حيرة الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان وفي غيرها من مناطقنا الجغرافية, حيرة لم تجر علي قوة دولية سابقة بسبب بسيط جري تجاوزه بشكل متعسف هو أن القبائلية لاتصنع ديمقراطية, علي النمط الغربي, سوف تتعب أمريكا حتي لو حشدت ثلثي حكومات العالم في كابول من أجل تدارس مخرج لها من هناك, وحتي لو أجرت انتخابات كل عام في العراق, وهكذا في معظم, إن لم يكن كل, مناطق الشرق الأوسط المتعمدة في تركيبها الاجتماعي علي القبلية الذي جذرته في الممارسة أكثر وأعمق الدولة الريعية العربية المعاصرة.
المرحوم أحمد حسن الزيات) دبلوماسي مصري( عايش استقلال الصومال, حكي لنا القصة التالية ذات المغزي العميق قال إنه أراد أن يستكمل الشكل الحديث للدولة الجديدة فطلب من الاحزاب أن تسجل نفسها بشكل رسمي, فجاءته مجموعة صومالية, وقالت نحن حزب دحلة ومرنيلة سأل الزيات رحمه الله وماذا يعني اسم هذا الحزب, قالوا انه ممثل قبيلتين صوماليتين صغيرتين اسمهما دحلة ومرنيلة رفض الزيات تسجيل الحزب الجديد فالاحزاب تختلف عن القبائل, قال لهم ذلك, عاد إليه نفس الاشخاص بعد أيام من الاستمهال وقالوا لقد أسسنا حزبا جديدا, ولما سأل عن اسمه قالوا إنه الآن يدعي الحزب الديمقراطي المستقل سأل من جديد, وهل هناك حزب اسمه الحزب الديمقراطي, حتي تميزون انفسكم ب المستقل قالوا لا ولكن حزب دحلة ومرنيلة يحتاج إلي الحروف الثلاثة ليستقيم!!
القبيلة في الصومال والسودان وأفغانستان بل وحتي في مصر, ويحضرني مقالة كتبها استاذ الاجتماع في مصر السيد يسين في الأهرام بعد الانتخابات عام2005 قال فيها إنها انتخابات قبلية كانت شبه مفاجأة لي, ولكنها بعد حين كانت الحقيقة.
أخيرا نشر كتاب بعنوان الحصان القوي لكاتب صحفي أمريكي هو لي سميث مراسل الويكلي ستنندر في الشرق الأوسط, قال فيه شيئا لافتا للنظر, وقد يكون اكتشافا متأخرا لسوسيولجيا الشرق الأوسط من قبله, قال إن الغرب انقسم بعد الحرب العالمية الأولي في نظرته وتعامل مع شعوب الشرق الأوسط إلي مدرستين الأولي الفرنسية التي رأت أن شعوب هذه المنطقة) قبائل ومذاهب وطوائف( وقررت أن تتعامل معهم كذلك,و أما الثانية البريطانية فوجدت أن هناك أغلبية سنية في المنطقة, فتعاملت معها وقياداتها كنخب قادرة علي ترسيخ الاسقرار.يقول الكاتب إن أمريكا اتبعت المدرسة الإنجليزية حتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 فانقلبت الي المدرسة الفرنسية, هكذا يؤكد! وهو أمر يحتاج الي تفكير عميق هذا الأمر يؤكده مقال آخر نشر في الفورن أفيرز الشهيرة عدد يوليو وأغسطس الحالي في الأسواق, تحت عنوان الدفاع عن نجاح في أفغانستان يطالب فيه مؤلفوا المقال الثلاثة الي العودة في أفغانستان الي ماسموه الشرعية المحلية التي شتتها اصلا كما يري المؤلفون الاحتلال السوفيتي, قبل أكثر من ثلاثين عاما ودخلت بعدها أفغانستان في اضطراب سياسي شديد حيث انتهكت الشرعية المحلية القائمة علي نخب قبلية وطائفية. المشاهد من أحداث