بسم الله الرحمن الرحيم
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).(1)
المبحث الأول: مُقارنه موجزه بين حضارة العراق المُتجذره في بناء الحضارات ألإنسانيه وحضارة الولايات المتحده الأمريكيه ألمُعاديه للإنسانيه... (أمريكا من الداخل...؟!).
(( لقد أمرني الرب أنْ أضرب القاعده.. وقد ضربتهم؟! ثم أمرني الرب أنْ أضرب العراق.. وقد ضربته؟!..)).(2)
لا أقول كبوة العاقل كبيرة، لأن قرار الحرب الذي يمثل تدمير الإنسانية وبالتالي الحضارة ليس بقرارٍ عاقل، بل أقول كبوة الكبير لها ثمن أكبر، لأن الوصف الكوني المادي للولايات المتحدة الأمريكية جاء واصفاً إياها بأنها دولةً عظمى وبالتالي كبيرة كونياً، وبإيجاز شديد هكذا كان شأن قرار الرئيس بوش باحتلال العراق، فقد بنى هو وقادة الأبيض قراراتهم في ضوء أخبار كاذبة مصدرها مجموعة من الدُمى العراقية التي سمت نفسها بالمُعارضة، فضلاً عن ما كان يروجه أعداء العراق سيما على مستوى الحكومات، فكانت الكبوة الأمريكية الكبرى التي تمثلت في أن الأحداث التي أعقبت الاحتلال أثبتت عدم مصداقيتها والمُتمثلة بأن العراق يُمثل تهديداً نووياً وكيماوياً كونياً، وأنّهَ يُغذي أذرع القاعدة الإرهابية.. إلخ ومثلت بذات الوقت هشاشة العقل الاستراتيجي الأمريكي سيما على المستويين السياسي والمخابراتي!!! فهل يُعقل أن دولة عظمى تملك من الوسائل البشرية والتقنية ما يجعلها تعرف ما يُفكر به الإنسان وهو في مخدع نومه تغزو دولةً أخرى في ضوء أخبار لا أصل ولا وجود لها؟ ربما يمكن وصف هذه الكبوة بمثل ما يرد في أعمدة بعض الصحف وبرامج التلفزيون وغيرهما تحت عنوان: صدق أو لا تصدق؟
هذا الفشل/الكبوة وضع الإدارة الأمريكية أمام إحراجات داخلية عده، منها: أن معارضة الرأي العام الأمريكي بشكلٍ خاص والأوربي وغيرُهُ بشكلٍ عام لقرار غزو العراق قد أثبت مصداقيته، وبالتالي كان أكثر مصداقيةً في استقراء كذب الأخبار التي روجت للغزو، وكذلك تقديره لنتائجها السلبية أكثر من قادته في البيت الأبيض. ومنها أيضاً "التيار المؤسساتي الرافض"، وهو تيار "الحزب الديمقراطي"، الذي ناوئ غزو العراق، وعارض استمراريتها، فديمومة مواقفه وثباته عليها مرهون بثبات التيار الشعبي الأمريكي الذي انتخبه على وقع طبول المطالبة بالانسحاب من العراق، وثبات موقف كل منهما مرهون بثبات أداء المقاومة العراقية المُجاهده، ومنها أيضاً: الهوة الكبيرة بين قادة الأبيض ومنتسبي وزارة الدفاع (البنتاغون) الذين وجدوا أنفسهم وهم في العراق تحت نيران المُقاومه العراقيه التي تحصدُ رؤوسهم، أنَّ دوافع الغزو المُعلن عنها لا أصل لها؟!
فإذن هُمْ يُقاتلون من أجل قضيةٍ خاسرة ليس لهُم مصلحةٌ فيها، ولكن مصالح البيت الأبيض هي الطرف الأساسي فيها. هذا وغيره الكثير أثبت أيضاً خطأ حسابات البيت الأبيض بشأن غزو العراق، سيما وأن الذي أرعبهم هو ارتفاع وتيرة الانتحار بين الجنود الأمريكان التي فاقت ما موثق لدى قيادته تاريخياً، أما الذين تمكنوا من النجاة من حبائل الانتحار فجلهم هرب إلى تركيا ودول جوار أخرى ودفعوا كثيرا للمهربين للنجاة بأرواحهم سيما وأنهم اكتشفوا أيضاً حجم الخسارة الذاتية التي كان عليهم أن يدفعوها، واكتشفوا أيضاً كيف أن قادتهم بأوامر من البيت الأبيض كانوا يرمون جثث زملائهم المُرتزقه في نهري دجلة والفرات؟ وفي الصحراء نهباً للكِلاب والذئاب؟! ناهيك عن تسجيل الأمريكي الأصلي "RED NECK " فقط في سجل الموتى فيما يعُد القتلى الآخرون مرتزقة لا مكان لهُم في سجل الموتى الرسمي الأمريكي، بل لا قبر لهم لا في وطنهم الأصلي ولا في أمريكا التي خدعتهم بالقتال من أجل مصالحها الذاتيه؟! كُل هذا وغيرُهُ ما كان يكون لو لم تكن عمليات المُقاومه العراقيه على مستوى رائع من حيث التخطيط والتنفيذ وبالتالي وقع النتائج الكارثيه على رؤوس جنود الاحتلال الأمريكي المُغرر بهم؟!
جنود الاحتلال الذاهبين للتمتع بإجازاتهم الدوريه، وكذلك العائدين جراء تبديل وحداتهم العسكرية ووفق ما نشرته صحيفة (ديلي تليغراف) البريطانية، قاموا بفتح مواقع اليكترونية ينشرون فيها حقائق الأحداث الدموية الجارية في العراق، التي كشفت تستر البيت الأبيض عليها، الذي أصبح جرائها في مأزق حقيقي على اعتبار أن ناشروها طرفاً في تنفيذها أو شاهد عيان لأحداثها الدامية، ولذا فإن عنصر التظليل أو الخداع مُنتفياً عنها، وكُل ما كان يُنشر في تلك المواقع يُبين بشكلٍ أو بآخر قوة عمليات المقاومه العراقيه المُنتشره على معظم الأرض العراقيه نستثني من ذلك محافظات شمال العراق (السُليمانيه، وأربيل ودهوك) حيث تُسيطر عليها الميشيات الكُرديه الانفصاليه وتُلاحق المقاومه العراقيه بشراسه وقسوه غير اعتياديتين؟!
