتفاق في تفاصيله التي لا تحتاج لأكثر من رغبة حقيقية بالعبور بالبلد إلى شواطئ الأمان قبل أن تذهب به الأمواج المتلاطمة بعيدا وتصل به إلى مرحلة اللا عودة.