العراق هو ذاك, أي أن الدولة المركزيةليست مطلوبة في التصور المستقبلي للعراق, بل التعامل مع كيانات إنسانية متفرقة, وتحت ذريعة الحرص علي التعددية أو غيرها من الشعارات تصب هذا المطالبات بكيان كردي في الشمال,وسني في الوسط وشيعي في الجنوب, وما المنظور من حال التجاذب الخطر لتشكيل حكومة عراقية إلا بسبب ذلك الانفصام بين نخب تحن الي دولة مركزية وبين قوي تؤكد المناطقية والطائفية وهذا ما حصل ويحصل كنتيجة في السودان فالجنوب والشمال ليس نهاية القصة السودانية, علي مراراتها بل ايضا الغرب السوداني وربما الشرق السوداني أيضا.. في اليمن وفي الصومال وهكذا حتي في الدول العربية التي تبدو مركزية, فان نذر القبلية والمناطقية والطائفية هي الأكثر تعبيرا وأن اختلفت التسميات حتي في بلد كلبنان فان الاحزاب هي في الحقيقة اما مناطقية أو فئوية أو طائفية في الأغلب, هذا في لبنان المنارة العربية!! كما يراها البعض عن بعد!!والأكثر غرابة انه حتي الممارسات الديمقراطية علي هزالها جذرت الانتماء القبلي الطائفي والمناطقي وتغلبت علي بذور بناء الدولة.
فكرة الديمقراطية كما يعرف كثيرون قائمة علي المساواة بين اناس أو المواطنين في كيان اسمه الدولة وهي أي المساواة ليست قيمة من قيم القبلية أو الطائفيةأو العرقية فهي اي الأخيرة في كل تجلياتها تراتبية حتي النخاع. فكرة المساواة تناقضها فكرة التعصب السائدة, وهي سائدة لأن عضو القبيلة اي كان مظهرها الحديث يوحي له من الزعامة أو يؤكد لنفسه انه متفوق علي الآخر هو غير الآخر الدوني ليس بسبب قدراته أو امكاناته, كما هو في المجتمع الصناعي ومابعد الصناعي الحديث ولكن فقط بسبب انتمائه العرقي, المذهبي, والمناطقي أي بسبب علاقة الدم والدماغ والنسب فكرة المساواة علي بساطتها ومركزيتها في الممارسة الديمقراطية يمكن أن يختبر نبذها علي إشارة المرور كل يوم في أي مدينة عربية فكم راكب مركبة أوقفه شرطي لسبب ماعلي الاشارة, فإذا بمن خلفه يزعق ببوق طويل للتنبيه انه شخص مهم يجب ألا يتأخر في الطريق بل يفسح له مهما تكن العقبات أمام من سبقه في الطابور!! هي فكرة بسيطة ولكنها تنم عن عدم قبول المساواة في مدننا العربية لهذه الظاهرة تفسير, فنحن في مجتمعات مشمولة بالقبلية في ظاهرها مجتمعات حديثة وفي حقيقتها تراتبية في البناء الاجتماعي. الا نري ان الكثير من الجرائم تحل فيمجلس عشائري وكذلك الخلافات السياسية. المرشح في الديمقراطيات الغربية يقال له Candidate وهي كلمة مشتقة منCandidatus اي لابس الابيض, الذي يدل علي الطهارة تري كم مرشح في كل مانسميه ديمقراطية في بلادنا علي وسعها من شنقيط الي رأس الخيمة يرشح نفسه معتمدا علي الطهارة الا علي المهارة في خداع الناس وإثارة حميتهم واسواء غرائزهم! الديمقراطية تمنع أن يري البعض نفسه ملاكا أو لاها, وكم منا اليوم في بلادنا يري نفسه كذلك سموها ما اردتم في الممارسة القائمة ولكن بحث العقل, لاتسموها ديمقراطية فالقبيلة لاتنتج ديمقراطية هما علي خط متناقض.