ومن الأسباب الكامنة وراء الموقف التضادُد أعلاه، وبالتالي انتفاء سمة وطنية الحرب الأمريكيه على العراق، هو وقوف ما يُعرف ب: (الحركة السيناركية) وراءها، التي تأسست ونشطت أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي عبارة عن مجموعة من المافيات تعمل على إشعال الحروب من أجل التجارة بسلع الحرب، وتحصيل الأرباح الهائلة من عائداتها، وظاهرة ما تُسمى ب: "طبقة تجار الحروب وأغنيائها" معروفة ومشهورة، وليست لتلك الطبقة أهداف لها علاقة بمن يخسر أو بمن ينتصر في الحرب، فتطويل أمدُها إذا اندلعت هو الهدف المنشود، فبطُولها تُكثر الثروات وتتكدَّس. لقد أثبتت أبحاث بعض المفكرين الأميركيين صحة هذا الواقع، كما أثبتت العلاقة الوثيقة بين إدارة "المحافظين الجدد" وبين تلك الحركة، التي تكشفها إصرار إدارة الرئيس بوش السياسية على الأخص على متابعة الحرب اللا قانونيه في العراق بالرغم من تكاليفها الباهظة جداً التي سنشير إليها لاحقاً، إلاَّ أن تلك التكاليف تذهب إلى جيوب حيتان الرأسمالية الأمريكية في إدارتهم الحالية، وإن البراهين على ذلك كثيرة وكثيرة جداً، ليس أقلها امتلاك صقورها لأكبر الشركات النفطية، وشركات المقاولات، والشركات الأمنية الخاصة، أوَ ليست شركتا "هاليبرتون"، و"باكتل"، المملوكة لأولئك الصقور إلاَّ برهاناً على ذلك؟
كل هذا يعني أن مبدأ الربح من اندلاع الحروب هو المُرشد الأعلى لتلك الطبقة، كما يعني هذا أن صرف مئات المليارات من الخزانة الأميركية ستمطر في جيوب أولئك الحيتان المُصرين على تمويل الحرب في العراق، فالمحافظون الأميركيون السيناركيون الجُدد يسرقون، ليس فقط أرواح أبناء وطنهم فحسب، بل يسرقون رغيف الخبز من أفواهِ أبناء شعبهم أيضاً.(3)
قبل البدء في بيان تأثير عمليات المُقاومه العراقية المُجاهدة على قواتِ الغزو الأمريكية الكافرة ومَنْ كان معها من القوات الأخرى سواء كانت تلك القوات على ذات منوال القوات الأمريكية من حيث الكُفر أو من حيث كون تلك القوات من الدول الإسلامية العربية التي وقّع رؤسائها على وثيقةِ الموافقة أولاً ثم المُشاركة ثانياً على غزو واحتلال العراق، ومن هذه الدول مصر التي مارس رئيسها حُسني مُبارك دوراً تاريخياً لا وطنياً وبالتالي لا أخلاقيا ولا شرعياً في الترويج وحث الدول العربية على المساهمة في التوقيع على تلك الوثيقة المُخزيه، لذا فقد تم تشكيل قوات عُرفت باسم "قوات المارنز العربية" إلا أن الاسم المتداول لها كان "قوات المارينز الخليجي" حيث كان لدولة الكويت النصيب الأعظم في تلك القوات التي ساهمت بكل قواتها المُسلحه فيها فضلاً عن تحشد وانطلاق تلك القوات من أراضيها، والدعم المادي الهائل التي ساهمت به ولا زالت من أجل غزو واحتلال العراق، أجد من المهم جداً وبإيجاز المُقارنة من الناحية الإنسانية بين حضارة العراق المُتجذره في التاريخ التي ساهمت إنسانياً في بناء الحضارات التي جاءت بعدها، وبين حداثة الحضارة الأمريكية التي ساهمت بتقويض الإنسانية وأشاعت الفوضى والدمار وزرع الإرهاب الدموي المُنظم في أجزاء عده من هذا الكون وكان من ضمن هذه الأجزاء العراق؟!
وربما يبرزُ تساؤل يقول: ما هي علاقة حضارة العراق والولايات المُتحدة الأمريكية في عمل المقاومة العراقية المُجاهدة؟
الجواب المنطقي للتساؤل أعلاه، أنَّ المقاومة العراقية المُجاهدة لم تولد عشوائياً من رحم الحدث الذي تمثل باحتلال العراق بسرعة أذهلت العدو الأمريكي والعالم برمته، وإنما تاريخها مُتجذرٌ في حضارتها، فهي كانت على استعداد تام لمُمارسة عملياتها الجهادية القتالية بمُجرد أنْ وطئت القوات المحتلة أراضي العراق، ويعلم المُحتل الأمريكي بشكل خاص والعالم بشكلٍ عام كثافة العمليات الانتحارية التي قام بها العراقيون سيما في جنوبه ووسطه وغربهِ التي أوقعت الخسائر الكبيرة جداً في خيرة قواته التي أطلق عليها "قوات الصدمة والرعب" حيث بدأت ما بين تراجعٍ وتوقف مُنذهلةً من قوة المقاومة العراقية المُجاهدة التي حصدت رؤوسهم حصداً..
الأمر الذي دفع البيت الأبيض إلى تكليف البنتاغون بوقف عملياتها القتالية لمدة يومين عدلت فيها خططها، ثم عادت مُستخدمةً أسلحة مُحرمة دولياً حسمت المعركة من حيث الظاهر لصالحها إلا أن حقيقة الأمر وما يجري على مستوى الشارع العراقي كان لصالح قوات المقاومة العراقية، ولا يُمكن هنا أنْ نغفل الدور الخياني الميداني للميلشيات الإيرانية التي دخلت بوقت مُبكر مع قادة ما يُسمى المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق، حيث كان زعيم المجلس السابق آية الله العظمى محمد باقر الطبأطبائي المُلقب ب: "الحكيم" الذي اغتيل في النجف في 29 أغسطس 2003، من قبل المخابرات الإيرانية في إطار تصفية حسابات حوزويه – سياسيه بين الطرفين، عُرف عنه رفضه لشرعية المُقاومة العراقية، وكان يرى أن للمُقاومة أسباباً وعوامل لم تتحقق بعد، وأنه على العراقيين أن يمنحوا الاحتلال الأميركي فرصة لتحسين الأوضاع وتسليم مقاليد الأمور، وما هذه الفرصه التي يقصدها سوى تجذير الاحتلال الأمريكي في العراق ليس إلا؟!
فضلاً عن مواقف الحزب الشيوعي، والحزب الإسلامي العراقيين، والدور الكارثي والمُرعب لقادة الكُرد في شمال العراق حيث كانت محافظاته (السليمانية، أربيل ودهوك) مناطق تحشد وانطلاق للقوات الأمريكية والصهيونيه وميلشيات البيشمركه الكردية وبدر الإيرانية الذين ساهموا بشكل فاعل في رُجحان كفة الاحتلال الأمريكي...إلخ؟! ولعل من المواقف التاريخية التي تُبين تباين المواقف من الحرب على العراق، أنَّ البرلمان التركي في وقفةٍ شُجاعةٍ لهُ رفض أنْ تكون أراضي تُركيه مُنطلقاً للقوات أياً كانت جنسيتها لغزو العراق، فيما سمح وشارك على الطرف الآخر قادة الكُرد جلال الطلباني ومسعود البرزاني وغيرهم مع قوات البيشمركه بغزو العراق؟! ويُمكن الإطلاع على مواقف الأحزاب أعلاه وغيرهم بما أطلق عليه الحاكم الأمريكي – الصهيوني بول برايمر بما أطلق عليهم ب: (( مجموعة السبعه )). (9)
إذن انطلاق المقاومة العراقية بمثل تلك السرعة المُذهله مُرتبطاً بحضارتها التي أبت أنْ يُدنس أرضها مُحتلٍ كافر، لا بل هي التي أعطت عبر التاريخ دروساً لجيرانها وغيرهم في آلية ردعهم في حال التفكير وليس المُمارسة بالتقرب من أرضٍ عراقيه لا سامح الله تعالى.
وهنا لا أغفل نهائياً الدور العقيدي/الديني الذي كان وراء سرعة انطلاق المقاومة العراقية الذي سأتناولهُ في المبحث الثاني إنْ شاء الله تع إلى سيما دور الإسلام في الحث على الجهاد ضد القوات الكافرة في حالة غزوها أراضي المُسلمين، حيث عدّهُ "فرض عين على كُل مُسلم ومُسلمة".
1- حضارة العراق في التاريخ ودورها في بناء الحضارات الإنسانيه الأخرى:
الحديث عن حضارة العراق يحتاج إلى مُجلداتٍ عده، ولكي لا أخرج عن مسارات البحث فإني سأترك بيان ما كان عليه العراق من حضارةٍ إنسانيةٍ أنفرد بها تاريخياً إلى مَنْ لا يحمل الجنسية العراقية أو أياً من جنسيات البُلدان العربية، الحديث سأتركهُ إلى الكاتبه (آن تبالوت) التي كتبت مقالاً مُهماً جداً بعنوان (الحكومة الأمريكية مُتورطة في سرقة مُدبره للكنوز الفنيه العراقية) تناولت فيه دور وتأثير حضارة العراق على الحضارات الأخرى بشكل خاص والإنسانية بشكلٍ عام، ثم كيف دمر الاحتلال الأمريكي تلك الحضارة؟! بذات الوقت الذي بينت فيه الميادين العلمية العراقية التي انتقاها الاحتلال الأمريكي وعمِل على تدميرها، حيث كتبت: ((إن أولى الجماعات الزراعية التي لا تظهر في تلك المنطقة التي هي عراق اليوم، وإنما في الهضاب التي كانت ترويها المياه على نحوٍ أفضل في جبال زاغروس والأناضول والليفانت وسهل الده لوران، مع ذلك كان العراق في المرحلة الثانية من الثورة النيولتيه المديده التي بدأت مع استئناس الحيوانات وزراعة محاصيل الغلال. في العراق قطعت هذه الثورة شوطاً مهماً إضافياً مع تطور الري، وهي تقنيه زادت بدرجة واسعة ألإنتاجيه ألزراعيه، وأتاح الفائض المُنتج بواسطة الري لأول حضارةٍ على الكوكب أنْ تظهر في المنطقة نفسها التي تحولها القوى العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية إلى أرض خراب؟!
بحلول عام 8500 ق. م كانت جماعات زراعيه صغيرة تظهر على طول نهر الفرات، وخلال قرونٍ قليلة نمت لتُصبح مستوطنات حضرية كثيفة السُكان، يتألف كُلٌ منها من عدة آلاف من البشر يتركزون حول معبد كان هو المسؤول إلى حدٍ كبير عن إدارة نظام الري، وتوزيع الطعام، واستيراد الأحجار، والمعادن والأخشاب من الهضاب المُجاورة.
أكثر من ألفين من هذه المُدن في بلاد ما بين النهرين طورت في إذابة النُحاس، وتطويع البرونز، والأهم فن الكتابة، كانت الكتابة جوهرية لإدارة المُدن التي كانت تعتمد على نظام اقتصادي مُصطنع إلى حد كبير من خلق الري، والذي احتاج إلى استيراد حتى أكثر المواد الخام حيويةً.
مكّنت ألكتابه من حدوث تطور فكري هائل، وما بدأ كمنهج لتسجيل المخزونات، وعمليات التسليم أصبح واسطة لكتابة الشعر والقصص والتاريخ، وأزدهر العلم وازدهرت الرياضيات، وكشف البحث الحديث الأدلة من جداول الضرب، وجداول المُبادلات والمُربعات، والجذور التربيعيه، والمُكعبات، واللوغريتمات للقاعدتين 2 و 16. وتُبين نصوص أخرى أحجاماً ومساحات وخطوطاً تربيعيه.
لقد حسب الرياضيون البابليون قيمة الباي(4) حتى (3,125) تقريباً من قيمتها الفعليه، وتطور علم الفلك بدرجةٍ عاليه، وإذا كان مفهوماً بمُصطلحات النذر والنبوءة، فإن تنبوءاته بأحداث الخسوف، وحركة الأجرام كانت دقيقه على رُغم هذا.
ولا يُمكن الرجوع بالبُنيه الاجتماعية والسياسية إلى مُجتمع بلاد ما بين النهرين مُباشرةً من بقاياهُ الماديه، ويخلف علماء الآثار حول طبيعة مسار تطورها، ولكن (بيتر شارفات) يجد في مُجتمع بلاد ما بين النهرين حتى عام 3000 ق. م أنه: « في كُل مجالات المُجتمع يظهرُ في المُقدمه مبدأ الكُليه والمساواة... المستوى المادي للمعيشة يتكافأ بفعلِ إعادة التوزيع... الناس يلتقون في مجموعات ليُناقشوا وليُقرروا شؤون المصلحةِ العامه... الجميع يتلقون المُعاملةَ ذاتها في الحياة وفي الموت...».
وإبتداء من عام 3000 ق. م هُناك بعض الأدلة على التراتب الاجتماعي، وعلى ظهور نُخبه سياسيه، أو طبقه حاكمه في المدافن ألملكيه في أور، ولكن بعض عُلماء الآثار يُنازعون هذا التوصيف لتلك المدافن، إذ تظهر في تلك الحُقبه حضارتان عظيمتان:
- في جنوب العراق: الزمن الحاضر توجد الحضاره السومريه.
- وفي الشمال الأكديون.
وكِلتاهُما قامت على مجموعه من الدول، المُدن التي حفظت كثيراً من التقاليد الثقافية للحُقبه السابقه، ولا تظهر حتى سنة 2334 ق. م أولى إمبراطوريه تحت حُكم سارغون آغادي الذي وجد هاتين الكونفدراليتين.
حلت محل إمبراطورية سارغون التي لم تعش طويلاً إمبراطورية أور نامو في عام 2112 ق. م، وتشهد آلاف ألواح الصلصال التي بقيت من تلك الحُقبه على الإدارة الجيده للمصادر التي حفظت هذه ألإمبراطوريه حيه حتى عام 1990 ق. م حين حلت محلها ألإمبراطوريه ألبابليه، التي بلغت أعلى مراتبها في ظلِ حُكم حمورابي في عام 1792 ق. م.
وشهد منتصف القرن ق.م صعود الإمبراطورية ألآشوريه على بلاد ما بين النهرين مرةً أخرى، وسيطروا على كُل المنطقه من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وفي عام 612 ق. م أُقيمت ألإمبراطوريه البابليه، وكان أبرز حُكامها نبوخذ نصر الذي بنى حدائق بابل المُعلقه، وأسوار المدينه المزدوجه، والهيكل الكبير، والطريق الحُرفي، وكان مسؤولاً عن إسقاط أورشليم وأخذ كثير من اليهود أسرى.
هذا التعاقب للإمبراطوريات والإمبراطوريات الفارسية التي تلته عززته ألإنتاجيه الهائلة الري، والنظام المعقد للإدارة الذي أبقي عليه، لقد غذت المفاهيم المتطورة التي ظهرت في هذه السيرورة والأنساق الفكرية للمجتمعات اللاحقه، حتى اليونانيين الذين اشتق منهم الاسم الذي أُطلق على ما بين النهرين، وقفوا مذهولين أمام انجازات هذه البلاد.
كانت إحدى الوزارات التي دُمرت بصورة مُنتظمة في الأيام الأخيرة من أعمال النهب هي وزارة الري، ويُمكننا أن نقول أن الإدارة الأمريكية بهذا الفعل إنما تسعى لإعادة العراق إلى العصور المُظلمة، عدا أن العراق لم يعرف أبداً عصراً مُظلماً بالمعنى الذي عرفتهُ أوربا، قد تصعد الإمبراطوريات وتسقط، ولكن طالما نظام الري أستمر في العمل، فإن البلاد ما بين النهرين تستطيع أن تنتج من الطعام أكثر من احتياجها، لقد سببت الإدارة الأمريكية بمهاجمتها نظام الري دماراً أشد من أي غازٍ سابق.
لم تنته أهمية العراق الثقافية بانتهاء الإمبراطورية الفارسية، إنما ظل العراق طوال العصور الوسطى ملاذاً للتعليم، حُفظت في ظل خلفاء بغداد نصوصاً فُقدت في الغرب، وقُدر للبحوث الإسلامية أن تُبرهن على حيويتها لعودة الفلسفة الأرسطية من جديد في أوربا القرن الثالث عشر وحتى عصر النهضة.
ولن يتضح المدى الكامل للخسائر في هذا المجال إلا حينما يتم حصر المواد التي نُهبت من دار الكتب القومية العراقيه، وهذا الحساب لم يبدأ.
أما ما هو واضح الآن أن جريمة كبرى قد ارتكبت، ليس ضد الشعب العراقي وحده، بل ضد الإنسانيةِ جمعاء، حيث أن تاريخ الإنسانية قد هوجم، لهذا السبب فإن احتلال بغداد يُمثل نقطه ذات دلاله في سجل إدارة بوش، وهي تحاول إغراق العالم في وحشية جديده من شأنها أنْ تنزع كُل شيء يُمكن للتاريخ أنْ يُظهرهُ من الماضي.)). (5)
ما ورد آنفاً لا يحتاج إلى تعليق أكثر مما ورد فيه من حقائق أظهرت بالحُجه والدليل أنَّ الحرب الكونيه التي قادتها الولايات المتحده الأمريكيه ضد العراق لم يكُن كما أدعتهُ في أروقة الأُمم المتحده، ثم عادت وروجتهُ إعلامياً على نطاق واسع شارك فيه الإعلام العربي بشكل فاعل ومؤثر في قلب الحقائق، بل كانت الغايه حضارة وثروة العراق، وما ورد آنفاً يُعدُ أنموذجاً أوربياً صادقاً في تفنيد تلك الإدعاءات وتؤكدُ بطلانها.
2- مَنْ هي الولايات المتحدة الأمريكية؟
قبل أن أباشر في بيان نتائج عمليات المقاومة العراقية على قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، أجد من الضروري أولاً التعريف بهذه الإمبراطورية الحضارية من الداخل، فالتعريف بها على المستوى الاجتماعي حصراً وما نتج عنه من نتائج سلبية ألقى بظلاله على الميادين الاقتصادية والعسكرية.. إلخ بحيث انتفى من حضارة تلك الإمبراطورية أية سمات يُستدل منها على أنها حضارةً يُمكن أنْ يُقتدى بها من النواحي الإنسانيه، ولكني لا أغفلُ الطفرات العلمية التي لم تُلقِِ بنتائجها الإيجابية على الميادين آنفة الذكر، فرُقيها العلمي الذي كان ولا يزالُ بطفراتٍ مُذهله كان على الضد مما تتطلبه إنسانية تلك الطفرات، بحيث وُظفتْ في مُمارسة شتى أنواعٍ الظُلم اللا أخلاقي واللا إنساني في كيفية قتل الإنسان؟! سيما وإن التاريخ علّمنا أنَّ أية حضارة مهما بلغ شأوها تفقدُ مقومات الإنسانية، فإنها ستبدأ حتماً بالانحدارِ نحو الأسفل وفق عدٍ تنازلي ربما يكونُ مُنتظماً، وعلى الأعم يكون سقوطها من داخلِها، وأقصدُ من داخلها، بقراراتها المُتراكمة غير السديدة التي تقودها في المُحصلةِ النهائية إلى الهاوية، فهكذا هي الحضارةُ الأمريكية التي ابتعدت عن الإنسانية ووظفت حضارتها في التفننِ بآلية قتل الإنسان، والأمثلة من التاريخِ الحديث والمُعاصر لمثل هذا الأمر واضحة المعالم، فهذه فلسطين في ظل دعم أمريكي للصهيونية فيها، وهذه فيتنام، وأفغانستان، وها هو العراق اليوم، ولسنا ندري ما ستفعلهُ أمريكا غداً؟! والمسألة هي مسألة زمن لا غير، حيث يوثقُ لنا التاريخ كيف آلت العديد من الحضارات إلى السقوط، ومن الثوابت أن الحضارة الأمريكية ستكون على شاكلتها؟!
لذا فإني سأُبين بعضاً من حجم الحقائق التي يُمكن القول عنها مُذهلة، وأنَّ تراكُمُها هو مَنْ سيُولد ذلك الانهيار الذي أشرنا إليه آنفاً، وفق التسلسل الآتي:
أ- مُجتمع الولايات المُتحدة الأمريكية ومُعدلات الانتحار الفائقة:
لم تتمكن الحضارة الأمريكية التي نجدها في مُعظم ما يُحيط بنا اليوم من ماديات من تلبية مُتطلبات أفراد ذلك المُجتمع، ولم تستطع أنْ تحُدْ وليس تقضي على حالة الاكتئاب التي تقودُ على الأعم إلى الانتحار بين شرائح المجتمع الأمريكي كافة، حيث تُشير الإحصائيات بهذا الخصوص إلى:
(1) 130 ألف شخص ينتحر سنويا، وهناك محاولة انتحار كل 17 دقيقة.
(2) أكثر من 192 حالة انتحار بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 14 سنة وقد يتضاعف العدد 3 مرات.
(3) ما يزيد على 250 طبيب وطبيبة يٌقدم على الانتحار سنويا في أمريكا وربما تضاعف العدد.
ب- مُجتمع الولايات المُتحدة الأمريكية ومُعدلات الفاحشة الفائقة المُنتشرة فيهِ:
قال الله جلا جلالهُ: ((وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً )(6)
(1) ثمانية مليارات دولار رأس مال تجارة الدعارة والإباحية الخُلقية.
(2) 900 سينما في أمريكا متخصصة في عرض الأفلام الإباحية.
(3) 15000 ألف مكتبة ومحل فيديو تتاجر بأفلام ومجلات إباحية.
(4) 150 مجلة إباحية تصدر في أمريكا تقدم 8000 آلاف عددا سنويا.
(5) 700 مليون دولار قيمة تأجير الأفلام الإباحية.
(6) 300 ألف من الشاذين جنسياً في مدينة لوس أنجلوس.
(7) جامعة ( سير جورج وليمز ) تشترط في المتقدم لها أن يكون لُوطياً أو مُخنثاً.
(8) يوجد في منازلِ أمريكا 52 مليون كلب منها الملايين من الكلابِ المُدربة على مُمارسةِ الجنس مع النساء والرجال.
(9) 48% هي نسبة الحمل السفاح بين تلميذات المدارس الثانوية في إحدى المدن الأمريكية.
(10) 84% هي نسبة الحمل السفاح بين المجندات.
(11) 13% من المواليد في الولاياتِ المتحدة أطفال غير شرعيين من أمهات مراهقات.
(12) 80% من الفتيات يفقدن العذرية تحت سن العشرين.
(13) 11 مليون شخص يعيشون معاً بدون زواج منهم 1.2 مليوناً من نفس الجنس.
(14) 2.5 مليون من الأزواج الأمريكيين مارسوا تبادل الزوجات بانتظام.
(15) 1.5 مليون جنين يقتل سنويا بسبب عملية الإجهاض.
(16) كل 3 ثوان تغتصب امرأة.
(17) 23% من نساء سكان المدن في الولايات المتحدة تعرضن للاغتصاب.
(18) 100.000 ألف فتى وفتاة في الولايات المتحدة يمثلون الأفلام الجنسية.
(19) ثلاثة ملايين ولد مِنَ الجِنسَيْن يعملون في الدعارة.
ج- الولايات المُتحدة الأمريكية ومُعدلات القتل الفائقة:
(1) 800 عصابة قتل موجودة في لوس أنجلوس وحدها وتضم هذه العصابات 90 ألف عضو.
(2) ثلاثة ملايين عمل إجرامي من كل الأنواع يقترف سنوياً في المؤسسات المدرسية في أميركا.
(3) 38317 شخصاً قتل في الولايات المتحدة في عام واحد بالأسلحة النارية فقط أي قتيل واحد لكل ربع ساعة و105 قتيل في اليوم الواحد.
(4) 1468 طفلاً تقل أعمارهم عن 18عاماً يقتلون كل شهر بالأسلحة النارية في أميركا.
(5) 5500 عصابة مسلحة منتشرة في الولايات المتحدة، تقوم هذه العصابات أو الميليشيات بـ25 ألف عملية قتل في السنة، والقتلى معظمهم من السود.
(6) أربعة آلاف زوجة يُقتلن ضربا كل عام على أيدي أزواجهن.
د- الولايات المُتحدة الأمريكية ومُعدلات الخمور والمخدرات والتشريد الفائقة:
(1) في عام 1983م مليون وثلاث مائة ألف طفل سكان الأزقة والشوارع في أمريكا.
(2) 76 مليون أميركي يشربون الكحول في أجواء أسرية.
(3) 11 مليون أميركي يشربون الكحول خمس مرات أو أكثر في الجلسة الواحدة، وذلك مرة واحدة على الأقل في الأسبوع.
(4) 32 بليون دولارا سنويا خسائر بسبب إدمان الخمور.
(5) 176 بليون دولار أميركي إجمالي تكلفة الإدمان وتعاطي الكحول والمخدرات في السنوات الأخيرة وهو ما يقارب 55% من التكاليف الصحية السنوية.
5- الولايات المُتحدة الأمريكية ومُعدلات الأمراض الفائقة الانتشار:
قال صلى الله عليه وسلم : " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ":
(1) 40 مليون أمريكي مصاب بفيروس البابيللوما البشري أو ما يعرف اختصارا ب HPV هو فيروس مرضي ينتقل جنسيا.
(2) ثلاثة ملايين حالة نفسية مزمنة في أمريكا.
(3) 17 مليون أمريكي مصابون بمرض الكآبة.
(4) أربعة مليون عائلة بها شخص على الأقل يعاني من سوء التغذية.
(5) 150 بليون دولار تكلفة الأمراض النفسية.
(6) واحدا من كل ستة جنود من الذين خدموا في العراق ظهرت عليه أعراض الاكتئاب والقلق الشديدين، و تلك النسبة مرشحة لأن تصبح واحدا من كل ثلاثة.
و- الولايات المتحدة الأمريكية والإخفاقات الاقتصادية:
قال الله :" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا "
(1) أرباب العمل الأمريكيين ألغوا مليون منصب شغل أثناء سنة 2004.
(2) تكبد الاقتصاد الأمريكي في عام 1995م لوحده بسبب الكحول ما كلفته حوالي (150) بليون دولار أمريكي.
(3) 44 تريليون دولار هو إجمالي الدين الأمريكي، بما فيه دين الوكالات المحلية والعامة وهو يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار 350%.
(4) 162 مليار دولار هو العجز التجاري الأمريكي أمام الصين.
(5) 68 مليار دولار هو مقدار العجز في الميزان التجاري الأمريكي في شهر يوليو 2006 .
(6) 119 مليار دولار هو مقدار العجز الحكومي والتجاري الأمريكي في العام 2006.
(7) 360 مليار دولار هو مقدار العجز في الميزانية الأمريكية لعام 2006 وهناك مؤشرات تقول 400 مليار.
(8) 8000 مليار دولار هو مقدار الديون الخارجية الأمريكية أي نحو أربعة أضعاف الميزانية الفدرالية للعام 2006 وإذا أدخلنا العواقب المتعلقة بالميزانية في القرارات التي اتخذتها مؤخراً إدارة بوش والمتعلقة بالصحة والتقاعد، فإنّ الديون الحقيقية تبلغ 42 ألف مليار دولار، أي 18 ضعف الميزانية الفدرالية وثلاثة أضعاف ونصف الناتج الداخلي الإجمالي الأمريكي، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تلك الديون في حاله تصاعُديه.
(9) 13 تريليون دولار هو مقدار الديون القومية التراكمية، وقيمة الفوائد على هذه الديون تفوق الدخل القومي الأمريكي، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تلك الديون في حاله تصاعُديه أيضاً.
(10) 1,3 مليون منصب شغل، استحوذ عليها الصينيون من أمريكيين.
(11) 780 ألف هو عدد العسكريين الأمريكيين أثناء حرب الخليج، أما الآن فقد انخفض العدد إلى أقل من480 ألف جندي.
(12) 20 مليار دولار هي تكلفة الإجراءات الأمنية في مطارات الولايات.(8)
إن ما ورد آنفاً يُمثل حقائق مُتداوله من قبل وسائل الإعلام الأمريكيه وليس من نسج الخيال، لذا انفردت أمريكا بحجم المُستشفيات والمصحات الخاصه بمعالجة الحالات الشاذه أعلاه، وهي في حاله تصاعُديه بنسب عاليه، ويبقى التساؤل المهُم: هل يُعقل أن كُل ما ورد آنفاً في المجتمع الأمريكي ولم تنهار الدوله؟
للإجابه أتمنى أن يكون القارئ دقيقاً في استيعاب الإجابة المُتمثله ب: أن انهيارها لا يكون إلا اقتصادياً، وهذا الانهيار المالي الذي نشهده خلال الفتره 2009 – 2010 ربما يُمثل البدايه التي لا نتوقعها كنهايةٍ لتلك ألإمبراطوريه، وسبب عدم توقعنا، هو: أنَّ الاقتصاد الأمريكي في كُل كبوةٍ له ينهض ثانيةً جراء دعمه مالياً وبلاد حدود من قبل دُول غنيه أخرى، فهو قد أجاد بشكل رائع جداً أسلوب "خلق الأزمات" في أماكن مُختلفه من العالم، ثم يسعى إلى تأجيج تلك الأزمات وفق مسارات كان قد حددها مُسبقاً، ثم دخوله طرفاً في ترجيح كفة طرف على طرف آخر في تلك الأزمه مقابل استفادة ماديه عاليه جداً، وتلك الاستفادة تأخذ أيضاً أشكالاً مُختلفه، منها سيوله نقديه، ومنها شراء منتجات بأسعارٍ عالية الثمن، ومنها سرقة ثروات ذلك البلد، و...إلخ وبهذا الأسلوب وغيرهُ تمكنت تلك الإمبراطوريه من البقاء ولم تنهار كنظيرتها الاتحاد السوفيتي الذي أنهار جراء ترنُحهِ اقتصادياً وعدم قدرته على إعادة بناء نفسه لعدم وجود دُول غنيه ذات ثروات هائله تُسيطرُ عليها العائله الحاكمه حصراً وتتحكم بمُقدراتها بذات مستوى الدُول الغنيه التي تدعم الاقتصاد الأمريكي وتحول دون انهيارهِ، وفي مثال يُقرب الرؤية آنفة الذكر أنَّ دولة الكويت، وغيرها من الدول الأخرى لا نُريد الدخول في تفاصيلها عُمقاً احترماً لوحدة الإسلام والعروبه، تدفع الجزيه شهرياً وليس سنوياً للخزانةِ الأمريكيه ولعدد من الشخصيات الأخرى المُتنفذه فيها، فضلاً عن الحصول على النفط مجاناً أو بأسعار رمزيه، ثم المبالغ السنويه التي تُشكل كماً هائلاً يُدفع لذات الخزانه تحت غطاء شراء الأسلحه، ولو يعود أياً من القراء الكرام إلى استعراض موسوعة الجينز العسكريه للسنوات الماضيه ويُلاحظ الكم الهائل جداً من الأسلحه التي اشترتها تلك الدول من أمريكا لوجد أنَّ مبالغها من الضخامةِ بما يكفي لديمومة صحة الاقتصاد الأمريكي، وبذات الوقت لا تستلم تلك الدول تلك الأسلحه إلا عبر وسائل الإعلام فقط، وهذا الأسلوب يُمثل أسلوب جزيه آخر تحصل من خلاله الولايات المتحده الأمريكيه على مبالغ ماليه هائله جديده، لذا فإن ما ورد آنفاً يُمثل أسباباً رئيسيه موجزه لديمومة بقاء الإمبراطوريه الأمريكيه وعدم انهيارها، وستبقى قائمه ما دامت تلك الدول مُستمره بدفع الجزيه وغيرها إلا بإرادة إلهيه لا يعلمُها إلا هو جلا جلالهُ.
3- الحروب العدوانية التي شنتها حضارة الولايات المُتحده في أماكن مختلفة من العالم..؟
الثغرات العديده آنفاً التي يزخر بها المجتمع الأمريكي وغيرها الأكثر، التي تجعله مُجتمعاً غير متوزاناً من الناحية الإنسانية، انعكست على تصرفات قادته في البيت الأبيض التي ربما فعلت بهم تلك الثغرات الكثير الأمر الذي أنعكس سلباً على قراراتهم السياديه التي زخرت بشن العدوان وزرع بؤر الإرهاب في أماكن مختلفة من العالم، ولبيان دقة هذا الأمر فإني سأستعرض العمليات الإرهابية الدموية التي قامت بها قوات الولايات المُتحده الأمريكيه ضد العديد من دول العالم مع مُلاحظة التوزيع الجغرافي لهذه البلدان التي أمست ضحية لا أخلاقية قرارات قادة البيت الأبيض الأمريكي:
(1) في عام 1945 ضربت الولايات المتحده الأمريكيه مدينتي (هيروشيما ونازاكي) اليابانيتين بالقنابل الذريه، وبلغ عدد ضحايا الضربتين نصف مليون إنسان، وهنا يُسجل التاريخ للحضارة الأمريكيه بأنها الدول الأولى في العالم التي استخدمت القنابل ألنوويه ضد السكان المدنيين.
(2) في عام 1950 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في كوريا من خلال دعمها للكوريه الجنوبيه ضد كوريه الشماليه، بلغ ضحايا تلك الحرب مليون كوري "فقط"...؟!
(3) خلال الفترة ما بين 1961 – 1976 خاضت الولايات المتحده الأمريكيه حرب فيتنام، أو الحرب الهندوصينية الثانية كانت نزاع بين جمهورية فيتنام الديمقراطية (فيتنام الشمالية)، متحالفة مع جبهة التحرير الوطنية، ضد جمهورية فيتنام (فيتنام الجنوبية) مع حلفائها على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحه المُحرمه دولياً، وقد كانت تلك الحرب جزءً من الحرب الباردة. كانت الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، تايلند، أستراليا، نيوزيلندا، والفلبين متحالفة مع فيتنام الجنوبية، بينما تحالف الاتحاد السوفيتي والصين مع فيتنام الشمالية.انتهى الغزو الأمريكي في عام 1976، باتحاد فيتنام الشمالية والجنوبية. عدد القتلى: أكثر من 1,250,000 (من فيتنام الجنوبية)، 58,226 (من الولايات المتحدة)عدد الجرحى: 153,303 (من الولايات المتحدة)عدد القتلى: 1,100,000 (من فيتنام)عدد الجرحى: 600,000مجموع عدد الضحايا: حوالي 2 إلى 4 مليون.
(4) في عام 1961 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في كوبا، وسعت إلى غزوها عسكرياً إلا أنها عدلت في ذلك تحسباً للخسائر الأمريكيه الهائله المتوقعه فيها.
(5) في عام 1963 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في بنما، حيث سعت إلى وضع قناة بنما تحت الاحتلال الأمريكي لتتحكم بذلك الشريان المائي الحيوي.
(6) في عام 1965 تدخلت القوات الأمريكيه في اندنوسيا بانقلاب دبرته المخابرات الأمريكيه أدى إلى فتنه داخليه مروعه ذهب ضحيتها مليوني مواطن اندونسي.
(7) عام 1967 دعمت الولايات المتحده الأمريكيه الكيان الصهيوني في حربه ضد مصر وسوريه والأردن عسكرياً وسياسياً و...إلخ.
(8) في عام 1973 تدخلت القوات الأمريكيه في شيلي بانقلاب دبرته المخابرات الأمريكيه ضد الرئيس (سلفادور ألندي) الذي قُتل وهو يُدافع عن حقه في حُكم شعبه ديمقراطياً.
(9) في عام 1973 دعمت الولايات المُتحده الأمريكيه الكيان الصهيوني في الحرب التي شنتها مصر وسوريا ضده، وكان دعماً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً...إلخ لا محدوداً حوّل النصر العربي إلى نصرٍ هامشي محدود تم احتواءه عبر اتفاقيات كامب ديفيد.
(10) عام 1975 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في كمبوديا أدت إلى حرب طائفيه ذهب ضحيتها الآلف من الكمبوديين.
(11) عام 1976 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في أنغولا لمساعدة جنوب أفريقيا ضد الثوار السود.
(12) عام 1981 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في الحرب الأهليه في نيكاراغوا.
(13) عام 1982 دعمت الولايات المتحده الأمريكيه الكيان الصهيوني في احتلالهِ لبيروت وإخراج منظمة التحرير الفلسطينيه منها.
(14) عام 1983 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في غرينادا.
(15) عام 1986 قصفت الولايات المتحده الأمريكيه عدة مُدن ليبيه سعياً منها لاغتيال الرئيس الليبي مُعمر القذافي.
(16) في عام 1989 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في الفلبين حيث قمعت أنقلاب شعبي ضد الحكومة القائمه الحليفه للأمريكان.
(17) في عام 1990 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه مرةً ثانية في بنما.
(18) في عام 1990 بدأ الحصار الكوني على العراق بعد أنْ دعت إليه وقادته الولايات المتحده الأمريكيه، وذهب ضحيته مليون ونصف مواطن مدني عراقي.؟!
(19) حرب الخليج الثانية: تسمى حرب تحرير الكويت وعملية عاصفة الصحراء وهي حرب وقعت بين العراق وائتلاف دولي من 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة. بدأ الصراع بعد بدخول الجيش العراقي للكويت عام 1991 وانتهت بذات العام وقد تألفت الحرب من جزئيني رئيسيين: الأول القصف الجوي على أهداف داخل العراق، والثاني: توغل قوات التحالف داخل الأراضي العراقية وقد امتدت الحرب على مساحة جغرافية شاسعة شملت الكويت والسعودية والعراق. في مجال النتائج كان استخدام أمريكا للأسلحه المُحرمه دولياً مثل اليورانيوم المُنضب والأسلحة الكيمياويه بكثافه عاليه إلى انتشار أنواع كارثيه من أمراض السرطانات وغيرها التي لم يشهد التاريخ المعاصر لها نظير؟! كما شهد العراق قيام الطيران الأمريكي بقصف ملجأ العامرية في بغداد وبالذات بتاريخ 10/2/1991 حيث بلغ عدد الشهداء فيه (350) شهيد جُلهم من النساء والأطفال، حيث استشهدوا جميعاً حرقاً أو خنقناً جراء دخان الحريق الذي شب في الملجئ..؟!
(20) عام 1994 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في هايتي لإعادة الدكتاتور (ارستيد) للسلطه.
(21) عام 1995 تدخلت الولايات المتحده الأمريكيه في كرواتيا ضد الصرب.
(22) عام 1998 قصفت الولايات المتحده الأمريكيه مدن العراق المُختلفة لمدة أربعة أيام متواليه ذهب ضحيتها المئات من المدنيين.
(23) عام 2001 شنت الولايات المتحده الأمريكيه الحرب على افغانستان بدعم مُباشر من إيران، وارتكبت قواتها العديد من المجازر فيها منها مجزرة (قلعة جهانجي) حيث قتلت تلك القوات وبدم بارد 600 أسير حرب مُقيد بالسلاسل من قوات طالبان بعد أنْ عجزت عن استنطاقهم.
(24) عام 2003 غزت الولايات المتحده الأمريكيه العراق واحتلته، وفي جزئيه من جزئيات الإرهاب الدموي الذي مارسته تلك الإمبراطوريه الفاشيه أنها في يوم 30/3/2003 سقط على العاصمه بغداد لوحدها ما مقدارهُ (2000) صاروخ نوع كروز، حيث أطلق على تلك الليلة قادة البيت الأبيض ب: (( ليلة الصدمه والرعب ))؟!
4- أجهزة المخابرات والاستخبارات الأمريكيه العدوانيه:
تعمل في الولايات المتحده الأمريكيه 15 وكاله استخباريه يعمل فيها ما يزيد على 200,000 ألف موظف مدني وعسكري ولا يدخل ضمن هذا الرقم عملاء الوكالات السريين الذين يتوزعون في أمكان مُختلفه من العالم، وتبلغ ميزانيات تلك الوكالات ما يزيد على أربعين بليون دولار، وهو رقمٌ قائم على التكهن لأن ميزانيات تلك الوكالات تُعد سريه ولا يجوز الإعلانُ عنها، وتشرُف وزارة الدفاع الأمريكيه "البنتاغون" على 80% من تلك الوكالات، وفيما يلي أهم تلك الوكالات:
(1) وكالة الاستخبارات المركزيه المعروفه ب "C I A ": تُعد وكالة المخابرات الأمريكية أحد أهم الأجهزة الرئيسية للتجسس ومقاومة التجسس في الولايات المتحدة. فقد أنشئت إبان الحرب العالمية الثانية بأمر من الرئيس الأمريكي ”هاري ترومان" لتحل محل "مكتب الخدمات الاستراتيجية" الذي كان أسسه الرئيس "فرانكلين روزفلت" وذلك تحت ضغط الاستخبارات العسكرية ومكتب المباحث الفدرالي، ومهمة المخابرات الأمريكية تتلخص في الحصول على المعلومات الخارجية بصفة خاصة وتجميعها وتقسيمها، وكذلك تدبير العمليات السرية التي ترى أنها تحقق أهدافها السياسية، سواء أكانت عسكرية أو مؤامرات سياسية، كان من أهدافها الأساسيه خلال حقبة الحرب البارده هو الحد من المد الشيوعي، وبعد انهيار الشيوعيه (الاتحاد السوفيتي) تحولت أهدافها إلى مُحاربة الإسلام تحت غطاء "الإرهاب الأصولي" الذي اختلقتهُ وسعت بنجاح إلى ترويجه إعلامياً وإقناع شرائح مُهمه من المجتمع الأمريكي والعالمي، ولا زالت تعمل تحت ذات الأهداف حيث كان غزو واحتلال العراق باكورة تلك الأهداف المُضلله، أثبتت فشلها الذريع فيما يتعلق بغزو العراق حيث اثبتت الأحداث الميدانيه للاحتلال خطأ المعلومات التي قدمتها للبيت الأبيض مما دفع رئيسها وقتئذٍ للإستقاله، تُقدر موازنتها بما يزيد على 3,1 بليون دولار، يعمل فيها ما يزيد على 17،000 ألف موظف وعدد أكبر من العملاء المنتشرين في عموم العالم.
(2) وكالة الأمن القومي "N S N" : أُنشئت عام 1952، يعمل فيها ما يزيد على 21 ألف موظف، تُقدر موازنتها بما يُزيد على 3،6 بليون دولار، مهمتها متربطه بالقطاع الإلكتروني حيث تعمل على فك أسرار الرموز، والتنصت، وقراءة الرسائل الإلكترونيه..إلخ.
(3) وكالة استخبارات الدفاع " D A A ": أُسست عام 1961، يعملُ فيها ما يزيد على 7000 موظف بين مدني وعسكري، مُتخصصه في جمع المعلومات العسكريه التي تؤثر على الأمن القومي الأمريكي.
(4) مكتب الاستطلاع الوطني " N R O ": أُنشىء عام 1960 ويتخذ من مدينة شانتي في ولاية فريجينيا مقراً لهُ، تتلخص مُهمته في إدارة مجموعه من الأقمار الصناعيه التجسُسيه ويُحللها ويُقدمها للوكالات المُشار إليها أعلاه وغيرها أيضاً وفق تخصُصِها الاستخباري.
(5) مكتب التحقيقات الفيدراليه " F B I " أُنشىء عام 1908، يعملُ فيه ما يزيد على 11،400 موظف، مهمتُهُ جمع وتحليل المعلومات الاستخباريه...إلخ.
(6) وزارة الأمن الداخلي الأمريكيه: أُنشئت في بداية عام 2003، يعملُ فيها ما يزيد من 17،000 ألف موظف تم تجميعهم من 22 وكاله استخباريه فيدراليه، من مهامها جمع وتحليل المعلومات من مُختلف المصادر، و...إلخ.
(7) هيئات استخباريه في كُل فروع الجيش الأمريكي، يعملُ فيها ما يزيد على 54،000 ألف شخص، تبلغ موازنتها الماديه ما يزيد على 11 بليون دولار، مثل الوكاله الاستخباريه الخاصه بسلاح البحريه، وأخرى للقوات الجويه، وأخرى للقوات البريه، وأخرى لمشاة البحريه "المارينز" ...إلخ.
* الدكتور ثروت اللهيبي - باحث وكاتب عراقي كبير
almostfa.7070@ yahoo.com
11/7/2010
يتبع
المراجع:
(1) الأنفال / 17، تفسير الآية الكريمة كما ورد في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: (( 17 - (فلم تقتلوهم) ببدر بقوتكم (ولكن الله قتلهم) بنصره إياكم (وما رميت) يا محمد أعين القوم (إذ رميت) بالحصى لأن كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر (ولكن الله رمى) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين (وليبلي المؤمنين منه بلاءً) عطاءً (حسناً) هو الغنيمة (إن الله سميع) لأقوالهم (عليم) بأحوالهم.)).
(2) صحيفة المنار، العدد 298 في 23/6/2004، ص 3.
(3) انترنيت، حسن خليل غريب (كاتب وباحث من لبنان)، فتشوا عن المشهد العراقي في شوارع أميركا ومؤسساتها الرسمية والأهلية، يا جماهير شعب الولايات المتحدة الأميركية اتحدوا وانقلبوا على لصوص إدارتكم الرأسمالية، 25/11/2007.
(4) للإطلاع على المقصود ب"مجموعة السبعه" أنظر: السفير بول برايمر بالاشتراك مع مالكوم ماك-كونل، ترجمة عمر الأيوبي، عام قضيته في العراق، النضال لبناء غدٍ مرجو، دار الكتاب العربي، (بيروت – لبنان-2006)، الفصل الثاني، تولي المسؤوليه، ص 63 – 64.
(5) الباي: يُمثل النسبة بين طول المحيط وطول قطره.
(6) مركز دراسات الوحدة العربية، العراق الغزو-الاحتلال-المقاومه، شهادات من خارج الوطن العربي، ط1 (بيروت-ك1/ديسمبر 2003)، ص 30 - 33.
(7) الإسراء/16، تفسير الآية الكريمة كما ورد في تفسير الجلالين المُحمل على قرص كمبيوتري: ((16 - (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا (ففسقوا فيها) فخرجوا عن أمرنا (فحق عليها القول) بالعذاب (فدمرناها تدميرا) أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها.)).
(8) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.hanein.info ، موعد اللقاء في قلب الإمبراطورية الأمريكية وإستراتجية الصلاة في تل أبيب.